تهديداتُ روسيا وإيران تُعيدُ الدفاعَ الصاروخي إلى جَدوَلِ الأعمال
في ظلّ ما يحدث في أوكرانيا وإيران يبدو أن هناك عودة في أوروبا والشرق الأوسط إلى خطط الدفاع الصاروخي التي تُعتبر بالنسبة إليهما نعمة ونقمة.
أزريل بيرمانت*
في حزيران (يونيو)، أثار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ضجّة عندما قال إنه سيدعم إنشاء تحالف عسكري شبيه بحلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط. وأكد الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال زيارته الأخيرة للمنطقة، التزامه بـ”تطويرِ هيكلِ دفاعٍ جوي وصاروخي أكثر تكامُلًا وشبكات إقليمية والتصدّي لانتشار الأنظمة الجوية المُسَيَّرة والصواريخ إلى الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تُهدّد السلام وأمن المنطقة”. كان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس من أكثر المؤيدين حماسة لفكرة التحالف الدفاعي الإقليمي وزَعَمَ أن تحالفًا فعليَّا بين إسرائيل والعديد من دول الخليج العربية قد تم تفعيله بنجاح ضد التهديدات الجوية من إيران.
وسواء اتّخَذَ هذا التحالف شكلَ تحالفٍ كاملٍ أم لا، فهناك أوجهُ تشابهٍ مُثيرة للاهتمام بين اتفاقية الدفاع الجوي التي تقترحها الولايات المتحدة للشرق الأوسط ونظام الدفاع الصاروخي لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوروبا. كان التهديد المتزايد الذي تشكّله الصواريخ الإيرانية والخوف من أن تستخدمها طهران لصنع أسلحة نووية من الدوافع الرئيسة للجهود الأميركية على مدار العشرين عامًا الماضية لنشرِ درع دفاع صاروخي في كل من أوروبا والشرق الأوسط. على الرغم من التهديدات الروسية العلنية ضد الناتو، فقد أكّد الحلف منذ فترة طويلة أن نظام الدفاع الصاروخي، الذي هو قيد التطوير، في أوروبا موجودٌ لمواجهة التهديدات من “خارج المنطقة الأوروبية-الأطلسية” – وهذا يعني إيران. في العام 2015، في أعقاب توقيع الاتفاق النووي الإيراني، أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أنه لم يعد هناك أي سبب يدعو الولايات المتحدة للحفاظ على خططها الدفاعية الصاروخية الأوروبية. وقد استند لافروف في تلميحه إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي صرّح في نيسان (أبريل) 2009 أنه بمجرد “القضاء” على التهديد الإيراني، لن تكون هناك حاجة للدفاع الصاروخي في أوروبا.
ومع ذلك، مع اعتراف إدارة بايدن الآن بأن فُرَصَ إحياء الاتفاق النووي تتضاءل يومًا بعد يوم، فإن درع الناتو المضاد للصواريخ له هدف مُتجَدِّد. قد يؤدي دعم إيران القوي للحرب الروسية في أوكرانيا –بما في ذلك التقارير التي تُفيد بأنها تُزوّد روسيا بطائراتٍ مُسَيَّرة لاستخدامها في أوكرانيا– إلى إحياء المخاوف من تهديد إيراني مُحتَمَل لأوروبا. في الوقت نفسه، هناك أيضًا مخاوف متزايدة في أوروبا من التهديد الصاروخي الروسي. حتى برلين، وهي صديقة قديمة لموسكو، أعربت عن اهتمامها بشراء نظام دفاع صاروخي لحماية نفسها من روسيا. إلى جانب التقدّم الكبير في برنامجها النووي، تمتلك إيران أكبر ترسانة صاروخية وأكثرها تطورًا في المنطقة. تمتلك إيران صواريخ يمكنها الوصول إلى أهدافٍ في الشرق الأوسط وتركيا وجنوب شرق أوروبا. في أواخر العام 2018، ذكرت تقارير أن إيران اختبرت صاروخًا باليستيًا متوسط المدى، يُعتقد أنه صاروخ “خورمشهر”، والذي يمكنه ضرب جنوب وشرق أوروبا – ربما أهداف في فرنسا.
حذّر بعض الخبراء من أن إيران تنظر على الأرجح إلى التعاون الأمني الذي ترعاه الولايات المتحدة بين إسرائيل ودول الخليج على أنه “تحالفٌ هجومي”، مما شجع النظام على تكثيف برنامجه النووي وتصعيد العمليات العسكرية ضد الدول التي تصطف ضده. إن التعاون الوثيق، ناهيك عن التحالف، يمكن أن يقوّي الانقسامات القائمة بينما يقضي على الآمال في التوصل إلى حلٍّ ديبلوماسي. كما هو متوقع، أدانت إيران خطط الدفاع الجوي المشترك، مُرَدِّدَةً صدى التحذيرات طويلة الأمد من علماء الفيزياء النووية الأميركيين بشأن ما يقولون إنه التأثير المزعزع للدفاع الصاروخي في أوروبا وأماكن أخرى.
إن معارضة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشرسة للدفاع الصاروخي في أوروبا كانت ظاهرة طوال فترة قيادته لروسيا. في مذكراته الرائعة، يصف ويليام بيرنز، الديبلوماسي المحترف والمدير الحالي لوكالة المخابرات المركزية، كيف يمكن للمخاوف الروسية بشأن خطط الدفاع الصاروخي الأميركية أن تتسبّب في “تحطيم قطار” العلاقات الأميركية-الروسية. كانت مخاوف روسيا بشأن الدفاع الصاروخي واضحة بالفعل خلال الحقبة السوفياتية، عندما أعربت موسكو عن مخاوفها بشأن مبادرة الدفاع الاستراتيجي للرئيس آنذاك رونالد ريغان. تُعرَف المبادرة على نطاق واسع باسم برنامج “حرب النجوم”، وكانت محاولة لتطوير درع صاروخي في الفضاء اعتبره السوفيات أنه يحتمل أن يُبطل رادعهم النووي الاستراتيجي.
كما أوضح لي أندريه كورتونوف من مجلس الشؤون الدولية الروسي، تخشى روسيا من أن تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بتطويرٍ كبيرٍ لأنظمة الدفاع الصاروخي المنتشرة في رومانيا وبولندا، مما قد يُقوّض قدرات الضربة الثانية الروسية. كما تخشى موسكو من أن تتمكّن واشنطن من تكييف صواريخها الاعتراضية في رومانيا وبولندا لتمكينهما من إطلاق صواريخ توماهوك الهجومية. تتفاقم هذه المخاوف بسبب استخدام الولايات المتحدة لمنصّة إطلاق الصواريخ “مارك-41” (Mark 41)، التي استُخدِمت سابقًا في الضربات الانتقامية، لإسقاط الصواريخ الباليستية الآتية. في العام 2018، أعلن بوتين عن خططٍ لنشر عدد من الأنظمة النووية الجديدة للتهرّب من الدفاعات الصاروخية الأميركية، بما في ذلك صاروخ كروز يعمل بالطاقة النووية ومركبات انزلاقية تفوق سرعة الصوت.
في معظم الغرب، تم رفض خطاب بوتين بشأن الدفاع الصاروخي باعتباره جنون العظمة. وفقًا لبيرنز، “بالنسبة إلى الكثيرين في روسيا، وخصوصًا في فلك بوتين المتشدّد في مجال الأمن والاستخبارات، يمكنك بناء مدينة ملاهي ديزني في بولندا وسيجدون ذلك تهديدًا”. يؤكد جيم تاونسند، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية وهو الآن زميل كبير في مركز الأمن الأميركي الجديد، أن نظام الناتو مُصَمَّمٌ للتعامل مع عددٍ صغير من الأسلحة الإيرانية المحتملة، وليس لمعالجة التهديد الصاروخي الروسي الأكثر قوّة. ستكون هناك حاجة إلى استثماراتٍ ضخمة في مواقع جديدة للتعامل مع مخزون روسيا من الصواريخ. على الرغم من أن بولندا ودول أوروبا الشرقية الأخرى ستدعم تغيير موقف الناتو، فإن أيّ خطة لإعادة توجيه الدفاع الصاروخي تجاه روسيا لن تحصل على إجماعٍ بين أعضاء الكتلة الآخرين. حتى بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، سيكون هناك رد فعل سلبي إذا جرت محاولة إعادة توجيه الدفاع الصاروخي.
ومع ذلك، فإن هذا لم يمنع لاتفيا من دعوة الناتو في أيار (مايو) الفائت للموافقة على نشرِ نظامِ دفاعٍ صاروخي فوق دول البلطيق. يرتبطُ الطلب بدرجةٍ أقلّ بأيّ حماية يمكن أن يوفرها مثل هذا النظام ضد الصواريخ الروسية (أو الإيرانية) وأكثر بفكرة وجود المزيد من القوات الأميركية على الأرض في المنطقة. يساعد انتشار القوات الأميركية على تعزيز الروح المعنوية ويُنظر إليه على أنه شكل من أشكال التأمين والضمان ضد هجوم روسي محتمل. وبالتالي، فإن نظام الدفاع الصاروخي لحلف الناتو هو وسيلة للولايات المتحدة للإشارة إلى التزامها بأمن حلفائها في أوروبا الوسطى والشرقية.
ينطبق هذا المنطق نفسه على الشرق الأوسط أيضًا وسط مخاوف من انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة. خلال عهد باراك أوباما، سعت واشنطن دون جدوى لإقناع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بدمج قدراتها الدفاعية الصاروخية. في حين أن دولًا مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان وقطر قد اشترت أنظمة دفاع صاروخي من الولايات المتحدة – بما في ذلك بطاريات صواريخ باتريوت ونظام دفاع منطقة الارتفاعات العالية – لمواجهة تهديد نووي إيراني محتمل، فإن التنافس بين دول الخليج أعاقت إقامة دفاع متكامل. زادت أنشطة إيران الصاروخية والطائرات المُسَيَّرة في المنطقة، بما في ذلك الضربات التي شنتها في العام 2019 على منشآت معالجة النفط السعودية، من احتمال قيام تحالف دفاع جوي متكامل.
ومع ذلك، في صيف العام 2021، سحبت الولايات المتحدة دفاعاتها الصاروخية من المملكة العربية السعودية ودول أخرى في الشرق الأوسط في سعيها للتركيز على التهديدات من الصين وروسيا. أثار هذا الأمر مرة أخرى تساؤلات حول مصداقية الولايات المتحدة كحليف. إن اهتمام واشنطن برعاية نظام إنذار مبكر متكامل في الشرق الأوسط هو وسيلة لتعزيز مصداقية التزامات واشنطن تجاه حلفائها الإقليميين ويمكن أن يساعد على تهدئة المخاوف بشأن انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. التكنولوجيا التي يتم توفيرها حصرية لأميركا وستساعد على ضمان بقاء القوات الأميركية في المنطقة.
هناك، بالطبع، فرق كبير بين حالتي أوروبا والشرق الأوسط، يتجاوز التهديد الذي تتعرض له أوروبا من روسيا. سيتطلب نظام دفاع جوي متكامل في الشرق الأوسط من الخصوم الجدد مشاركة معلومات استخباراتية حساسة. لقد أوضحت المملكة العربية السعودية بالفعل أنها لن توافق على تطبيع العلاقات مع إسرائيل ما لم يتم حل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. قد تمر سنوات عديدة حتى تتهيَّأ الظروف السياسية لنظام دفاعي متكامل تمامًا – ناهيك عن تحالف أمني رسمي.
علاوة على ذلك، تنظر إسرائيل إلى إيران على أنها عدوٌ لدود يسعى إلى تدميرها. وفي حين أن دول الخليج قلقة بالتأكيد من نشاط إيران المزعزع للاستقرار، فإنها تفضل الحوار مع إيران على المواجهة المستمرة. تطمح إدارة بايدن إلى دمج أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية مع أنظمة دول الخليج من خلال تطوير شبكة من الرادارات وأنظمة الإنذار المبكر والصواريخ الاعتراضية. من الواضح أن إسرائيل ستستفيد من أجهزة الاستشعار المنتشرة في الخليج، مما يمنحها إنذارًا مبكرًا من هجوم إيراني محتمل. لكن دولًا مثل الإمارات العربية المتحدة قد تكون حذرة من إثارة غضب إيران من خلال التعاون العسكري المفتوح مع إسرائيل.
إن ترويج واشنطن لشراكة دفاعية إقليمية له غرض أوسع يتجاوز الإشارة إلى التزاماتها تجاه الحلفاء الإقليميين: إنه يهدف أيضًا إلى تقليل الضغط لشن هجوم عسكري استباقي إسرائيلي ضد إيران التي صارت على وشك الحصول على سلاح نووي. من الواضح أن الولايات المتحدة لا ترغب في الانجرار إلى حرب إقليمية. لسنوات عديدة، ادعى المسؤولون الأميركيون أن تمويلهم وتطويرهم ونشر دفاعاتهم الصاروخية لا يهدف فقط إلى حماية الحلفاء في حالة الصراع ولكن أيضًا لردع وتثبيط استخدام القوة العسكرية في المقام الأول. بالنسبة إلى إدارة أوباما، فإن التعاون مع إسرائيل في مجال الدفاع الصاروخي –تطوير وتمويل نظام “آرو 3” (Arrow 3) وتمويل القبة الحديدية– لم يكن فقط وسيلة لدعم حليف رئيس ولكن أيضًا وسيلة لتقليل احتمالية الحرب.
هذا الاتجاه في التفكير صحيح، كما أظهرت الأيام القليلة الماضية من القتال بين إسرائيل والجهاد الإسلامي الفلسطيني. ذكرت التقارير أن القبة الحديدية الإسرائيلية اعترضت 97 في المئة من الصواريخ التي أطلقتها حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية من غزة إلى إسرائيل. أدّى هذا الأداء الناجح إلى تحييد وابل الصواريخ، ما ساعد بشكل كبير في تجنّب الحاجة إلى حرب برية وإنهاء القتال بسرعة. لم يكن من قبيل المصادفة بالتأكيد أن قال بايدن يوم الأحد الفائت إن الولايات المتحدة “فخورة بدعمنا للقبة الحديدية لإسرائيل”.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يكون فيها للدفاع الصاروخي تأثير استقرار. جادلت رئيسة سياسة الدفاع الصاروخي الأميركي السابقة، بيبي ديبياسو، بأن نقل أنظمة دفاع باتريوت الأميركية إلى إسرائيل لعب هذا الدور خلال حرب الخليج العام 1991. على الرغم من أن صواريخ باتريوت لم تكن ناجحة جدًا في اعتراض صواريخ سكود العراقية، إلّا أنه كان من المُعتقَد على نطاق واسع أنها ساعدت على إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق شامير بالبقاء بعيدًا من الحرب التي قادتها الولايات المتحدة ضد الديكتاتور العراقي صدام حسين. كان وجود القوات الأميركية في إسرائيل لتفعيل صواريخ باتريوت مهمًا أيضًا في رفع الروح المعنوية للجمهور الإسرائيلي.
من هذا المنظور، ستكون هناك فائدة أوسع لدول المنطقة التي تشارك إسرائيل خوفها من التهديد الذي تشكله إيران المسلحة نوويًا. إن دولًا خليجية، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لديها علاقات مع إيران وتحتاج إلى الحفاظ عليها. ومع ذلك، قد تعتبر هذه الدول نظامًا دفاعيًا متكاملًا –خصوصًا إذا كان يُشرك القوات الأميركية كقوة معنوية معززة وقوة مُساندة محتملة– كنعمة يمكن أن تقلل من احتمالية نشوب حرب إقليمية خطيرة.
- أزريل بيرمانت هو باحث أول في معهد العلاقات الدولية في براغ، ومؤلّف كتاب “مارغريت ثاتشر والشرق الأوسط”. يمكن متابعته عبر تويتر على: @azrielb.
- يصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالانكليزية في “فورين بوليسي” الأميركية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.