دور العرّافة في الحُكمِ الإيراني

يبدو أن حكام إيران يستنجدون بالعرّافة للتنبؤ بالمستقبل لتقرير مصيرهم وخطواتهم السياسية والإقتصادية وحتى الدينية.

محمود أحمدي نجاد: بمساعدة أحد الصوفيين الهنديين، أعد جرعة وسكبها في مصادر مياه الشرب في طهران لإقناع الناس بالتصويت له!

محمد حسين ضياء*

الإستخارة أو العرّافة، حسب التعريف الإسلامي، هي طلب الخير واستشارة الله في مختلف الأمور، وهي شائعة جدًا بين الشيعة، بما فيها الكتب الدينية، والتي تتضمّن فتح القرآن بشكل عشوائي وقراءة الآية الأولى على الصفحة أو عرّافة المسبحة. ويتمتع استخدام الاستخارة بتاريخٍ طويل في إيران، ليس فقط بين عامة الناس، ولكن أيضًا بين حكامها، الذين استخدموها لاتخاذِ قراراتٍ بشأن حكم البلاد، ويستمر هذا حتى يومنا هذا.

إن استخارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، عند دخوله القصر الرئاسي لأول مرة، وتجنيده لأشخاصٍ ذوي خلفيات دينية قوية، ونصيحة المسؤولين الإيرانيين بـ “الصلاة” لحلّ المشاكل، تشير كلّها إلى أن الدين يلعب دورًا أقوى في صنع القرار بين دوائر السلطة في الجمهورية الإسلامية. في كلٍّ من التاريخَين القديم والمعاصر لإيران، هناك العديد من الروايات التي تصف وتؤكّد القرارات الحكومية التي يتم اتخاذها على أساس الاستخارة. لكن في السنوات التي تلت الثورة الإيرانية في العام 1979، أصبحت هذه الممارسة أكثر جدية وانتشارًا، لا سيما في ظل الإدارة الحالية.

نبذة مُختَصرة عن تاريخ الاستخارة

على مرّ التاريخ، لجأ ملوك الفرس إلى الاستخارة في مناسباتٍ مُختلفة، بمَن فيهم عبّاس الأوّل (خامس ملك صفوي لإيران) للسفر سيرًا على الأقدام، وناصر الدين شاه (القاجاري) للحُكم الإيراني على هرات والسفر إلى بريطانيا، ومحمد علي شاه (القاجاري) لقضايا مثل قصف المجلس أو إقالة وزير. بعد الثورة الإيرانية، مع صعود رجال الدين والطبقة الدينية، أصبحت الاستخارة مرة أخرى جُزءًا من صنع القرار الحكومي. أثناء الحرب العراقية-الإيرانية، اعتمد بعض قادة الحرس الثوري الإسلامي وقادة الجيش على هذه الممارسة من حين لآخر. على سبيل المثال، في إحدى المناسبات، طار قائد الحرس الثوري الإيراني محسن رضائي إلى طهران على متن طائرة مقاتلة من طراز “أف-5” (F-5) لطلب الاستخارة من آية الله روح الله الخميني.

نَقَلَ غُلام علي حداد عادل، رئيس مجلس النواب السابق، عن آية الله علي خامنئي قوله إن زوجته تؤمن بشدّة بالاستخارة واستخدمت العرّافة مرتين لتزويج نجلهما مجتبى خامنئي من ابنة حداد عادل. قبل ذلك، لجأ آية الله خامنئي إلى الاستخارة لبث إعلان في التلفزيون. كما وردت تقارير عديدة عن شخصيات سياسية إيرانية أخرى لجأت إلى الاستخارة قبل ترشّحها لمنصب.

تُظهر هذه الحالات، التي انتشرت على مدى قرون، الدور السياسي الطويل الأمد للاستخارة في إيران. وبغض النظر عما إذا كان الأمر خرافيًا أم لا، فقد تحوّل الحكام الإيرانيون إلى العرّافة لأسباب متنوعة، بما في ذلك التردّد في اتخاذ القرار، والتنازل عن المسؤولية، والرغبة في إعطاء القرارات بُعدًا إلهيًا.

التردّد في اتخاذ القرار

يقل التردّد في اتخاذ القرار مع زيادة المعلومات والمعرفة والوعي بالعوامل المؤثرة. لذلك فإن الدور البارز للاستخارة في اتخاذ القرارات ينطوي على الشك الذاتي المتأصل في عدم كفاية المعلومات والمعرفة والخبرة. وقد تفاقم هذا على مدى العقود الأربعة الماضية حيث أدت هجرة النخب وتوظيف المسؤولين الحكوميين على أساس الكفاءة الدينية بدلاً من الكفاءة العلمية إلى الافتقار إلى التفكير الفكري والعلمي في حكم إيران.

التنازل عن المسؤولية للقرارات

إن عواقب أيّ عمل ناتج عن الاستخارة، إذا كانت إيجابية  تُشجّع على المزيد من استخدام هذه الأداة. أما إذا كانت النتيجة سلبية، فإن النتيجة تُنسَبُ إلى حكمة الله وقبوله. لذلك، بغضّ النظر عن النتيجة، تعتبر الاستخارة معصومة من الخطأ. لذلك، لن يقوم الأفراد بإعادة تقييم الظروف التي أدّت إلى النتيجة السلبية أو محاولة منع حدوثها مرة أخرى.

إعطاء القرارات بُعدًا إلهيًّا

لإعطاء القرارات جوًّا مُقدَّساً ومُقدَّرًا، يمكن للمرء أن يبني على الاستخارة وظهور التشاور مع الله كاستراتيجية لتحقيق قرار ملزم. في الواقع، يربط بعض المرشحين للإنتخابات ترشيحهم بالاستخارة للإيحاء بأن الله هو أول ناخب لهم وحتى للإيحاء بأنهم يحظون بدعمٍ إلهي. بعد انتخابه رئيسًا للجمهورية وعند دخوله مكتبه في القصر الرئاسي، قام ابراهيم رئيسي أوّلًا بإصدار منشوررات دينية، وكأنه يشير إلى أن رئاسته قد تمّ إملاؤها بمرسومٍ إلهي.

يدل انتشار الاستخارة في المجال السياسي الإيراني على تدني مستويات المعرفة العلمية بين المسؤولين. علاوة على ذلك، كما نوقش أعلاه، فإنها تسمح لهم بالإفلات من المسؤولية عن أي عواقب سلبية ناجمة عن قراراتهم – إذا كان كل شيء قد حدّده الله مُسبَقًا، فلا شيء يمكن أن يكون خطأهم.

يؤمن أهل السنّة أيضًا بالاستخارة، لكنهم يرون أن ممارسات الشيعة في الكتب والآيات القرآنية أو عرّافة المسبحة غير مشروعة دينيًا – وهو عمل خرافي يتساوى مع قراءة الطالع. يُصلّي أهل السنة على الاستخارة وينتظرون وحي من القلب مقاربة ضمنية لا صريحة.

الخرافات في الثقافة الشعبية الإيرانية

الإعلانات عن العرّافة، وقراءة الطالع، وعلم الفلك، والصلاة الخاصة، والتعويذات شائعة في إيران وتستهدف عامة الناس. يلجأ الناس إلى هذه الإجراءات لمشاكل تتعلق بالزواج والمعاملات التجارية والرعاية الصحية والتخلّص من الفقر. نظرًا إلى حجم الطلب، أنشأ رجل دين شيعي في قم، ماجد جعفري طبر، خدمة عرّافة هاتفية تضم أكثر من 132 خطًا هاتفيًا للعرّافين للإجابة.

ينتشر استخدام التعويذات أيضًا في إيران، لدرجة أن حتى بعض فرق كرة القدم تعتمد عليها للفوز. على سبيل المثال، في مباراة واحدة في الدوري الإيراني الممتاز، سكب الفريقُ المُضيف بَولَ طفلٍ على خط المرمى لمنع الفريق المنافس من التسجيل!

في أيار (مايو) 2009، أخبرني أحد العاملين في مقر حملة الرئيس محمود أحمدي نجاد في طهران، “بمساعدة أحد الصوفيين الهنديين، أعددنا جرعة وسكبناها في مصادر مياه الشرب في طهران لإقناع الناس بالتصويت لمحمود أحمدي نجاد”. وادّعى أنها كلفت 230 مليون تومان (170 ألف دولار). في العام 2011، خلال فترة ولاية أحمدي نجاد الثانية كرئيس، نُشرت تقارير حول علاقات أقاربه مع علماء فلك وعرافين.

على المنوال نفسه، أخبرني عالم فلك مرتبط بشخصيات في مكتب آية الله علي خامنئي أن الشوارع داخل المنطقة الأمنية للقيادة والمؤسسات الرئاسية في طهران يتم تسميتها بأسماءٍ فلكية بناءً على علم الفلك الإسلامي (مثل الشمس والنجم وعطارد وأورانوس والمريخ) لإنشاء تعويذة واقية للنظام. (من غير المعروف متى تم اختيار هذه الأسماء بالضبط). وادّعى أن المرشد الأعلى الإيراني استفاد من نصيحة ثلاثة علماء فلك إسلاميين، على الرغم من أنه لم يكن واضحًا ما إذا كانوا أثّروا في بعض توقعاته، مثل “إسرائيل لن تكون موجودة بعد 25 سنة”.

آفاق المستقبل

كلّما واجه المجتمع البؤس والفقر، زاد اعتماد الناس على الدين والخرافات بشكل متكرّر وعلى نطاق واسع. أدى دور المُقدَّس والإيديولوجي في السياسة والحوكمة الإيرانية إلى إدراج العديد من العادات الدينية والخرافية عند البت في شؤون الدولة. الدين والخرافات لهما الأسبقية على العلم والمعرفة في اختيار وتوظيف المسؤولين في المجالات التنفيذية والسياسية. يتم توظيف الأشخاص في الحكومة الذين تتجاوز كفاءتهم الدينية كفاءتهم العلمية. هذا هو السبب في أن خريجي جامعة الإمام الصادق يمثلون الحصة الأكبر من أعضاء مجلس الوزراء والتنفيذيين في حكومة الرئيس رئيسي. فرعٌ سابق لجامعة هارفارد في إيران، أعادت هيكلته الإمام الصادق بعد الثورة الإيرانية للجمع بين كلية الفقه الديني (علوم الفقه الإسلامي) والجامعة (العلوم الحديثة).

كان الجمع بين الدين والسياسة في إيران ضارًا لكلا المجالين. انخفض مستوى التديّن بين الجمهور بشكل حاد لدرجة أن حضور صلاة الجمعة أصبح مصدر قلق متزايد. علاوة على ذلك، أدى الاعتماد على الدين والإيمان بالأقدار إلى تراجع استخدام البحث العلمي والتجريبي في القرارات والسياسات الكلية في إيران. يعتمد صنع السياسات الإستراتيجية المحلية والدولية على الإيديولوجية بدلاً من الاقتصاد والعلم. على سبيل المثال، طلبت السلطات من الناس الصلاة من أجل هطول الأمطار للتعامل مع أزمة الجفاف، بينما طلبت وكالة حماية البيئة من الناس الصلاة من أجل رياح قوية للتعامل مع مشكلة تلوث الهواء في طهران. تم تجسيد هذه الفلسفة في تأكيد حجة الإسلام كاظم صديقي، إمام صلاة الجمعة في طهران، الذي أعلن: “إذا اعتمد الناس على الله في شؤونهم وأعمالهم، فلن تواجههم أي مشاكل معيشية”.

تراجع التديّن في المجتمع الإيراني، وبخاصة بين الشباب؛ وتزايد انعدام الثقة العام في الحكومة وعلماء الدين؛ ولم يؤدِّ تشدّد الحكومة المتزايد في الأمور الدينية سوى إلى توترات بين الشعب والحكومة، بل عزّز العلمانية أيضًا. وبدلاً من إجراء تغييرات لمعالجة هذه القضايا، فإن الإدارة الإيرانية الحالية تتحرك في الاتجاه المعاكس، نحو حكومة أكثر تديّنًا وعسكرة ومحسوبية، حكومة يعمل بها خريجو المؤسسات الدينية مثل جامعة الإمام الصادق وأعضاء الحرس الثوري الإيراني وأقارب المسؤولين الحاليين، حيث يتم التقليل من قيمة الخبرة العلمية، وتلعب الاستخارة والممارسات الدينية الأخرى دورًا متزايدًا في شؤون الدولة. لا يحتاج المرء إلى الاعتماد على العرافة ليعرف أن مثل هذا المسار لا يُبشّر بالخير بالنسبة إلى مستقبل إيران.

  • محمد حسين ضياء هو مستشار وباحث استراتيجي معني بالبحوث السياسية والاجتماعية، وتحليل الانتخابات، وحملات وسائل التواصل الاجتماعي. وهو باحث غير مقيم في برنامج إيران التابع لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن. الآراء الواردة في هذه المقالة هي آراؤه الخاصة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى