مَن يُمكِنهُ إنقاذ ليبيا؟
كان من المفترض أن يكون الليبيون على موعد في 24 كانون الأول (ديسمبر) 2021 مع الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، لكن عوضًا عن ذلك تسود حالة من الغموض مصير العملية السياسية في البلاد مع عدم إجراء الاستحقاق الرئاسي.
أحمد ماهر*
يجب علي الاحتفاظ بقائمة مصطلحات للمؤسسات التي تم إنشاؤها في ليبيا منذ العام 2011 حتى لا أُخطئ في وظيفة أيٍّ منها بما فيها المجلس الأعلى للدولة أو حكومة الوفاق الوطني في الغرب، و”الجيش الوطني الليبي” في الشرق. ناهيك عن ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي يضم 75 عضوًا وما لا يقل عن سبع بعثات للأمم المتحدة.
بعد عشر سنين على الإطاحة بمعمر القذافي ونظامه بدعمٍ من الحلف الأطلسي، ثبت أن الوحدة في البلاد بعيدة المنال. هناك كل شيء ما عدا هذه الوحدة. القذافي، الأوتوقراطي السابق ذو المزيج الإيديولوجي الغريب من الاشتراكية والإسلاموية والقومية العربية، عمّق القبلية وبالتالي تسبّب في انقسامات المجتمع، والتي لا تزال قائمة. كانت الانقسامات عميقة لدرجة أنه عندما تمّت الإطاحة بالقذافي، انزلقت البلاد في حربٍ أهلية وحشية.
تَرَكَ هذا الأمر خوفًا مُزعجًا لدى بعض الليبيين من الجيل الجديد (جيل Z) على وسائل التواصل الاجتماعي – من أن الولاء والوطنية يُقاسان بمقياس واحد فقط: الارتباط الثابت بالقبيلة، وليس البلد.
واليوم، لا يزال البلد يبدو بعيدًا من الوحدة على الرغم من وقف إطلاق النار المدعوم من الأمم المتحدة، وحكومة وحدة وطنية أخرى ومحاولة جديدة، أُجِّلت، لإجراء انتخابات – رئاسية وتشريعية – كان يمكنها أن تؤدي إلى الديموقراطية والاستقرار. لم تنتخب ليبيا أبدًا رئيسًا ديموقراطيًا ولم تُجرَ انتخابات برلمانية منذ العام 2014. ويبدو من غير المرجح أن يكون هناك رئيس للحمهورية للبلد في أيّ وقت قريب.
القوى السياسية من ناحية، الدولة والمؤسسات الموازية من ناحية أخرى، مُنقسمة بمرارة وبشكل حاد، الأمر الذي أدى إلى الإعلان عن تأجيل التصويت التاريخي. 24 كانون الأول (ديسمبر) كان موعد الانتخابات الرئاسية في ليبيا.
وما يزيد الارتباك أن اللجنة الوطنية العليا للانتخابات تحدثت بلغة لا يفهمها كثيرٌ من الناس، أو على الأقل لم تستطع توضيح أسباب إعلان التأجيل بحدّ ذاته.
في الواقع، يخضع موضوع التأجيل لعددٍ كبير من المتغيّرات، معظمها مُرتبطٌ مباشرة بتنفيذ العملية الانتخابية. قال عماد السايح، رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في مؤتمر صحافي في طرابلس: إنها قد تكون متغيرات سياسية أو فنية أو قانونية.
لقد كان طريقًا صعبًا لجميع الخصوم السياسيين، من الغرب والشرق، للموافقة في العام 2020 على إجراء التصويت. توقّفت الأعمال العدائية العسكرية لكن كلا الجانبين ظل متشككًا في بعضهما البعض، ورسّخا مواقفهما وفشلا في اتخاذ خطوات ملموسة نحو بناء دولة حقيقية.
حتى الاقتصاد والمالية العامة مُجزَّأة إلى كيانين. هناك منافسة بين محافظ البنك المركزي في الغرب ونائبه في الشرق. ولا تزال المحادثات بين الرجلين لتسوية حسابات قديمة في مراحلها الأولى.
وسط حالة من عدم الاستقرار والخلل الوظيفي، أدرك العديد من الليبيين في الجنوب أنهم استبدلوا نظامًا شموليًا ودولة بوليسية حيث كان هناك بعض الاستقرار والأمن، بدولة مليشيا متمردة. ومن هنا جاء قرار بعض الليبيين دعم أحد أبناء القذافي، سيف الإسلام، رُغم أنه مجرمُ حربٍ مزعوم.
تجدّدت الدعوات لتبنّي الفيدرالية أو حتى تقسيم البلاد إلى ثلاث مناطق تتمتع بالحكم الذاتي، كما حدث خلال الحقبة الاستعمارية، عندما احتل البريطانيون والفرنسيون ليبيا في العام 1943 وقسّماها إلى ثلاث مقاطعات: إقليم طرابلس في الشمال الغربي، وبرقة في الشرق، وفزّان-غدامس في الجنوب الغربي.
“كيف يمكنك إجراء هذه التجربة غير المسبوقة في ليبيا واختيار رئيس ديموقراطيًا بدون تفكيك عدد لا يحصى من الميليشيات أو وجود دستور؟ لقد كانوا طموحين للغاية عندما وضعوا هذا الجدول الزمني”، قال لي أحد كبار مساعدي وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش عبر الهاتف.
أصبحت الجماعات المتمرّدة – التي تحوّلت إلى ميليشيات كبرى- مؤثّرة وقوية للغاية بحيث لا يُمكن نزع سلاحها. إنها تسيطر على واحد من أغنى احتياطات النفط والغاز في إفريقيا، وتُجنّد الشباب العاطلين من العمل مقابل 5,000 دينار في الشهر (1000 دولار) – مُقارنةً بمتوسط الأجر العام البالغ 900 دينار – وتستخدم حق النقض ضد المرشحين. لقد لعبت دورًا رئيسًا في إبقاء البلاد في حالة من الفوضى، وألحقت الضرر بسمعتها كدولة رفاهية كانت تتمتّع بواحد من أكثر الدخل اللائق للفرد في المنطقة.
قبل أيام قليلة من الانتخابات المفترضة (التي تأجّلت)، اقتحمت الميليشيات محكمة في مدينة سبها الجنوبية للاحتجاج على ترشيح نجل القذافي. وأغلقت مجموعة أخرى مرتبطة بقوة حرس الدولة للمنشآت النفطية أربعة حقول رئيسة في ضربة كبيرة لإيرادات الإنتاج والموازنة.
السياسة بالوكالة هي مُتَغَيِّرٌ آخر دفع بالليبيين لتأجيل الانتخابات. تتمتع كتلُ القوى الرئيسة بروابط بالوكالة مع دول إقليمية ودولية، حيث لا يزال الآلاف من المرتزقة الأجانب في البلاد، وانتهت بالفعل مهلة الخروج في كانون الثاني (يناير) الماضي.
لا عجب أن وزارة التعليم ألقت باللوم في التأخير المُزمن في تسليم الكتب المدرسية في السنوات الأخيرة على العملية المُعقّدة لإعادة توحيد المناهج الدراسية الحكومية.
قال لي عبد القادر الحويلي، العضو البارز في المجلس الأعلى للدولة، في مقابلة أجريتها معه أخيرًا: “الجميع يتنافسون ولديهم طموحات مُخَزّنة وكبيرة. وهم لا يريدون التضحية بمصالحهم الشخصية من أجل ليبيا”.
- أحمد ماهر هو مراسل كبير في صحيفة “ذا ناشيونال” في أبو ظبي منذ العام 2020. وقبل ذلك، أمضى 12 عامًا مع “بي بي سي” في لندن كمراسل متجوّل ثنائي اللغة في الشرق الأوسط. قدم الكثير من التقارير من مصر وتونس وليبيا واليمن والسودان. يمكن متابعته عبر تويتر على: @amaherYAH
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.