تونس تَنزَلِقُ مرّةً أُخرى إلى السلطوية، ما يجب أن تفعله الولايات المتحدة؟

إن توطيد الرئيس قيس سعيّد المستمر لسلطته يُهدّدُ بإنهاء الديموقراطية التونسية. وعلى الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي حجب القروض التي تشتد الحاجة إليها حتى يوافق سعيّد على خطواتٍ سياسية لاستعادة الديموقراطية في تونس.

الوزير أنتوني بلينكن: المطلوب قطع كل المساعدات من أميركا وصندوق النقد الدولي

شادي حَمِيد وشاران غرِيوال*

مَرَّت تسعةُ أشهرٍ طويلة منذ بدء الانقلاب البطيء في تونس، البلد الذي كان، حتى وقت قريب، يُقدِّمُ أحد أفضل الآمال لإرساء الديموقراطية في الشرق الأوسط. بعد إغلاق البرلمان بالدبابات في تموز (يوليو)، علّق الرئيس قيس سعيِّد الدستور وحلّ مجلس القضاء الأعلى. وفي خطوةٍ ربما تكون الأكثر إثارة للقلق حتى الآن، سيطر سعيِّد على اللجنة الانتخابية المستقلة، ما سمح له بتعزيز حكمه. ما هي المدة التي يمكن أن يستمرَّ فيها انتزاع القوة والنفوذ والسلطة بالحركة البطيئة قبل أن يصبح الوضع أمرًا واقعًا لا يمكن الرجوع عنه؟

يُراقِبُ العالم التطوّرات في أوكرانيا برعب، كما ينبغي. صوّر الرئيس الأميركي جو بايدن الصراع مع روسيا على أنه صراعٌ إيديولوجي، باعتباره “معركة بين الديموقراطية والاستبداد”. في الآونة الأخيرة، كان الشرق الأوسط جبهةً مُهمَلة بالكامل تقريبًا في هذا الصراع. ومع ذلك، فإن الأزمة الحالية في تونس تُتيحُ فرصةً لإرسالِ إشارةٍ قوية للدفاع عن القِيَمِ الديموقراطية.

حتى الآن، يتردّد المسؤولون الأميركيون في ممارسة الكثير من الضغط على سعيِّد. لقد اعتبروا أن انقلابه في تموز/يوليو يحظى بشعبية واسعة. سئم العديد من التونسيين من الاقتتال الداخلي بين الأحزاب السياسية والبرلمان اللذين لم يستَطِعا إنجازَ أيّ شيء في مواجهة الاقتصاد المُنهار. سعَيِّد، أستاذ القانون الدستوري، تعهّد بتجاوز النخب السياسية و(بطريقة ما) العمل وتسليم النتائج مُباشرةً إلى الشعب، مُدَّعيًا بأنه وحده يستطيع الإصلاح.

لكنه لم يفعل. إذا كان هناك وقتٌ لإعادة التفكير وإعادة التقييم، فسيكون الآن – قبل أن ينجح سعيِّد في تعزيز سلطته وإنهاء الديموقراطية التونسية بالكامل. كما رأينا في أماكن أخرى في الشرق الأوسط، بما في ذلك الانقلاب الأكثر مأسوية في مصر في العام 2013، بمجرّد أن يُرسِّخَ النظام الجديد نفسه، تضيق خيارات المجتمع الدولي ومجال المناورة بشكلٍ كبير.

لقد أمضت الولايات المتحدة الكثير من الوقت تُناشِدُ سعيِّد لفعل الشيء الصحيح آملةً أن يكون ذلك مُقنِعًا وكافيًا. لكن حثَّ المُستَبدّين على فعل الشيء الصحيح لبلدانهم –أو من أجل الديموقراطية– يكون دائمًا نصيبه الفشل. سعَيِّد، مثل غيره من المستبدّين، لا يؤمن بالديموقراطية التمثيلية، مُدَّعيًا في العام 2019 أنها “أفلست وأن عصرها قد انتهى”. لن يكون الحوار والإقناع كافيين لتغيير رأيه.

في وقتٍ مُتأخِّر، أدركت إدارة بايدن ببطء أن الضغط الخطابي بدون أسنان لا يعمل. في أواخر آذار (مارس)، اقترحت وزارة الخارجية خفض المساعدات العسكرية والاقتصادية لتونس إلى النصف تقريبًا. كما أوضح وزير الخارجية أنتوني بلينكِن أن المساعدة لن يتم استعادتها ما لم يُنفّذ سعَيِّد عملية إصلاح “شفافة وشاملة – لتشمل الأحزاب السياسية والعمّال والمجتمع المدني”.

هذه بداية جيدة لكنها لا تزال محدودة. يؤدي التعليق الجزئي للمساعدات إلى إضعاف نفوذ الولايات المتحدة من خلال تقسيم العقوبات – مما يؤدي إلى نفور سعيِّد دون تغيير حساباته بشكل جذري. بدلاً من ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تُوضّح أنه إذا رفض سعيِّد عكس المسار، فستكون النتيجة تعليقًا كاملًا.

ومع ذلك، من غير المرجح أن يكون االتهديد بتعليق المساعدات الأميركية وحده كافيًا. يجب على الولايات المتحدة – بالتنسيق مع الشركاء الأوروبيين – التفكير في أمر نادرًا ما فعلته. قد يسميه البعض “خيارًا مُتطرّفًا”.

خلال العام الفائت، كان سعَيِّد يتفاوض مع صندوق النقد الدولي بشأن خطة إنقاذ بمليارات الدولارات من شأنها أن تُنقِذَ تونس من تعثّرٍ وشيك. من المرجح أن يتطلّبَ مثل هذا القرض من تونس أن تضع أولًا “خطة إصلاحات لمعالجة الدعم وفاتورة أجور القطاع العام المرتفعة والشركات الحكومية الخاسرة”، حسبما ذكرت رويترز. لقد حان الوقت لاستكمال (إن لم يكن استبدال) هذه الشروط بشروطٍ سياسية صريحة: أن يبدأ سعَيِّد حوارًا وطنيًا مع جميع الأحزاب السياسية الرئيسة، وأن يجد توافقًا في الآراء بشأن خارطة طريق للعودة إلى الديموقراطية، وتنفيذها.

من المؤكد أن هذه ليست الطريقة التي يعمل بها صندوق النقد الدولي عادةً. مواد اتفاقه لا تُحدّد الشروط السياسية؛ المستبدّون والديموقراطيون على حد سواء مُؤَهَّلون للحصول على الدعم. ومع ذلك، يمكن للولايات المتحدة والدول الأوروبية، بصفتهما أكبر مساهمي صندوق النقد الدولي، استخدام حقوق التصويت لإجبار مسؤولي الصندوق على تأجيل المحادثات.

قد تكون هذه أفضل فرصة – والأخيرة – للضغط على سعَيِّد لتغيير المسار. مع تدهور الاقتصاد، تحتاج تونس إلى شركائها الغربيين أكثر من أيّ وقت مضى. وكما أخبرنا مسؤولٌ تونسي كبير سابق أخيرًا، “لا يُمكن لسعَيِّد العيش بدون صندوق النقد الدولي”. يُعتَبَرُ قرض صندوق النقد الدولي مُهِمًّا لتونس ليس فقط كوسيلةٍ مؤقّتة لتمويل موازنة الدولة، ولكن أيضًا كإشارة لتحسين الائتمان للحصول على قروضٍ أخرى. (تم تخفيض تصنيف تونس أخيرًا إلى “CCC”، وهو أدنى تصنيف ائتماني لها على الإطلاق).

بالطبع، إن استخدامَ النفوذ الأميركي بهذه الطريقة هو أمرٌ محفوفٌ بالمخاطر بقدر ما هو جريء. ولكن، كما رأينا خلال العام الماضي، فإن عدم استخدام الرافعة المالية للولايات المتحدة هو أمرٌ محفوفٌ بالمخاطر أيضًا. في الواقع، فإنه يخاطر بإدانة التونسيين بالعودة الكاملة إلى أيام الديكتاتورية القديمة. إذا كان الأميركيون يعتقدون أن الديموقراطية جيدة، فعليهم أن يعتقدوا أنها مفيدة للتونسيين أيضًا. وإلّا فإن خطاب بايدن الجدير بالثناء سيظل كلامًا في الهواء – وهو مثالٌ نتحدّث عنه ولكن نتجاهله حتى في الحالات التي يكون فيها الأمر أكثر أهمية.

  • شادي حميد هو زميل في مركز سياسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينغز، ومؤلف كتاب “إغراءات السلطة: الإسلاميون والديموقراطية غير الليبرالية في الشرق الأوسط الجديد”. يمكن متابعته عبر تويتر على: @shadihamid. وشاران غريوال هو زميل غير مقيم في مركز سياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينغز. وهو أيضًا أستاذ مساعد لشؤون الحكم في كلية ويليام وماري. تتناول أبحاثه نشر الديموقراطية، والدراسات الأمنية، والإسلام السياسي في العالم العربي، وخصوصًا مصر وتونس. يمكن متابعته عبر تويتر على: @sh_grewal
  • يصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى