هل يَحصَلُ تَرسِيمُ الحُدودِ البحرِيّة عَشِيَّة الانتخاباتِ الاسرائيلية؟
الدكتور ناصيف حتّي*
يجري الحَديثُ عن مَوعِدٍ قَريبٍ، في نهايةِ هذا الشهر أو مَطلَعِ الشهرِ المقبل، لعودة آموس هوكشتاين، الموفد الأميركي المُكَلَّف بالتوسّط في عمليّة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، إلى بيروت حامِلًا الجواب الإسرائيلي، بشأن موضوع الترسيم، عن الموقف اللبناني الذي يُؤكّدُ على خط ٢٣ مع حقلِ قانا كُلِّيًا. ولكن يرى أكثر من مُراقبٍ أن إسرائيل قد تُحمِّلُ الموفدَ الأميركي شروطًا جديدة، منها ما يتعلّقُ بالحصول على مَمَرٍّ عبر الحقل ٨ اللبناني لمدِّ أنبوبِ الغاز الإسرائيلي إلى قبرص وبالتالي إلى أوروبا، وهو ما يرفضه لبنان بشكلٍ واضحٍ وحازمٍ. الأمر الذي سيؤدّي إلى مزيدٍ من التعقيداتِ والمُماطلة، وبالتالي تأجيل التوصّلِ إلى التسوية التي يعملُ عليها الموفد الأميركي.
ويرى آخرون أنَّ إسرائيل قد تتجه في خضمِّ اشتدادِ المعركة الانتخابية التشريعية إلى طَلَبِ تأجيل بتِّ هذا الملف، بشكلٍ أو بآخر، إلى ما بعد الانتخابات التي ستجري في الأول من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. سببُ ذلك، حسب هذا الرأي، أنَّ ملف ترسيم الحدود البحرية مع لبنان صارَ جُزءًا من “أوراقِ” لعبة المزايدات الانتخابية في إسرائيل.
بالطبع يستدعي تأجيلُ الترسيم، سواء تمَّ بشكلٍ مُباشر أو عبر شروطٍ غير مقبولة لبنانيًا كما أشرنا سابقًا، تأجيلًا آخر يتعلّق بأعمال الحفر من طرف إسرائيل لاستخراج الغاز من حقل كاريش كما كان مُقرَّرًا. فعدم القيام بذلك التأجيل من طرف إسرائيل في الحالة المُشارِ إليها، قد يؤدي إلى توتّرٍ مفتوحٍ على كافة الاحتمالات، ولو أنه لا يوجد طرفٌ في الصراع القائم يودّ اللجوء إلى خيار الحرب. الخيارُ المُكلِف للجميع والذي يدفع الوضع القائم نحو المجهول إذا حصل.
الإنتخاباتُ الاسرائيلية المقبلة ستكون الخامسة التي تجري في السنوات الثلاث الأخيرة. الأمرُ الذي يدلُّ على عُمقِ الأزمة السياسية التي تعيشها إسرائيل، وكذلك على التحوّلات السياسية والعقائدية والحزبية التي شهدتها. طرفا المواجهة ينتميان الى اليمين المُتشدّد بشقَّيهِ الديني والاستراتيجي والذي يُهيمن منذ سنواتٍ على الحياة السياسية في إسرائيل. رئيس الحكومة الحالية يائير لَبيد يتّهمه خصومه بأنه يؤيّد حلّ الدولتين (قيام دولة فلسطينية الى جانب دولة إسرائيل) لتشليحه أصواتًا انتخابية. وبالطبع هو بعيد كل البعد عمّا يُتَّهَمُ به من قبل هؤلاء الخصوم .
الحرب التي شنّتها إسرائيل ضد قطاع غزة من جهة، واستمرار سياسة الاعتداءات المُتكرّرة من الإسرائيليين على الأماكن المُقدّسة الإسلامية في القدس وكذلك خارجها من جهة أُخرى، إلى جانب سياسة التوسّعِ الاستيطاني تُعبّر عن هذا التوجّه الإلغائي ل”الآخر” الفلسطيني. يزيد بالطبع من حدّة هذا التوجّه تسجيل المواقف الإنتخابية المُرتفعة السقوف، التي تلاقي المزاج الشعبي العام عشية الانتخابات.
عددٌ من المؤشّرات، في خضمِّ الحربِ التي قامت بها إسرائيل على غزة وغداة التوصّل إلى وقفِ إطلاقِ النار، أظهرت أنَّ هناك تبلورًا لاهتمامٍ دولي وإقليمي، ما زال خجولًا وفي بداياته، لإعادةِ إدراجِ المسألة الفلسطينية على جدول الأولويّات الإقليمية. الجدولُ الذي يَحملُ الكثير من التحدّيات والأزمات والحروب التي تستدعي العمل لاحتوائها وتسويتها يشكلٍ أو بآخر. ولكن رُغمَ ازدحامِ الجدول الإقليمي لم تعد تكفي “مراهم” الهدنة ووقف القتال واحتواء النار القابلة لإعادة الاشتعال تحت الرماد كما شهدنا أخيرًا في غزة والتي قد تنتقل الى الضفة الغربية، كما إنها قادرة أن تُغذّي الصراعات الأُخرى في الإقليم.
أحد دروس ما حصل أنه صار المطلوب العودة ولو التدريجية من خلال إيجاد صيغة تعاون، أيًّا كان شكلها وطبيعتها، بين القوى الدولية والإقليمية الفاعلة والمؤثّرة لإعادة وضع “النزاع” على سكّة التسوية، الأمر الذي يُساهِمُ بشكلٍ كبير في إخماد واحتواءِ عددٍ من الحرائق وفي صنعِ الاستقرار في الإقليم.
- الدكتور ناصيف يوسف حتّي هو أكاديمي، ديبلوماسي متقاعد ووزير خارجية لبنان السابق. كان سابقًا المُتَحدِّث الرسمي باسم جامعة الدول العربيةولاحقًا رئيس بعثتها في فرنسا والفاتيكان وإيطاليا، والمندوب المراقب الدائم لها لدى منظمة اليونسكو.
- يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).