قانون الأسرة بالمغرب: سجالات المحافظين والحداثيين

حسن الأشرف*

دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس، في رسالةٍ وَجَّهها إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، إلى إعادةِ النظر في مُدوّنة الأسرة، حدّد فيها فترة 6 أشهر، لإعداد مشروع قانون وتقديمه لمصادقة البرلمان، وهو ما تمّ الشروعُ فيه بإجراءِ مشاوراتٍ واسعة النطاق بين جميع مُكَوّنات المجتمع المغربي من أحزابٍ وهيئاتٍ نسائية وعُلماء دين وغيرهم من الفئات. وينتظِرُ المغاربة نتيجة هذه المشاورات وما ستصل إليه، خصوصًا في ملفّاتٍ تتعلّقُ بالعلاقات خارج مؤسسة الزواج، وزواج القاصرات، والميراث.

بالنسبة إلى العلاقات خارج مؤسّسة الزواج، يتواجه تياران رئيسان في مطالب مراجعة أو “إصلاح” قانون الأسرة في المغرب، الأول يرى ضرورة التمسّك بالقيم الإسلامية أو على الأقل عدم المسّ بالهوية المحلية و”ثوابت الأمة”، بينما الثاني يستدعي حتمية الاستناد إلى المواثيق والقوانين الدولية وسيادة الحقوق الفردية.

من أبرز الملفات الساخنة التي تُثيرُ تصادم هذين التيارين، مطلب إلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي الذي يُجرّم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج. وينصُّ على أنَّ “كلَّ علاقةٍ جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة الفساد (الذي يعني الزنا في العرف المغربي) ويُعاقَب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة”، وهو فصلٌ لا يزالُ يثيرُ كثيرًا من السجالات بين رافضين ومؤيّدين. ظهر وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي مُدافعًا في أكثر من ظهورٍ إعلامي عن إلغاء هذا الفصل القانوني، ما يعني رفع التجريم عن العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، ليصطدم سريعًا بمواقف رافضة بشدّة لتنفيذ هذا المطلب.

بالمقابل يستنكرُ عددٌ من نشطاء الأسرة والدعاة وعلماء الدين هذا التوجه بإلغاء قانون تجريم العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، لأنه يعني ـ بحسبهم ـ “انتشار الفساد واختلاط الأنساب والقضاء على نواة الأسرة”. هذا الجدل يجد أمامه أيضًا موقفًا واضحًا من أعلى سلطة في البلاد عندما شدد الملك محمد السادس في “خطاب العرش” لعام 2022 على أنه “بصفتي أمير المؤمنين، فإنني لن أحلَّ ما حرَّم الله، ولن أُحَرِّمَ ما أحلَّ الله، لا سيما في المسائل التي تؤطّرها نصوصٌ قرآنية قطعية”.

ولعلَّ التعديلَ المُرتَقَب لن يؤيد بالمطلق عدم تجريم العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، حتى لا يتصادم مع التيارات المحافظة ومَن يدعمها، لكنه قد يخفف إلى أقصى حد من العقوبات الزجرية لمن يُضبَطُ مُتلبّسا بإقامة علاقات جنسية خارج الزواج.

ومن الملفات الأخرى المُثيرة للجدل أيضًا في قانون الأسرة المغربي موضوع تزويج القاصرات (دون سن الثامنة عشرة)، حيث يدور النقاش بشأنِ فصل قانوني يتيح الرخصة الاستثنائية للزواج بالقاصر في خضمِّ شروطٍ مُحَدّدة. ترى ناشطات أن وضع الباب مواربا أمام منح رخصة للزواج بالقاصر، يمسُّ بكرامة القاصرات ويلحق بهنَّ ضررًا نفسيًا وجسديًا بالغًا، بسبب عدم اكتمال الفتاة في هذه السن عاطفيًا ونفسيًا وحتى جسديًا لكي تتحمّل أعباء الزواج ومتطلباته. بالمقابل يرى التيار المحافظ أنه لا ينبغي المنع الكلي للزواج بالقاصر، باعتبار أن هناك حالات اجتماعية صعبة تتطلّب ذلك، من قبيل فتاة يتيمة لا يوجد من يرعاها، ولم تبلغ سن الرشد القانوني مثلًا.

يبدو أن هذا السجال سيذهب في اتجاه التضييق أكثر على رخصة تزويج القاصرات بوَضعِ شروطٍ أكثر صرامة، بالنظر إلى أنه مطلبٌ اجتماعي مُلِحّ يروم مصلحة الأطفال ويُساير التشريعات الوطنية والدولية في مجال احترام حقوق الطفولة.

ومن أكثر الملفات سخونة وإثارة للجدل الحاد بين المحافظين والحداثيين في المغرب، والذي يُرتقب أن ترتفع حدة النقاش بشأنه في مستقبل الأيام، موضوع المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة.

يرى المحافظون أنَّ الدعوة إلى تعديل وإصلاح قانون الأسرة بالشكل الذي يمنح المساواة الكاملة في الإرث بين الرجل والمرأة، أمرٌ يناقض صميم الدين، ويُعارض نصوصًا قرآنية قطعية، وبخاصة الآية القرآنية “وللذكر مثل حظ الأنثيين”، وهو ما سبق أن أثاره حزب العدالة والتنمية، المحسوب على جماعة “الإخوان المسلمين”، حيث أبدى رفضه مطلب المساواة في الإرث بين الجنسين. بالمقابل يرى الحداثيون أن مطلب المساواة في الإرث يمكن تحقيقه على أرض الواقع، لضرورة النظر في أحوال الناس ومعاشهم كأولوية، وبالنظر أيضًا إلى ضرورة مواجهة التمييز ضد المرأة.

يبدو أنَّ إقرارَ المساواة بين الجنسين في الإرث لن يجد طريقه إلى التعديل المُرتَقب لمدوّنة الأسرة، باعتبار أنه يصطدم مباشرة بمنطوق التوجيه الملكي الذي قال فيه إنه لا يحل حرامًا ولا يحل حلالًا، غير أنه بالمقابل قد يقدم هذا الإصلاح اجتهادات منفتحة في بعض تفاصيل مسائل الإرث العديدة.

ختامًا، التعديل المرتقب لمدوّنة الأسرة محكوم برهانات عدة، من بينها أن يكون نتاج مشاورات واسعة تضم جميع الأطراف المعنية، وثانيها أن يتم الاحتكام إلى مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، والاجتهاد المنفتح، ما قد يجعل النتيجة تسير صوب ما يمكن تسميته بإمساك “عصا المدوّنة” من وسطها، حتى لا تثير احتقانًا واحتجاجات في المستقبل المنظور.

  • حسن الأشرف هو إعلامي وكاتب وباحث مغربي، يهتم بالملفات السياسية والاجتماعية ويتابع الظاهرة الدينية في الوطن العربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى