وماذا عن نازحي العراق؟

بقلم كابي طبراني*

مع اقترابِ فصلِ الشتاء، يُواجِهُ آلافُ النازحين في العراق احتمالَ قضاءِ أشهرٍ باردة وقارسة من دون مأوى أو سقفٍ يَقيهم قساوة الصقيع، بعدما قرّرت الحكومة العراقية العمل والضغط من أجل إغلاق عشرات المُخيّمات التي تأوي هؤلاء اللاجئين بحلول نهاية العام، لتشجيعهم، كما أعلنت، على العودة إلى ديارهم.

إن إغلاق هذه المواقع، من الناحية النظرية على الأقل، خطوة إيجابية طالَ انتظارها، ذلك أنه لا يُمكن لهذه المخيمات المُكتَظّة، حيث يعيش النازحون فيها في ظروف مُزرية وغير صحّية، أن تصبح منازل دائمة لهم.

لقد نزح أكثر من 3 ملايين عراقي منذ 2014، بحسب بيانات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، يعيش أكثر من نصفهم في إقليم كردستان العراق، ويتوزّعون على 55 مخيماً تفتقر لأبسط حقوق العيش الكريم. إضطرَّ الكثيرون من هؤلاء إلى ترك كل شيء خلفهم وهم يفرّون للنجاة بحياتهم، إما من عنف تنظيم “داعش” أو الميليشيات المُتطرّفة المدعومة من إيران. وبالنسبة إلى الأقليات في العراق، لا سيما اليزيديين، لم يكن أمامهم خيارٌ سوى الفرار من قراهم وبلداتهم أو مواجهة الإبادة الجماعية. لا يزال العديد من المسيحيين واليزيديين يخشون الإضطهاد إذا عادوا إلى ديارهم.

وهكذا، ظل العراقيون النازحون داخلياً على مدى سنواتٍ يعيشون في منازل مؤقتة ومُخيّمات، غير قادرين على العودة أو المغادرة، مُتمَنّين ألّا يضطروا إلى البقاء في هذا الوضع إلى ما لا نهاية. لقد أدّى سوء النظافة ونقص الخدمات الأساسية إلى تحويل هذه المواقع إلى مخاطر صحية عامة مع بداية تفشّي فيروس كورونا. يكاد يكون من المستحيل مُمارسة التباعد الجسدي والتعقيم بشكل صحيح في هذه الظروف. إن إغلاق هذه المخيمات، وفقاً لمسؤولين حكوميين، هو أفضل طريقة لمساعدة النازحين على العودة وإعادة توجيه أموال المنظمات غير الحكومية نحو جهود إعادة الإعمار الجارية في المناطق المُدَمَّرة في العراق.

لسوء الحظ، هذا الخيار غير مُمكن دائماً. لقد دُمِّرَت منازل العديد من هؤلاء اللاجئين في أثناء النزاع، بينما يواجه آخرون تحدّياتٍ أمنية، بما في ذلك الإضطهاد، في حال عادوا إلى مسقط رأسهم. حتى بالنسبة إلى مَن لا يزال لديهم منازل يعودون إليها، فإن الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والتعليم غير موجودة، وغالباً ما تُفتَقَر في المناطق النائية التي تضرّرت بشدّة، خصوصاً في الشمال الغربي، حيث تعثّرت جهود إعادة الإعمار منذ انهزام “داعش” في العراق في كانون الأول (ديسمبر) 2017.

وقد أعرب كثيرون من سكان المخيمات أخيراً عن مخاوفهم بعدما طُلِبَ منهم المغادرة والعودة إلى ديارهم فجأة، من دون أيِّ خِططٍ للترحيل ولإعادة التوطين أو مساعدة من الحكومة. على سبيل المثال، مُنِحَ سكان المخيم في مدينة الحبّانية السياحية، وهي مُنتَجَعٌ فاخر سابق يقع على بعد 80 كيلومتراً غرب بغداد، شهراً واحداً فقط لإخلاء المباني ومغادرة المكان. في غضون ذلك، قال النازحون الذين يعيشون في أكبر مخيم في نينوى – المحافظة الشمالية حيث تقع الموصل – إنهم تلقوا إشعاراً قبل أسبوع لحزم حقائبهم والمغادرة. نتيجة لذلك، يخشى الكثيرون أن ينتهي بهم الأمر في الشوارع.

إن التجارب السابقة لا تُبشّر بالخير لهذه الإغلاقات الجديدة. في تشرين الأول (أكتوبر)، تم إغلاق ما لا يقل عن خمسة مخيمات عراقية، لكن نصف السكان لم يعودوا إلى مسقط رأسهم. وحذّر المجلس النروجي للاجئين، وهو منظمة غير حكومية، من أن عمليات الإغلاق هذه قد تترك 100,000 عراقي في مأزق خطير ووضع مأسوي مع اقتراب فصل الشتاء. إن سكان المخيمات الذين فروا إليها منذ فترة طويلة يتوقعون الآن احتمال النزوح، مع عدم وجود خطة طويلة الأجل لإعادة توطينهم.

وكان العراق شهد موجات من العنف أجبرت أبناءه على الفرار من منازلهم، لكن آخرها انتهى في العام 2017 مع انهيار تنظيم “داعش” في البلاد. منذ ذلك الحين، لم تتمكّن الحكومات المُتعاقبة، أو لم تكن راغبة، في وضع خططٍ شاملة لإعادة الإعمار وإعادة توطين العراقيين النازحين داخلياً، حيث كانت الأموال إما غير مُتَوَفِّرة أو اختُلِسَت.

لكن هذه المرة، لدى العراق فرصة للقيام بالأمور بشكل صحيح. إن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي اعتبره كثيرون إصلاحياً، يُمكنه عكس هذا الإتجاه وتمكين النازحين من العودة إلى ديارهم بأمان. مثل هذا الجهد لا يُمكن القيام به بين عشية وضحاها، فهو يتطلب تخطيطاً طويل الأجل، بالتنسيق مع السلطات المحلية والنازحين لتقييم احتياجاتهم على الأرض، بالإضافة إلى فترات إشعارٍ أطول للسكان لمغادرة المخيم. عندها فقط يمكن منعهم من الإنزلاق إلى مزيد من اليأس والبؤس.

فهل يفعل؟

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير “أسواق العرب”. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى