أيُّ رئيس… لأيَّةِ جمهورية؟

ناظم الخوري*

نقتربُ من استحقاقِ انتخابِ رئيسٍ للجمهورية، في مرحلةٍ هي الأكثر انهيارًا في تاريخ لبنان. فأيُّ مُغامِرٍ على استعداد أن يخوضَ غمارَ الرئاسة، والبلد يتحلّل ويسقط ويتلاشى رويدًا رويدًا؟

إن البلادَ لا تستسيغ انتخابَ شخصيةٍ تُجدّدُ المُعاناةَ لستِّ سنواتٍ إضافية. كما أنّها لا تَحتمل أيّ فراغ. والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو أيّ رئيس جمهورية تستدعيه اللحظة الراهنة؟

يُحكى عن مواصفاتٍ مَطلوب توافرها في الرئيس العتيد، كأن يمتلك حيثية في بيئته وأن يحترمَ الدستور، وأن يكون قادرًا على تدوير الزوايا، قادرًا على تحسين صورة لبنان في الخارج.

معلومٌ أن حَسمَ الرئاسة غالبًا ما يكون في الربع الساعة الأخيرة، وأن اسم الرئيس يعكس التسوية. إلّا أنَّ غيابَ أيّ رؤية عند المسؤولين تواكب الأحداث الدولية، يُبقي لبنان من دونِ أُفُق.

إن المشهد منذ العام 2019 قد اختلفَ كلّيًا عن المرحلة الماضية في ضوء التطورات التي نشأت مع ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر) مرورًا بالأزمات المتلاحقة، سيما وأن الدولة لم تُبادِر لوقفِ الإنهيار.

المُحادثاتُ الثُنائية بين الزعماء لم تعد قادرة على تحديد المسار. فالإتفاقات الثُنائية سبق أن اختبرها لبنان وأنتجت في السنة 2016 عهدًا لم يَصُبّ في مصلحة الوطن، بل حلّ وبالًا وكوارث. الإتفاقات الثنائية بين الأطراف قد تَصلُحُ لانتخاباتٍ آنيّة ومسائل مرحليّة مُحَدَّدة، لكنّها لا تجوز لمحاصصاتٍ في إدارة شؤون البلاد.

يعيش لبنان اليوم أزمة هوية في ظلِّ نظامٍ هَشّ. والانتخابات الرئاسية تأتي وسط توتّرٍ دوليٍّ وإقليمي، وانعكاسات الحرب الأوكرانية، ومفاوضات الاتفاق النووي، وتعقيدات الترسيم البحري.

الأزمات الخانقة آيلة، هي الأخرى، إلى التضخّم. فالبلاد على شفير الهاوية، ومُعاناة الناس تتفاقم في ظل الحجز على أموالهم في المصارف، والشلل الإقتصادي الذي لامس حتى رغيف الخبز.

ثم يأتي الأخطر في ما يشهده القضاء، حيث التدخّل السياسي بلغ ذروته، وبلغت وقاحة بعض المسؤولين والسياسيين حدًّا أدّى إلى تعطيل التحقيق في انفجار الرابع من آب (أغسطس) وعدم إقرار التشكيلات القضائية التي أصدرها مجلس القضاء الأعلى مرّتين. في الموازاة، يتردّد المجلس النيابي في إقرار الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي. مشكلةُ لبنان تخطّت شخص الرئيس، بل باتت تُلامِسُ كيانَ الجمهورية التي سيترأَّسها والذي يَتحدَّدُ من خلالِ حوارٍ وطني يعمل على تظهير الرؤية المشتركة. إن عدم القدرة أو الرغبة في الإتفاق على شخص الرئيس العتيد، يجب أن يُعالًج بدعوة الجميع الى حوارٍ وطني جدّي وصريح. وعلى المُتحاورين أن يمثّلوا كل ألوان الطيف السياسي والطائفي.

من العبثية الحديث عن برنامج رئيس الجمهورية ما دام محدود الصلاحيات، مُقَيَّدًا في حكمه، محكومًا بالتوافق العام. إلّا أن هذا لا يعني أن الرئيس هامشي في الديموقراطية اللبنانية. فهو يبقى رأس الدولة وحامي الدستور ورمز وحدة البلاد وهو الضامن الأوّل للميثاقية والعيش المشترك، لا سيما إذا ما جمع في شخصه أداء الحكيم والحَكَم والحاكم، فيقع على عاتقه إنجاح آلية التنسيق بين رئاسة الجمهورية والسلطتين التشريعية والتنفيذية، وفق أُسُسٍ ميثاقية وتفاهمات طوائفية.

إننا إذ ندعو إلى الحوار لا نرمي إلى عرقلةِ الحُكمِ وتفخيخه بالشروط والشروط المضادة، بل تفعيله في جوٍّ من الإستقرار حيث التوافق بين اللبنانيين ضروري ورئيس الجمهورية المُنبَثِق عن هذه الرؤية قادرٌ على التأسيس لعهدٍ مُستقِرّ. وإلّا نكون أمام رئيسٍ يُديرُ الأزمات. ليس إلّا!

تَطَلّعُنا إلى الرئيس الحكيم والحَكَم والحاكم، ودعوتُنا جميع الأفرقاء للحوار الوطني المسؤول والبنّاء، نابعان من إيماننا بلبنان الرسالة حيث تتقاطع على أرضه الأديان والإيديولوجيات. الإتفاقُ على هذه المبادئ من شأنه أن يُعيدَ تثبيتَ هويّة لبنان ودوره وأسباب وجوده. مسؤولية نجاح مثل هذا الحوار تقع على عاتق القيادات السياسية. أما ساحته فلا بدّ من أن يكون البرلمان المُنتَخَب من الشعب والمُعبّر عن خياراته الديموقراطية بتنوّعه وتشكّلاته وكتله.

  • ناظم الخوري هو نائب ووزير لبناني سابق. يمكن متايعته عبر تويتر على: @NazemElKhoury
  • يصدُرُ هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى