الإطارُ المُشتَرَكُ لمجموعةِ العشرين يَلزَمهُ تحسيناتٍ لمَنعِ حدوثِ أزمةِ ديونٍ عالميّة

تُعتَبَرُ آلية إعادة هيكلة الديون في العالم اليوم أكثر أهمية من أيِّ وقت مضى – ولكن لكي تكون فعّالة، سيحتاج الإطار المشترك الذي أطلقته مجموعة العشرين إلى معالجة بعض القضايا التي تحدّ من مشاركة البلدان الغارقة في الديون على نطاق أوسع.

مؤتمر مجموعة العشرين في العام 2021: إطلاق الإطار المشترك لمعالجات الديون خارج “مبادرة تعليق سداد خدمة الدين”.

لينا موصلي وبيتر روزندورف*

في 30 تموز (يوليو)، تَلَقَّت كريستالينا جورجيفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، بعض الأخبارِ السارّة: أعلنت لجنةٌ من الدائنين الرسميين، برئاسةٍ مُشتَرَكة بين الصين وفرنسا، أنها “مُلتَزِمة بالتفاوض” حول شروط إعادة هيكلة الديون ومُستَعِدَّة لتقديم ضماناتِ التمويل اللازمة لزامبيا. هذه الالتزامات، التي تُعتَبَرُ أساسية لمَنحِ قَرضٍ مدته ثلاث سنوات بقيمة 1.3 مليار دولار وعد به صندوق النقد الدولي، تعني أن الإطارَ المُشترك لمجموعة العشرين لمعالجة الديون، الذي يُشكّلُ سياسةً تهدفُ إلى مُعالجةِ ما يمكن أن يصبح أزمة ديون عالمية، قد يكون قريبًا من تحقيق أول قصة نجاح. ووصف رئيس البنك الدولي دايفيد مالباس الاجتماع الرسمي للدائنين بأنه “يُقدّمُ بعض بوادر الأمل”.

حتى الآن، طلبت تشاد وإثيوبيا وزامبيا فقط مُعامَلةَ ديونها بموجب الإطار المشترك منذ إنشائه في العام 2020، وكان التقدّمُ في مفاوضاتها بطيئًا للغاية. لكن مع تحليق مُعدّلات التضخّم وارتفاعِ أسعار الفائدة، تُواجِهُ بلدانٌ عديدة أخرى أزمات ديونٍ سيادية بدأت تلوح علاماتها في الأفق. بالنسبة إلى البعض، تسبّبت الظروف الاقتصادية في عدم الاستقرار السياسي، كما هو الحال في سريلانكا، حيث أطاحت الاحتجاجات الحاشدة بالرئيس السابق جوتابايا راجاباكسا من منصبه في تموز (يوليو). وتُعتَبَرُ آلية إعادة هيكلة الديون اليوم أكثر أهمية من أيِّ وقت مضى – ولكن لكي تكون فعّالة، سيحتاج الإطار المشترك إلى معالجة بعض القضايا التي تحدّ من مشاركة البلدان الغارقة في الديون على نطاق أوسع.

في أواخر العام 2010، استفادت حكومات عدة من مُعدّلات الفائدة العالمية المُنخفِضة لتوسيع نطاق اقتراضها. لم يُولِ مُستثمرو القطاع الخاص الاهتمام الضروري للمخاطر السياسية، وركّزوا بدلًا من ذلك على الحصول على عوائد أعلى. أصدر العديد من الحكومات سندات سيادية في الأسواق الخاصة لأول مرة. واستخدمت دولٌ أخرى عائدات الموارد الطبيعية لتأمين الأموال أو حوّلت بعض اقتراضها من الدين الأجنبي إلى دَينٍ بالعملة المحلية. كما أدّى بروز الصين كمَصدَرٍ مُهِمٍّ للتمويل إلى زيادة تسهيل الاقتراض الحكومي.

قلّصت جائحة كوفيد-19 الحَيِّزَ المالي لإدارة الديون في العديد من البلدان منخفضة ومتوسّطة الدخل. في الآونة الأخيرة، رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة لمُعالجة المخاوف الناشئة من التضخّم، ما تسبّب في ارتفاع تكاليف تأمين ديون جديدة وإعادة تمويل الالتزامات الحالية. وقد أدّت قوّة الدولار الأميركي إلى تفاقم تحدّيات إدارة الديون المُقَوَّمة بالعملات الأجنبية. كما أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والواردات الأخرى، إلى جانب الحرب في أوكرانيا، إلى زيادة الاحتياجات التمويلية. ومن المتوقع، بمرور الوقت، أن تنضمَّ دولٌ أخرى إلى سريلانكا وإثيوبيا وغانا وزامبيا في مواجهة أزمات الديون.

بدأت العملية التي أسفرت عن الإطار المشترك في أيار (مايو) 2020، عندما أطلقت مجموعة العشرين “مُبادرةَ تعليق سداد خدمة الدين”. مُتَوَقِّعَةً تحدّيات الديون المُرتبطة بالوباء، فقد سمحت هذا المبادرة  ل73 دولة مُنخَفِضة الدخل مُثقَلة بالديون تعليق مدفوعات الفائدة على ديونها الرسمية الثنائية حتى نهاية العام 2021. وقد اختارت 48 دولة في النهاية هذا البرنامج، وأجّلت 12.9 مليار دولار من مدفوعات خدمة الديون. والجدير بالذكر أن الدائنين من القطاع الخاص لم يشاركوا، وأرجأت مبادرة تعليق سداد خدمة الدين تكاليف خدمة الدين بدلًا من خفضها.

ومع ذلك، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، وإقرارًا بالنطاق المحدود ل”مبادرة تعليق سداد خدمة الدين” وتحدّيات الديون المستمرة التي يواجهها العديد من البلدان، أعلن وزراء مالية ومحافظو البنوك المركزية في مجموعة العشرين عن مبادرةٍ جديدة: الإطار المشترك لمعالجات الديون خارج “مبادرة تعليق سداد خدمة الدين”. تم وضع هذا الإطار المُشترك بالاشتراك مع نادي باريس –وهو مجموعة غير رسمية مُكوَّنة من مسؤولين ماليين مموّلِين من 20 دولة تُعدُّ من أكبر الاقتصادات في العالم— حيث وعد البلدان المدينة بعمليةٍ مُبَسَّطة لمعالجة ضائقة الديون. كما قام بتضمين دائنين رسميين “جدد” –والأهم من ذلك الصين– وهو مُتاحٌ لمجموعة البلدان نفسها المؤهّلة ل”مبادرة تعليق سداد خدمة الدين”.

تبدأ عملية الإطار المشترك بتحليل القدرة على تحمّل الديون الذي يُجريه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، واللذان يُقيِّمان معًا احتياجات خدمة الدين الحكومية على المديَين القصير والطويل. ثم تتفاوض الحكومة مع الدائنين الرسميين للإطار وتكون مُلزَمة بطلَبِ صفقاتٍ مُماثلة من الدائنين في القطاع الخاص، بحيث لا يتحمّل أيُّ طرف أو نوعٍ من الدائنين عبئًا أكبر.

.يَعِدُ الإطار المشترك بعمليةِ تفاوضٍ “مفتوحة وشفّافة”، مع إيلاء “الاعتبار الواجب” للشواغلِ المُحدّدة للحكومة المدينة أو أي دائنين مشاركين. ومع ذلك، لم ينجح الأمر بشكلٍ جيد: فقد كان الدائنون الرسميون بطيئين في الاتفاق في ما بينهم، وتم استبعاد الدائنين من القطاع الخاص بالكامل تقريبًا حتى المراحل اللاحقة، ما يعني أن عددًا قليلًا من البلدان المؤهّلة قد اختارت المشاركة. الواقع أن التحسينات في الإطار المشترك مطلوبة للتعامل مع أزمات الديون المقبلة.

أوّلًا، ستكون الحكومات أكثر ميلًا لاستخدام عملية الإطار المشترك إذا كان لديها إحساسٌ أوضح بالجدول الزمني والنتائج المُحتَمَلة. لدى معظم الحكومات حوافز سياسية محلّية لتأخير عمليات الاستقرار وطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي، حيث يرغب السياسيون في كثيرٍ من الأحيان تجنّب فَرضِ المُعاناة على مؤيّديهم المحلّيين، حتى لو كانت الإصلاحات ضرورية لاتفاق إعادة هيكلة الديون. يُمكن تجنّب التأخيرات إذا كانت إجراءات الحلّ في الوقت المناسب واضحة منذ البداية.

ثانيًا، على الرغم من أن التوصّلَ إلى اتفاقٍ بين الدائنين الرسميين أمرٌ مُعقّدٌ بدرجةٍ كافية، فإن مشاركة الدائنين من القطاع الخاص ضرورية أيضًا – وحتى في وقت لاحق يُمكن أن تتحقق. يشمل الدائنون من القطاع الخاص حاملي السندات والبنوك التجارية والشركات التي قدمت أو قادت قروضًا مدعومة بالموارد. على سبيل المثال، ما يقرب من ثلث ديون تشاد مُستَحقّة لشركة “غلينكور بي أل سي” (Glencore PLC) ودائنين تجاريين آخرين، وبعضها يتم سداده من طريق شحنات النفط الخام.

في شكله الحالي، يمكن القول إن تسلسل الإطار المشترك يترك هؤلاء الدائنين من القطاع الخاص على الهامش: يتم إبلاغ الدائنين التجاريين فقط بحجم إعادة الهيكلة، بالإضافة إلى تفاصيل تحليل القدرة على تحمّل الديون من صندوق النقد الدولي الذي تستند إليه، بعد توصّل الدائنين الرسميين إلى اتفاقٍ في ما بينهم.

قد يُشكّك الدائنون الخاصون في الافتراضات التي يُقدّمها التحليل، وقد يميلون إلى الصمود والتقاضي بدلًا من قبول الشروط التي يُقدّمها اللاعبون الرسميون. كما يمكن أن يتسبّبوا في هذه الأنواع من التأخير ليس لأنهم في الواقع يحتاجون إلى مزيدٍ من المعلومات، ولكن لأنهم ببساطة لا يُريدون تقاسم تكاليف إعادة هيكلة الديون وتخفيفها، على الرغم من مشاركتهم كدائنين سياديين.

هذه في نهاية المطاف مَشكَلةُ عملٍ جماعي ناجمة عن تضارب مصالح الدائنين، ومن غير المُرجّح أن يتمَّ حلّها من خلال المشاركة الطوعية في الإطار المشترك وحده. ومع ذلك، فإن التحوّل الأخير في سياسة صندوق النقد الدولي في ما يتعلق بـ”إقراض المتأخّرات” –إعطاء الصندوق خيار توفير التمويل للبلدان المُتخَلّفة عن سداد الديون إلى الدائنين من القطاع الخاص– قد يُساعد على جذب دائنين من القطاع الخاص غير المُتعاونين.

قد تَجبُرُ حكومات الدول القوية القطاع الخاص على المشاركة في إعادة هيكلة الديون. إقترح البنك الدولي أخيرًا أنه في غياب المشاركة الطوعية من قبل الدائنين من القطاع الخاص، فإن الإجراءات القانونية –مثل التغييرات والإجراءات القانونية في المراكز المالية الرئيسة مثل نيويورك ولندن– يمكن أن تفرض مشاركة أكبر للقطاع الخاص. ولكن من وجهة نظر التمويل العالمي، فإن البلدان التي تعاني حاليًا من أعباء الديون المرتفعة هي أصغر من أن تلفت انتباه الحكومات الوطنية الثرية. من غير المرجح أن تؤدّي أزمة الديون في تشاد أو إثيوبيا إلى شراءٍ مُتحمّس عبر أسواق رأس المال الخاص، ما يجعل المُشرّعين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أقل ميلًا لتشكيل التحالفات السياسية المحلّية اللازمة لتغيير قانون الاستثمار بطرق يمكن أن تمهّد المسار لإعادة هيكلة الديون. ربما يمكن لنشطاء الديون والتنمية بدلًا من ذلك استخدام نسخة من استراتيجيات “التسمية والتشهير” التي يتم نشرها غالبًا بواسطة حملات المسؤولية الاجتماعية للشركات بشأن قضايا العمل والبيئة لرفع تكلفة القطاع الخاص لعدم المشاركة.

ثالثًا، يجب توسيع نطاق الإطار المشترك ليشمل البلدان ذات الدخل المتوسط​​، والتي كان لدى العديد منها أعباء ديون عالية حتى قبل جائحة فيروس كورونا. الحالة الراهنة الأكثر جدارة بالملاحظة هي حالة سريلانكا، التي طلبت أخيرًا من صندوق النقد الدولي إعادة تصنيفها على أنها دولة “منخفضة” بدلًا من “متوسطة الدخل” حتى تتمكّن من الوصول إلى خيارات إعادة الهيكلة بموجب الإطار المشترك. من الضروري توسيع نطاق الوصول إلى إعادة هيكلة الإطار المشترك، سواء من خلال المبادرة الحالية أو من خلال مبادرة محسّنة، نظرًا إلى عدم وجود أي إطار دولي آخر لإعادة هيكلة الديون السيادية.

أخيرًا، التحسينات في شفافية الديون ضرورية. غالبًا ما لا يتم الإبلاغ عن الالتزامات غير المُسَدَّدة للحكومات في الإحصاءات الرسمية، سواء بسبب بنود السرية في عقود القروض أو الدوافع السياسية المحلية أو القدرة التقنية المحدودة. غالبًا ما يكون التعتيم أكبر في حالة القروض المدعومة بالموارد وكذلك الائتمان المصرفي التجاري. يمكن أن يؤدي توفير بيانات أكثر اكتمالًا، من قبل الدائنين والحكومات المدينة على حد سواء، إلى التعجيل بالمفاوضات وتسهيل تقاسم الأعباء بشكلٍ أكثر إنصافًا أثناء إعادة الهيكلة.

حتى الإصلاحات المذكورة هنا قد تكون متواضعة للغاية بحيث لا يمكنها معالجة الأزمة التي تلوح في الأفق. يسعى الإطار المشترك إلى تجنّب تخفيض المبلغ الأساسي للديون التي يُدين بها بلد ما من طريق إطالة مدة سداد أصل الدين وفوائده أو خفض معدل الفائدة. لكن في بعض الحالات، تكون أعباء الديون كبيرة جدًا، ومن المحتمل أن يكون تخفيض رأس المال ضروريًا. في حالات أخرى، تجعل الاعتبارات السياسية المحلية الإطار غير جذاب. غالبًا ما تتضمّن اتفاقات صندوق النقد الدولي –وهي شرطٌ مُسبق لآلية الإطار– تخفيضات في دعم الغذاء والوقود، بالإضافة إلى تدابير تقشّف أكثر عمومية، ما يعني أن الحكومات التي تخشى بقاءها في مناصبها من غير المرجح أن تشارك في مثل هذه العملية. لكي يعمل الهيكل المالي الدولي، يجب أن يكون مُدرِكًا للقيود السياسية المحلية التي يواجهها المقترضون، لا سيما في أوقات الأزمات الاقتصادية أو قبل الانتخابات. سريلانكا مثالٌ جيد على ذلك.

  • لينا موصلي هي أستاذة في كلية الشؤون العامة والدولية وقسم السياسة في جامعة برينستون الأميركية. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @LaynaMosley. وبيتر روزندورف هو أستاذ السياسة في جامعة نيويورك. يمكن متابعته عبر تويتر على: @PeterRosendorff

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى