الناس في الـ”ميني” عيشة… والمسؤُولون في “الميغا”سنتر

هنري زغيب*

نحمد الله ونَشكرُه سبعين مرةً سبع مرات قبلَ الظهر وفيه وبعدَه وما بين أَول السهرة ومنتصف الليل، على أَن لبنان اجتاز قطوع “الميغاسنْتر” اللعين سبعين مرةً سبع مرات. ولا أَقوله “لعينًا” لأَنه في ذاته ملعون، بل لأَنه جمَّد البلاد أَيَّامًا ملعونةً في انتظار أَن يقرِّرَ جهابذةُ “بيت بو سياسة” ماذا يفعلون بهذا “الميغاسنْتر” على أَبواب انتخاباتٍ يطالب بها الشعب وينتظرها بفارغ الصبر ومملوء الصبر وينصرف عنه “بيت بو سياسة” لانشغالهم بــ”الميغاسنْتر”.

في اللغة أَن “الميني” هو عكس “الماكسي” أَو “الميغا”. فما الذي أَمامنا؟

الناسُ خائفون مذْعورون من غول الغلاء يقضُم آمالهم وأَموالهم، و”بيت بو سياسة” مشغولون بــ”الميغاسنْتر”.

الناس يبحثون عن رغيف وعُلبة حليب وحبَّة دواء، و”بيت بو سُلطة” يَبحثون عن مراكز الاقتراع و”يترافسون” (كما يترافس الرياضيون كُرَة القدم) يترافَسُون الجدَل في “الميغاسنْتر” بين مجلس الوزراء ومجلس النواب ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية: يجتمعون، يحلِّلون، يفكِّرون، يفْتكرون، يتفاكرون، يسْتَفكرون، وكلُّ همهم من هذه الحياة كيف يَحلُّون مشكلة “الميغاسنْتر”.

الناس يحترقون بالغلاء في “الميني عيشة”، وأَهلُ السلطة يحترفون البحث في “الميغاسنْتر”.

وبين “الماكرو” عُهر سياسي و”الميكرو” قَهر معيشي، لا حديثَ في الجلسات الحكومية والنيابية والسياسية والإذاعية والتلفزيونية إلَّا حديث “الميغاسنْتر”.

التقنينُ في الكهرباء والطعام والتنقُّل والتعليم والإِنارة بلغ أَدنى درجات التعتير، و”بيت بو سُلطة” منصرفون عن هذا التعتير إِلى التفكير في محاسن ومساوئ “الميغاسنْتر”.

بلغَتْ صفاقة أَصحاب “الـمَوَاتير” (يعني باللغة المهذبة: المولِّدات) أَنْ هبط الناس من 10 أَمبير إِلى 5 أَمبير إِلى 3 أَمبير، وباتوا يشترون اللحم بأَعشار الأُوقيَّة، ويشترون الخُضَر بالحبَّة لا بالوزن، وبالغْرام لا بالكمية، وباتت المأْكولات المعلَّبة تتبارى حجمًا مع عُلَب المجوهرات وزنًا وسعرًا حارقًا، و”بيت بو سياسة” مشغولون عن هموم الناس بالتداول في شؤُون “الميغاسنْتر”.

التُجَّار ابتكروا أَلواح شوكولا “ميني” بأَسعار “ميغا” تَمَاشيًا مع أَوضاع المستهلكين، و”بيت بو سُلطة” يَتَنَاحرون بين مَن يبتكر حُجَجًا ومَن يبتكر رفضًا هذا الشبحَ الذي اخترعَه البعض حينًا بتسميات لَمَّاعة كـ”التعافي الاقتصادي”، ودَومًا حجَّةً اسمها “الميغاسنْتر” في “ميني” مُدَّة قبل الانتخابات.

ولكنْ… فيما السياسيون مشغولون بـ”ميني” حساباتهم الانتخابية الحقيرة، يستعد الناس ليُسَدِّدوا “ميغا” صفْعة على وجوه هؤُلاءِ الذين يَشحدون رضى الشعب كي ينتخبَهم، ثم ينشغلون عن هموم الشعب بحرتقاتهم وصفقاتهم ومحاصصاتهم على حساب الشعب بكل عُهرٍ وصفاقة.

وبين “الميغا”سنْتر و”الميني”عيشة، أَيْ بين “الماكرو”فساد و”الميكرو”حياة، تَنتظرُ لبنانَ عاصفةٌ غضْبى في منتصف أَيار، إِن لم تُقَصِّف جميعَ الجذوع المنخورة الفاسدة، فسوف تُقصِّف، بدايةً، بعضَ الغصون، وتدريجًا، من دورةٍ إِلى دورة ومن ولايةٍ إِلى ولاية ومن حُكْم إِلى حُكْم، يتوالى التقصيف تباعًا حتى تنْقصفَ شجرةُ الظُلم القاهر وتنهارَ إِلى التربة حيث تنتظرها حفْرة هائلةٌ تَطْمُرها بكلِّ ما فيها من أَصناف السوس والهريان ومشاريعَ مشبوهةٍ من طراز “الميغاسنْتر”.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى