إستعادةُ الديموقراطية في تونس تَتَطَلّبُ ضُغوطًا – ومَخرَجًا لقَيس سعَيِّد

أعلن أخيرًا الرئيس التونسي قَيس سعَيِّد بأنه سيُجري في 25 تموز (يوليو) المقبل إستفتاءً على دستور جديد للبلاد والذي قال عنه بأنه سيفتتح “جمهورية جديدة”.

الاتحاد العام التونسي للشغل: له دورٌ كبير في تغيير موقف الرئيس

شاران غريوال*

سيكون الشهران المُقبِلان في تونس حاسِمَين لتحديد ما إذا كان الرئيس قيس سعَيِّد سيُعزّز سلطته، أو يرضخ لديموقراطيةٍ مُتَجَدِّدة. في 25 تموز (تموز) 2022، في الذكرى السنوية الأولى لانقلاب سعيِّد الرئاسي، ستجري تونس استفتاءً على دستورٍ جديدٍ لم تتم صياغته بعد، والذي يُشيد به سعَيِّد ويقول بأنه سيفتتح “جمهورية جديدة”. إذا كان هذا الدستور يُكَرِّس السلطات شبه المُطلَقة التي تمتّع بها سعَيِّد خلال العام الماضي، فإن الديموقراطية التونسية كما نعرفها ستنتهي. لذا، سيَتَطَلب تجنّب هذا المصير ليس فقط تصعيد الضغط المحلي والدولي على الرئيس التونسي، ولكن أيضًا توفير مَخرجٍ له.

يبدو أن خارطة طريق سعَيِّد الحالية ستُرَكّز على قيامه وحيدًا تقريبًا بصياغة الدستور الجديد. وباستثناء واستبعاد جميع الأحزاب السياسية ومعظم منظمات المجتمع المدني، فقد دعا حفنة من أساتذة القانون والنقابات للعمل في مَجلِسَين استشارِيَين فقط، ولكن معظمهم قد رفض الدعوة. ومع ذلك، فإن سعَيِّد يمضي قُدُمًا، ووعد بصياغة مسودة الدستور الجديد بحلول 30 حزيران (يونيو) الجاري. ومن المؤكّد أن مثل هذا النهج سيخلق دستورًا مُصَمَّمًا خصّيصًا على مقاص سعَيِّد، وهو الدستور الذي يمنح الرئاسة القليل من الضوابط والتوازنات. كان أحد تبريراته للاستيلاء على السلطة، بعد كل شيء، شكواه من أن دستور 2014 كان فيه الكثير من “الأقفال” على سلطة الرئيس.

نهاية شهر العسل

حتى الآن، كان قيس سعَيِّد قادرًا على الاعتماد على شعبيته لتنفيذ قراراته أحادية الجانب – لكن ليس من الواضح ما إذا كان سيتمكّن من فعل الشيء نفسه مع الدستور الجديد. يبدو أن فترة شهر العسل لسعيِّد بدأت تنتهي. الجماهير التي سئمت المصاعب الاقتصادية والفساد، لا تنظر إلى الدستور الجديد على أنه أولوية. ليس من المُستغرَب أنّ سعيّد كافح لتعبئة حتى 6٪ من السكان للمشاركة في استشارته عبر الإنترنت حول الدستور هذا الربيع. وهذا الأمر لا يُبشّر بالخير بالنسبة إلى قدرته على حشدِ أعدادٍ كبيرة للتصويت بنعم بالفعل في 25 تموز (يوليو)، خصوصًا أنه ليس لديه حزبٌ سياسي رسمي أو حركة.

في غضون ذلك، تنقلب ضده كل حركةٍ مُنَظَّمة بالتدريج. حتى القوى التي تبنّت لهجةً مُحايدة أو إيجابية بحذر في تموز (يوليو) الماضي، مثل الاتحاد العام التونسي للشغل الحائز على جائزة نوبل للسلام، ترفض الآن خريطة الطريق التي أعلنها الرئيس بقوّة أكبر. كل الأحزاب السياسية الرئيسة ومعظم منظمات المجتمع المدني ترفضها كذلك. إذا اتّحدت كل هذه القوى في التصويت بـ”لا”، فإنها يمكن أن تُشكّلَ تهديدًا خطيرًا بعرقلة دستوره الجديد.

المعارضة، بالطبع، واجهت تحدياتها في الاتحاد معًا. الانقسام بين العلمانيين والإسلاميين يتعمّق، ولا يريد أيٌّ من الأحزاب العلمانية أن يُنظَرَ إليه علنًا على أنه يعمل مع حزب “النهضة” الإسلامي، أكبر حزب في البرلمان المُنحَل الآن. بالنسبة إليهم، “النهضة إشعاعي سلبي الفاعلية”، كما أخبرني أحد القادة العلمانيين. ومع ذلك، فإن توحيد المواقف حول التصويت بالرفض أسهل بكثير من الاتحاد معًا حول رؤية بديلة.

وأشار بعض الأحزاب السياسية إلى أنه قد يقاطع الاستفتاء بدلًا من ذلك لتقويض شرعيته. وهذا الأمر سيكون خطأً استراتيجيًا. لا شيء في العام الماضي يشير إلى أن سعَيِّد مُهتَمٌ كثيرًا بشرعية خارطة الطريق الخاصة به، ولكنه مهتمٌّ فقط في إنشاء نظام جديد يكرس حكمه. إن التهديد بالتصويت بـ”لا” من شأنه أن يمنح المعارضة نفوذًا أكبر بكثير من المقاطعة.

إذا تجسّدَ تهديدٌ حقيقي بأن دستوره قد يفشل، فسيتم الكشف عن ألوان ونوايا سعَيِّد الحقيقية. قد يأتي إلى طاولة المفاوضات، مُدرِكًا أنه بحاجة إلى تأمين دعم بعض الأحزاب السياسية على الأقل من أجل تمرير دستوره. لكن، إذا كان ديكتاتورًا حقًا، فقد يلجأ إلى القمع والتزوير لتمرير دستوره. وبذلك يصبح السؤال: كيف نتجنّب هذا المصير، ونُحفِّزُ سعَيِّد على طريق التسوية؟

الحاجة إلى مخرج

هنا، يحتاج سعَيِّد إلى مَخرجٍ يَجذُبُهُ نحو التسوية بدلًا من القمع. ما كشفته الأشهر العشرة الماضية هو أن أكثر ما يهتم به سعَيِّد هو إرثه: إنه يُريدُ أن يكون الشخص الذي يُنشئ نظامًا سياسيًا جديدًا. يُريدُ أن يدخل التاريخ التونسي ويُرَحَّب به بعد 50 عامًا مثل الحبيب بورقيبة اليوم لأنه أنشأ جمهورية جديدة. المفتاح هو السماح له بالحصول على ذلك.

في الوقت عينه الذي تهدد المعارضة بالتصويت بـ “لا” على مسودّةِ دستور أحادي الصياغة، يجب عليها أيضًا إرسال إشارة إلى سعَيِّد بأنها ستصوّت بنعم إذا تم الاستماع إلى صوتها وشاركها في المراجعة. سيتطلب ذلك القليل من التواضع من جانبها: يجب أن يعترف أعضاؤها أنه في حين أن دستور 2014 الذي وضعوه كان جيدًا إلى حدٍّ ما، إلّا أنه يحتوي على عيوب. يجب أن يكونوا مستعدّين للانضمام إلى سعيِّد والعمل معًا لتحسينه. يجب أن يُدركوا أن النظام شبه الرئاسي المُنقَسم لم ينجح، وينبغي أن يتحوّل بدلًا من ذلك إلى نظام برلماني أو رئاسي إذا لزم الأمر. في كلتا الحالتين، يجب عليهم ضمان الضوابط والتوازنات الكافية. يجب عليهم إزالة شرط حالة الطوارئ، على سبيل المثال، الذي أدى إلى هذا الاستيلاء على السلطة في المقام الأول، وتمكين وتكريس استقلال القضاء، والهيئة الانتخابية، وهيئة مكافحة الفساد، من بين الهيئات الدستورية الأخرى.

بهذه الطريقة، لا يزال بإمكان جميع الأطراف الخروج من هذه الأزمة بالفوز. يمكن لسعَيّد أن يقول إنه أنشأ جمهورية جديدة وإرثًا لنفسه عندما يترك منصبه. في غضون ذلك، ستكون الأحزاب السياسية قد أنقذت الديموقراطية في تونس، وربما أعادت تنشيطها وتحسينها.

دور الضغط الدولي

ومع ذلك، حتى لو وفّرت المعارضة مثل هذا المسار، فليس هناك ما يضمن أن سعَيّد سيقبله ويسير به. بدلًا من ذلك، قد يتجه إلى استخدام الغاز والقمع. هذا هو المكان الذي يمكن للمجتمع الدولي أن يلعب فيه دورًا داعمًا مُهمًا. يجب على الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين الإشارة إلى أنَّ أيَّ قمعٍ أو تزوير للاستفتاء سُيقابَل بقطعٍ فوريٍّ للمُساعدات وتعليق المحادثات مع صندوق النقد الدولي. ينبغي أن تكون التكاليف باهظة للغاية، بحيث يكون خيار سعيّد الوحيد هو القبول بمَخرَجِ التسوية.

قد يردُّ النقّاد بأنه من الأفضل أن يُترَكَ قيس سعيّد يُمرّر دستوره الجديد، حيث يمكن إما تجربة مشروعه وفشله وبالتالي نزع الشرعية عنه، أو يمكن للبلاد أن تنتقل إلى تحدّياتها الاقتصادية الأكثر أهمية. لكن هذا النهج محفوفٌ بالمخاطر: إذا عزّز سعيّد حكمه من خلال دستورٍ جديد لا يُوَفِّر ضوابط حقيقية على سلطته، فإن الخيارات لكبحه في ما بعد ستضيق إلى حدٍّ كبير. الخيار الأفضل اليوم هو أن تجلسَ جميع الأطراف إلى طاولة المفاوضات وتضع مسودّة دستور جديد بالتراضي يُعيدُ البلاد إلى مسارها الديموقراطي.

  • شاران غريوال هو زميل غير مقيم في مركز سياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينغز. وهو أيضًا أستاذ مساعد لشؤون الحكم في كلية ويليام وماري. تتناول أبحاثه نشر الديموقراطية، والدراسات الأمنية، والإسلام السياسي في العالم العربي، وخصوصًا في مصر وتونس. يمكن متابعته عبر تويتر على: @sh_grewal
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى