أَجمل مكتبات العالَم (3)

مدخل مبنى مكتبة نيويورك

هنري زغيب*

بعد ثلاث مكتبات عامة في الحلقة الأُولى من هذه السلسلة، بين أَشهر وأَجمل قاعات المطالعة لدى كبرى المكتبات العامة في العالَم، وثلاث أُخرى في الحلقة الثانية، هنا الحلقة الثالثة عن ثلاث مكتبات أُخرى.

أَين هي؟ وماذا فيها؟

مدخل مبنى مكتبة مكسيكو
  1. جناح ستيفن شْوارْزْمان في مكتبة نيويورك العامة

هو الجناح الرئيس في النظام الإِلكتروني لدى مكتبة نيويورك العامة (مدينة نيويورك). فمبناه آية فنية هندسية رائعة في قلب مانهاتن. المكتبة العامة ذات تسعة أَقسام، تضم نحو مليونين ونصف مليون كتاب، وغرفة المطالعة الرئيسة فيها تبلغ 23مX 90م أي ما يعادل مساحة بنايتين في المدينة.

فكرة تأْسيس المكتبة تزامنت مع فترة بزوغ نيويورك مدينةً تتقدم نحو صدارة المدن العالمية. ففي النصف الآخر من القرن التاسع عشر، كانت نيويورك تتخطَّى عددًا سكان باريس، مقتربة ديموغرافيًّا من لندن التي حتئذٍ كانت هي أَكثر المدن اكتظاظًا في العالَم. ولأَن نيويورك كانت تتسع ديموغرافيًّا لتصبح مدينة كبرى، وجب أَن تكون لها وفيها مكتبة عامة كبرى. وهو ما بدأَ به حاكم الولاية صموئيل تيلدِن (1814-1886) فأوصى بكامل ثروته (2،5 مليون دولار) لإِنشاء وصيانة مكتبة عامة ذات غرفة قراءة وسيعة.

بعد وفاته، وتنفيذًا وصيَّتَه، راح 500 عامل طيلة سنتين كاملتين يهيِّئُون الموقع حتى تم وضع حجر الأَساس في 10 تشرين الثاني /نوفبر 1902. ومع سنة 1911 كانت المكتبة تحتفل بأَول مليون كتاب على رفوفها.

طبقات الكتُب في مكتية بالتيمور
  1. مكتبة جورج بيبَدي في بالتيمور (ميريلند)

سنة 1857 قام الـمُحسن جورج بيبَدي (1795-1869) بإِنشاء “مؤُسسة بيبَدي” أَقدم معهد موسيقي في الولايات المتحدة. وهو أَهدى المؤَسسة “إِلى مواطني بالتيمور” شاكرًا إِياهم على لطفهم وحسن استقبالهم. ومجموعة مكتبة جورج بيبَدي في جامعة جونز هوبكنز (تأَسست سنة 1876) ترقى إِلى تلك الفترة ذاتها، وباتت تضم حاليًّا نحو 300 أَلف مجلد. قام المهندس الشهير يومها إِدموند لينْدْ (1829-1909) بتصميم مبناها الجميل من خمس طبقات، تحلو فيها أَوقات البحث والقراءة.

المكتبة شهيرةٌ كأَجمل مساحة في العالَم جماليًا من حيث تصميم المبنى، ومن حيث اتساعه للقراءة والأَبحاث. وسبق للمكتبة أَن كانت الأكبر في مدينة بالتيمور. ومنذ نشأَتها الأُولى سنة 1857 وتدشين بنائها سنة 1878، وهي تكبر بسرعة، وتمتلئ رفوفها المعدنية متراكبة في خمس طبقات ولدى كل طبقة شرفةٌ واسعة تبلغ أَعلاها نحو 19 مترًا عن أَرض المكتبة.

مجلَّدات المكتبة تتوزع على مواضيع عدة كالدين والفن البريطاني والهندسة المعمارية وعلْم المساحات والتضاريس، والتاريخ العام والتاريخ الأَميركي والبيوغرافيا والأَدب واللغات وتاريخ العلْم والجغرافيا واكتشاف المجاهل والسياحة.

ويبقى بناؤُها مميَّزًا بهندسته المعمارية ذات الطراز اليوناني الـمُحدَث (مأْخوذ عن طراز الهندسة في أَربعينات القرن التاسع عشر، وهي جمعت بين الكلاسيكية والحداثة التي أَدخلت في البناء عناصر صناعية جديدة بينها الفولاذ). من هنا اعتماد العُلُوّ في تراكب الرفوف والأَجنحة، مع سقف زجاجي يعطي الشعور بالفضاء المفتوح، ما يجعل اتساعًا كبيرًا للكتب بالآلاف من دون الحاجة إِلى مساحة أُفقية واسعة على الأَرض.

ومع السنوات احتاجت المكتبة إِلى إنعاش هيكلها، ما كلَّف نحو مليون دولار بين 2002 و2004 للترميم والتجديد وأَقْلمة هندستها مع متطلبات العصر.

مكتبة مكسيكو: طبقات عالية
  1. مكتبة فاسكونسيلوس – مكسيكو

الرفوف فيها والكتب مرتبة تبدو كأنها مدى طليعي آتٍ من المستقبل. وهو ما قاله رئيس المكسيك فيشنتي فوكس عند تدشينها سنة 2006 بأَنها من أَبرز الأَبنية الطليعية في القرن الحادي والعشرين، وهي مزينة بمجموعة جميلة من المنحوتات والأَنصاب لفنانين مكسيكيين، صممها المهندسان الشريكان الشهيران أَلبرتو كَلَش (م. 1960) وخوان بالومار (م.1956).

عن مدير المكتبة دانيال غولدن (م. 1956) أَن “المكتبات كالأضرحة، تبدو صامتة عميقًا حتى تتنبه عن قرب إِليها فتسمع منها حركةً لا تنقطع”. فهي تنفتح على فضاء فني مذهل بين شبان وشابات يزاولون القراءة، وآخرين يعزفون الموسيقى، وكبار السن يقرأُون أَو يبحثون في المواقع الإِلكترونية.

تسلَّم غولدن إِدارة المكتبة (2013) وكان الخبراء يعتبرون مبناها بين أَجمل مباني المكسيك في القرن الحادي والعشرين، فحوَّله إِلى مختبر كبير ذي أَشكال جديدة لاستعمالات اجتماعية عامة، منها بعد ساعات الدوام حلقات رقص حديث، وحلقات خاصة لدراسة الرياضيات، وندوات توعية للأُمهات بعد ولادة أَول أَطفالهن، وأَجنحة مكتبات متخصصة للأَجانب يحاورهم اختصاصيون في مختلف الفنون والعلوم، حتى بلغ زوار المكتبة على عهده (2013-2019) نحو مليونَـي زائر في السنة، يسهِّل وصولَهم موقعُ المكتبة قرب منتدى مكسيكو الوسيع، ومحطة القطار، والطريق السريع الذي يصل الشمال بالجنوب. وتاليًا تتطور المكتبة تباعًا مع تطوُّر الشكل المديني للعاصمة مكسيكو التي تَشهد تغيُّراتٍ بيئية وهندسية تجعل المدينة في سباق مع العصر، وتجعل المكتبة تواكب عصرية المدينة.

الحلقة المقبلة: آخر 4 مكتبات.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى