أرباحُ الغازِ المُفاجِئة تُوَفِّرُ مُكافأةً لقطر في عامِ كأس العالم

بينما تستعد قطر لاستضافة كأس العالم في وقت لاحق من هذا العام، من المتوَقَّع أن يتلقى اقتصاد البلاد مكاسب كبيرة من ارتفاع أسعار الغاز.

قطر للبترول: مشروع لتوسعة إنتاج الغاز الطبيعي بكلفة تصل إلى 105 مليارات ريال

سمير خيرالله*

يبدو هذا العام بأنه سيكون عامًا كبيرًا لقطر. من المقرر أن تستضيفَ البلاد نهائيات كأس العالم لكرة القدم في تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأول (ديسمبر)، والتي من المتوقع أن تُعزِّزَ سمعةَ البلاد كوجهةٍ سياحية مع مجيء أكثر من مليون زائر لحضور البطولة. في غضون ذلك، سلّطَ الصراعُ في أوكرانيا الضوءَ مرّةً أخرى على أهمية موارد الغاز الطبيعي الهائلة لهذه الدولة الخليجية.

من المتوقّع أن تَجلُبَ أسعارُ النفط المُرتَفعة في جميع أنحاء العالم مكاسب غير مُتَوَقَّعة لقطر، التي يبلغ عدد سكانها أقل من ثلاثة ملايين نسمة وهي بالفعل واحدة من أغنى دول العالم على أساس نصيب الفرد. يُديرُ صندوق الثروة السيادية القطري، “جهاز قطر للاستثمار”، الآن أكثر من 400 مليار دولار من الأصول.

يقول جوزيف أبراهام الرئيس التنفيذي لمجموعة البنك التجاري القطري: “الصراعُ في أوكرانيا هو أوّلًا وقبل كل شيء مأساة إنسانية، لكن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المُسال الناتج عن ذلك سيُفيدُ قطر، وما زلنا نرى أرصدة مالية حكومية قوية تسمح بمزيدٍ من الاستثمار في الاقتصاد والتنويع”.

أزمةُ الطاقةِ فُرصةٌ

تُعتَبَرُ أزمةُ الطاقة العالمية أخبارًا سارة إلى حدٍّ كبير بالنسبة إلى قطر، حيث تسعى دولٌ في جميع أنحاء العالم (وخصوصًا تلك الموجودة في أوروبا) بنشاط الآن للحصول على إمدادات غاز بديلة في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. في أواخر آذار (مارس)، زار نائب المستشار الألماني روبرت هابيك الدوحة، حيث كانت الدولة الأوروبية تتطلّع إلى تأمين بدائل من اعتمادها على الغاز الروسي. من المحتمل أن يقوم العديد من المسؤولين الآخرين قريبًا بالرحلة عينها.

من حيث التوقيت، جاءت أزمة الطاقة العالمية في لحظةٍ جيدة لقطر. كانت البلاد أكبر مصدّر للغاز الطبيعي المُسال في العالم في العام 2021، مُتجاوزةً الولايات المتحدة حيث صدّرت 110.2 مليارات متر مكعب من الغاز المُكافئ، وفقًا لوكالة “ستاندرد أن بورز غلوبال”. ومن المقرر أن يرتفع هذا الرقم بشكلٍ كبير في السنوات المقبلة، مع تخصيص مليارات الدولارات لتوسيع القدرة الإجمالية للبلاد.

حقلُ الشمالِ القطري، أحد أكبر حقول الغاز الطبيعي غير المُصاحِب في العالم، يخضع حاليًا لمشروعِ توسعة ضخم بقيمة 28.75 مليار دولار، حيث تستهدفُ شركة “قطر للطاقة” المملوكة للدولة زيادة الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال من 77 مليون طن سنويًا إلى 110 ملايين طن سنويًا بحلول نهاية العام 2025 وإلى 126 مليون طن سنويًا بحلول العام 2027. ومنذ العام 2021، شكّلت صادرات الغاز الطبيعي المسال القطرية 21٪ من السوق العالمية.

يقول طارق يوسف، زميل أول غير مقيم في معهد بروكنغز في الدوحة: “إن التداعيات الجيوسياسية للحرب في أوكرانيا تعني أن مكانةَ قطر كأكبرِ مُصَدِّرٍ للغاز الطبيعي المُسال سوف يتمّ ترسيخها بشكلٍ أكبر حيث تتطلّع أوروبا إلى استبدال الغاز الروسي وتبدأ الطاقة الإنتاجية المُوسَّعة لقطر العمل”.

ويُضيف قائلًا: “إن قرار توسيع الطاقة، الذي بدا غير حكيمٍ قبل بضع سنوات نظرًا إلى التكاليف المطلوبة والتسارع المُتَوَقَّع في انتقال وتحوّل الطاقة، قد ثبتَ أنه حكيم”.

الانتعاش بعد كوفيد

كما تعافت قطر إلى حدٍّ كبير من جائحة فيروس كورونا، مَدعومةً بإجراءاتِ الدعم الاقتصادي القوية التي اتّخذتها السلطات القطرية في الأيام الأولى للوباء، والتي تضمّنت وَضعَ حُزمةِ تحفيزٍ بقيمة 75 مليار ريال قطري (20.5 مليار دولار) وفَرضَ وقفٍ على سداد القروض المصرفية، والذي تم تمديده بعد ذلك مرات عدة.

في آذار (مارس)، قال صندوق النقد الدولي إن استجابةَ السلطات القطرية للوباء قد ساعدت على تقليل الأثر السلبي للوباء، وأن قوة التعافي ستسمح “بالخروج الناجح من الوقف الشامل لتسديد القروض في المستقبل القريب”.

وقال ران بي، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، في بيان: “وسط ارتفاع أسعار النفط والغاز والتوقّعات المالية المواتية، فإن التزامَ السلطات القطرية بضبطِ أوضاعِ المالية العامة في المدى المتوسط ​​أمرٌ مُرَحَّبٌ به بشكلٍ خاص”.

في نيسان (إبريل)، أكّدت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني التصنيف الافتراضي طويل الأجل لمُصدِّر العملات الأجنبية لدولة قطر على أنه “AA-” مع نظرة مستقبلية مستقرة. وأشارت إلى حقيقة أن الدولة مدعومة بصافي أصولٍ أجنبية سيادية كبيرة، وهي واحدة من أعلى نسب العالم للناتج المحلي الإجمالي للفرد، فضلًا عن هيكلٍ مالي عام مَرِن وتوقّعات مواتية لخفض الديون. وقالت إن هذه الأشياء يقابلها بشكلٍ طفيف الدين الحكومي المُرتفع إلى الناتج المحلي الإجمالي، واعتماد الإيرادات الكبير على الهيدروكربونات.

وقد توقّعت وكالة التصنيف أن يبلغ فائض الموازنة لقطر حوالي 15٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2022، مُقارنةً بـ2.4٪ في العام 2021، مدعوماً بقفزةٍ كبيرة في عائدات النفط والغاز، مع افتراضِ أن نفط برنت سيبلغ متوسطه 100 دولار للبرميل لباقي أيام السنة. وقالت وكالة التصنيف إن هذا قد يشهد انخفاضًا في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من 81٪ في العام 2021 إلى 67٪ في العام 2022. وأضافت: “سيعتمد مسار الدين اللاحق على الطريقة التي تختارها الحكومة لاستخدام فوائضها المالية”.

بشكلٍ عام، من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لدولة قطر بنحو 3.2٪ هذا العام، وفقًا لوكالة فيتش، إرتفاعًا من 1.6٪ في العام 2021، مدفوعًا بالنمو غير النفطي بنحو 5٪. وتوقع آخرون نموًا أسرع. وفقًا ل”سيتي غروب”، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد القطري البالغ 200 مليار دولار بنحو 4.4٪ هذا العام، وهو أسرع معدل له منذ العام 2015.

إرتفاعُ مُعدّلات التضخّم

ولكن، يبدو العالم وكأنه مكانٌ أقلّ أمانًا هذه الأيام، مع ارتفاع التضخّم العالمي والحديث عن حالات ركود. في أوائل أيار (مايو)، رفع مصرف قطر المركزي أسعار الفائدة الرئيسة بمقدار 50 نقطة أساس، بما يتماشى مع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

ومع ذلك، فإن الوضع المالي القوي لقطر، والارتفاع المُتوَقَّع في الأرباح من الغاز الطبيعي، يمنحان الدولة القطرية الكثير من النفوذ لدعم اقتصادها عندما يخرج من الوباء إلى هذا الواقع الجديد.

يقول غودني ستيهولت أدالستينسون، الرئيس التنفيذي بالإنابة لبنك الدوحة: “إن الحكومة في وضعٍ جيد لمساعدة الشركات الخارجة من الوباء”، مشيرًا إلى قوة صرف العملات في البلاد وأوضاع العملة الصعبة، والتي تُعادل أكثر من 14 شهرًا من الواردات القطرية.

يقول أدالستينسون: “إننا نشهد أيضًا تحسينات قوية في قطاعات أخرى من الاقتصاد”. وشهدت أعداد السياح إلى قطر زيادة قدرها سبعة أضعاف في الربع الأول من العام 2022 مُقارنةً بالعام السابق. من المتوقع [الآن] أن تنمو مساهمة صناعة السفر والسياحة في الناتج المحلي الإجمالي من 7٪ إلى 12٪”.

مجد كأس العالم

كان الكثير من تركيز قطر في السنوات الأخيرة، خارج التعامل مع الوباء، على بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، والتي ستستضيفها في تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأول (ديسمبر). إنها أول دولة في الشرق الأوسط تستضيف البطولة.

كانت قطر تتمنّى لو كانت الفترة التمهيدية لكأس العالم أقل إثارة للجدل، مع تركيز جُزءٍ كبير من التغطية الدولية على انتهاك حقوق العمال وعدد الوفيات في مواقع البناء – غالبًا على العمال المهاجرين. تأمل الآن أن يتحوّل التركيز إلى البطولة نفسها. تتوقّع الحكومة القطرية دفعةً اقتصادية قدرها 20 مليار دولار من البطولة، أي ما يعادل 11٪ تقريبًا من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد لعام 2019.

يقول أبراهام من البنك التجاري: “إن أهمَّ إرثٍ لكأس العالم هو زيادة الوعي العالمي بقطر كوجهةٍ استثمارية وسياحية”.

في الوقت نفسه، كانت كأس العالم بمثابة حافزٍ للاستثمارات. منذ حصول قطر على شرف استضافة كأس العالم في العام 2010، أنفقت ما يُقدَّر بنحو 200 مليار دولار على مشاريع البنية التحتية، وفقًا لتحليلات مختلفة، شملت 12 ملعبًا جديدًا، ونظامَ مترو جديدًا، وطُرُقًا، ومراكز تسوّق، والعديد من مشاريع التطوير الأخرى المُختَلطة.

لقد ساعد هذا على تحفيز الاقتصاد، لكنه الآن يُثيرُ تساؤلاتٍ حول ما سيحدث بعد انتهاء البطولة. ينبغي أن تستمر مجموعة المشاريع الجارية في دعم النمو الاقتصادي في المستقبل القريب، ولكن لا يزال من المتوقع حدوث تباطؤ ملحوظ، ما قد تكون له آثارٌ اقتصادية قوية.

يقول يوسف: “بعيدًا من تنظيم البطولة، فإن الشاغل الاقتصادي الأكثر أهمية هو ما يحدث في اليوم التالي لكأس العالم”.

ويضيف: “بعد الانتهاء من مشاريع البنية التحتية الضخمة، من المرجح أن يُغادرَ عددٌ كبير من العمال الوافدين، سواء كانوا مرتبطين بشكل مباشر أو غير مباشر بنهائيات كأس العالم”. سيكون لهذا تأثيرٌ ملحوظٌ في الاقتصاد، ولا سيما قطاعَي العقارات والتجزئة. من المتوقع حدوث انكماشٍ اقتصادي خصوصًا إذا لم يتم وضع مبادرات سياسية للحفاظ على زخم النمو.

ويتابع: “بينما تحسّنَ الوضعُ المالي لقطر، لم يطرح صانعو السياسات أي استراتيجيات للتعامل مع الفترة التي تلي كأس العالم”.

العلاقات الودية

في كانون الثاني (يناير) 2021، أعلنت المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر رفعَ الحصار السياسي والاقتصادي المفروض على قطر على مدى ثلاث سنوات، بعد أن اتّهمت هذه الدول قطر بأنها قريبة جدًا من الجماعات الإسلامية الإقليمية وإيران.

لم يكن لمحاولة عزل قطر على الصعيدَين السياسي والاقتصادي تأثيرٌ واضح، حيث أقامت قطر علاقات استيراد وتصدير بديلة، وقدمت الدولة القطرية دعمًا قويًا للصناعات المُتضرّرة. ومع ذلك، فإن تطبيع العلاقات وتخفيف التوترات يوفران للبلاد وشركاتها فرصًا تجارية جديدة، والتي قد تكون مهمة في السنوات المقبلة، في ظل ظروف اقتصادية عالمية غير مؤكدة.

يقول أبراهام من البنك التجاري، إن فوائد إزالة الحصار الذي قادته السعودية لم تتدفّق بالكامل بعد إلى قطاعاتٍ مثل الضيافة والسياحة، ويرجع ذلك في جُزء كبير منه إلى الوباء العالمي. وهذا سوف يتغيّر بشكلٍ متزايد.

وفي الوقت نفسه، كما يقول، فإن مشروع توسعة حقل الشمال “سيُساعد على تأمين مُستقبل قطر الاقتصادي بصفتها أكبر مصدر للغاز الطبيعي المُسال في العالم”.

  • سمير خيرالله هو مُراسل “أسواق العرب” في الدوحة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى