ثلاثَةُ تحذيراتٍ للإقتصادات الناشِئة

كوشيك باسو*

يُعتَبَرُ تقريرُ الآفاق الإقتصادية العالمية الصادر عن البنك الدولي، والذي يُنشَر مرتين سنوياً، أهمّ مصدرٍ لتقييم التوقّعات الحالية والمُستَقبلية لاقتصادات الأسواق الناشئة والنامية.  وتقرير حزيران (يونيو) الذي صدر أخيراً له أهمية خاصة بسبب التحذيرات التي يحتوي عليها.

يُمكن لأيِّ شخصٍ يقرأ هذا التقرير بسرعة كبيرة أن لا يلاحظ بسهولة الأخبار السيئة، لأنه، كما هو الحال مع جميع منشورات المنظمات الدولية، يأتي مصقولاً بالأخبار السارة. هذا هو الشيء المسؤول الذي يتعيّن على البنك الدولي القيام به: تجنّب إثارة الذعر. لكن يجب على صانعي السياسة الانتباه إلى الرسائل التحذيرية المُهمّة المدفونة في النص.

يوضّح تقرير الآفاق الإقتصادية العالمية هذا ثلاث نقاط رئيسة. أوّلاً، إن الاقتصاد العالمي يتعافى من الوباء، ولكن في حين أن الاقتصادات المُتقدّمة، التي نجحت أو تتقدّم فعلياً في برامج اللقاح ضد كوفيد-19، تبدو أنها مستعدة للعودة إلى معدلات نموها السابقة أو حتى تجاوزها، فإن التوقعات بالنسبة إلى بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية تبدو أكثر تفاوتاً.

تُعتَبَرُ منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ من أقوى الأسواق الناشئة، حيث يتوقّع البنك الدولي لها نمواً بنسبة 7.7 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي في العام 2021، أي أفضل من النمو في جنوب آسيا الذي سيبلغ نسبة 6.8 في المئة. ضمن هذه المنطقة الواسعة، تجاوز الإنتاج في الصين وفيتنام وبنغلاديش الآن مستويات ما قبل الوباء، وأصبح البلدان الأخيران، اللذان بدأا من قاعدةٍ مُنخفضة، في وضعٍ جيّد لتحقيقِ نموٍّ مُرتَفعٍ مُستدام.

من حيث الإمكانات، إندونيسيا هي الاقتصاد الآخر الذي يجب مُراقبته. لكن تجربتها مع الوباء حتى الآن كانت مُختَلطة. بدأت إندونيسيا بخطة تلقيحٍ قوية. على الرغم من حدوث حالات صعود وهبوط، حيث تم تلقيح 4.6 في المئة من سكانها بالكامل الآن، فإنها تتقدم حالياً على العديد من البلدان الآسيوية الأخرى، مثل سريلانكا (3.9 في المئة) والهند (3.8 في المئة) وتايلاند (3 في المئة)، وفيتنام (0.1 في المئة).

علاوة على ذلك، حاولت الحكومة الإندونيسية في السنوات الأخيرة إجراء بعض الإصلاحات الهيكلية، مثل تحرير سوق العمل، من خلال سَنِّ ما يُسمَّى ب”القانون الشامل” الموَجَّه لخلق الوظائف. على الرغم من أن هذا الأمر كان مُثيراً للجدل سياسياً، فإن إصلاحات أخرى يبدو أنها تؤتي ثمارها. إتخذت حكومة الرئيس “جوكو ويدودو” خطواتٍ مُبكرة لاعتماد سياسة إدارة للوباء والاقتصاد تحت إشراف مجموعة مشتركة من الخبراء، وهي “لجنة معالجة كوفيد-19 وإنعاش الاقتصاد الوطني”. وقد ساعد ذلك الحكومة على تجنّب خطأ شلّ الاقتصاد تحت عنوان السيطرة على الوباء، والتعثّر في النهاية على الجبهتين، كما حدث في بعض الأسواق الناشئة.

كما أشارت “ديلا تيمينغونغ” من “بروسبيرا” (الشراكة الأوسترالية – الإندونيسية من أجل التنمية الإقتصادية) والمؤلفون المشاركون في ورقة بحثية حديثة، كان أداء الاقتصاد الإندونيسي قوياً مُقارنةً بأقرانه خلال الوباء بسبب هذا التوازن بين احتواء الفيروس والإصلاح الهيكلي. يتوقّع البنك الدولي أن يرتفع معدل النمو في إندونيسيا ببطء نسبياً، من 4.4 في المئة هذا العام إلى 5 في المئة في العام 2022، لكنه يؤكد على إمكانات الاقتصاد العالية في المدى المتوسط.

لكن بالنسبة إلى معظم دول العالم النامي، يبدو المدى المتوسط ​​قاتماً. إن التفاوت العالمي الهائل في الحصول على اللقاحات يعني أنه من المرجح أن تواجه البلدان الفقيرة المزيد من موجات فيروس كورونا ومتغيّراته في الأشهر والسنوات المقبلة. وربما يتعيّن عليها التعامل مع هذه الفاشيات من خلال إغلاق أجزاءٍ من اقتصاداتها.

حتى داخل بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية، يبدو أن الفقراء يُعانون أكثر بكثير من الأغنياء، وفي بعض الاقتصادات يكون الأغنياء في الواقع أفضل مما كانوا عليه قبل الوباء. ويقدّر البنك الدولي أن كوفيد-19 سيؤدي إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر بحوالي 143-163 مليوناً في العام 2021، مع وجود أكثر من نصف الفقراء الجدد في جنوب آسيا، وبخاصة في الهند. إن المشكلة مع الهند لا تكمن في أساسياتها الاقتصادية القوية، بل في حقيقة أن سوء إدارة الاقتصاد والوباء يعني، كما يقول تقرير البنك الدولي الأخيرلشهر حزيران (يونيو)، أن “الثقة لا تزال مُنخفضة وقد تضرّرت الموازنات العمومية”.

التحذير الثاني للبنك الدولي يتعلق بالتضخّم. الفصل الطويل في تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية الأخير الذي كان بعنوان “ضغوط التضخم الناشئة: هل هي سببٌ للقلق؟” يشرح كلّ شيء. أيّ شخص يقرأ هذا القسم سوف يُدرِك أن علامة الاستفهام موجودة فقط لتخفيف الهزّة أو الصدمة. الواقع أن علامة التعجب قد تكون هنا أكثر ملاءمة.

يعرف الاقتصاديون ضآلة معرفتهم بعالم التضخّم. نعوّض ذلك من خلال توخّي الحذر المُفرِط والدعوة إلى اتخاذِ تدابير سياسة وقائية قاسية عند أول إشارة إلى ارتفاع الأسعار. والوضعُ الحالي مُقلق. ينخفض ​​التضخم عادة خلال فترات الركود. ولكن، من بين حالات الركود العالمية الخمس في نصف القرن الفائت، كان انخفاض التضخم خلال هذا الانكماش الناجم عن الوباء هو الأكثر صمتاً. علاوة على ذلك، إرتفع التضخّم بشكلٍ أسرع منذ أيار (مايو) من هذا العام مُقارنةً بنهاية فترات الركود السابقة.

إن موقف الاحتياطي الفيدرالي الأميركي هو أن الزيادة الأخيرة في التضخّم هي تعديلٌ لمرة واحدة ناتج عن عمليات ضخّ مالية كبيرة. هذا يبدو مُطمئناً، لكن في الحقيقة، لا أحد يعرف على وجه اليقين. إذا استمر التضخم في الاقتصادات المُتقدّمة، فقد تضطر البنوك المركزية إلى تشديد السياسة النقدية. وقد يؤدي ذلك إلى زيادة تدفقات رأس المال إلى الاقتصادات المُتقدّمة وانخفاض قيمة عملات إقتصادات الأسواق الناشئة والنامية. هذه مخاطر كبيرة، لها آثار مدمرة مُحتَمَلة على فقراء العالم.

الرسالة الثالثة لتقرير البنك الدولي الأخير تتعلق بالتجارة، وهي ليست تحذيراً بقدر ما هي تذكيرٌ بفرصة. في مناقشة رائعة، يوضّح التقرير أن أحد العوائق الكبيرة أمام النمو والتقدّم الأسرع لبلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية هي التكلفة العالية للتجارة، وبعضها غير ضروري. تُمثل الرسوم الجمركية واحداً على أربعة عشر (1/14) فقط من إجمالي تكلفة التجارة، بينما تُشكّل الخدمات اللوجستية والنقل والبيروقراطية والفساد الباقي. ونتيجة لذلك، فإن السلعة المُباعة إلى بلد آخر تُكلّف في المتوسط ​​ضعف ما تكلّفه محلياً.

وبالتالي، فإن بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية لديها مجال لتحقيق وفورات ضخمة وزيادة إمكاناتها التصديرية بشكلٍ كبير. وما يقترحه تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية هو أنه على الرغم من أن العديد من تكاليف الوباء لا يمكن تجنّبها، فإن الإصلاحات التي تستهدف تكلفة هذه التجارة المُثقَلة يُمكن أن توفّر للبلدان الفقيرة حدّاً أدنى من العازل على الأقل ضد الظروف الصعبة التي يُخبّئها التعافي العالمي غير المُتكافئ.

  • كوشيك باسو هو كبير الاقتصاديين السابق في البنك الدولي وكبير المستشارين الاقتصاديين لحكومة الهند، وأستاذ الاقتصاد في جامعة كورنيل، وزميل أول غير مقيم في معهد بروكينغز. يمكن متابعته عبر تويتر على: @kaushikcbasu
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى