تَنظيمُ “القاعدة” تَقَلّصَ وضَعُفَ لكن لا تَكتُب ورقةَ نَعيِهِ بَعد

لا شك أن الأميركيين وحلفاءهم في الشرق والغرب إستطاعوا القضاء على القوة الرئيسة ل”القاعدة”، ولكن حتى مع معاناة هذا التنظيم وهلاك قيادته، من السابق لأوانه كتابة ورقة نَعيِه حتى الآن.

أيمن الظواهري: مات قبل أن يستطيع إعادة الحياة إلى تنظيم “القاعدة”

بقلم كولِن كلارك*

بدأت الشائعات تدور في الخريف الفائت عن وفاة زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري لأسباب طبيعية. من دون تأكيد، راح مُحَلِّلو مُكافحة الإرهاب ومُراقِبو “القاعدة” منذ فترة طويلة في تقييمٍ مُختلِفٍ لما سيعنيه الأمر للمنظمة الإرهابية إذا فقدت زعيمها فعلياً. قبل أسبوعين، أصدر الذراع الإعلامي الرسمي ل”القاعدة”، “مؤسسة السحاب الإعلامية”، مقطع فيديو، ربما كان يهدف إلى إخماد التقارير عن وفاة الظواهري، يحتوي على مقاطع صوتية للظواهري تتناول محنة مسلمي ال”روهينغيا” في ميانمار. ولكن نظراً إلى أن هذه الرسائل فشلت في الإشارة إلى أي أحداث جارية على وجه التحديد –يُمكن أن تنطبق تعليقاته الغامضة حول مسلمي ال”روهينغيا” على الأحداث في ميانمار على مدار السنوات العديدة الماضية– فقد أثارت المزيد من التكهنات بأن الزعيم الإرهابي السبعيني قد توفّى بالفعل.

إذا مات الظواهري، فسيكون ذلك بمثابة ضربة أخرى للقيادة العليا المُتناقِصة لتنظيم “القاعدة”، والتي تضاءلت بشكل مطرد على مدار السنوات العديدة الماضية. من المُحتَمل أيضاً أن يؤدي موت الظواهري إلى رفع الجهادي المخضرم سيف العدل، وهو مواطن مصري اتهمته الولايات المتحدة بتفجير السفارة الأميركية في كينيا في العام 1998، إلى منصب أمير “القاعدة”. لكن استمرار وجود العدل في إيران، حيث يقيم منذ العام 2002 أو 2003 تقريباً، يفرض عليه قيوداً واضحة، نظراً إلى أن ل”القاعدة” والجمهورية الإسلامية علاقة يُمكن وصفها بدقة بأنها عدائية، حتى مع وجود أمثلة واضحة على تعاونهما. علاوة على ذلك، بعد أن تم الكشف عن اغتيال أبو محمد المصري، زعيم “القاعدة” المُفترَض السابق، في طهران على أيدي عملاء إسرائيليين في آب “أغسطس” 2019، فهذا لا يُعزّز الثقة في أنه إذا تولى العدل زمام الأمور، سيكون قادراً على الحفاظ على الأمن التشغيلي المناسب خلال العيش في إيران.

في العام 2020 وحده، قُتِلَ العديد من قادة القاعدة البارزين. قاسم الريمي من “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، وعبد المالك دروكدال (أبو مصعب عبد الودود) زعيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، وأبو محسن المصري في أفغانستان، والعديد من الأعضاء رفيعي المستوى في الفرع السوري ل”القاعدة”، “حراس الدين”، جميعهم قُتِلوا بغاراتٍ قامت بها طائرات أميركية مُسَيَّرة. وقد تعرّض تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” على وجه الخصوص إلى سلسلة مُتعاقِبة من الاغتيالات المُستَهدِفة ضد قيادته العليا. وبحسب تقرير حديث للأمم المتحدة، فإن تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، الذي كان ذات يوم أكثر قدرة من الناحية العملياتية بين مجموعات تنظيم “القاعدة”، عانى من “الخلافات والفرار” في اليمن. ومع ذلك، سيكون من الخطأ التقليل من شأن “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، كما يتضح من دور المجموعة في تسهيل هجوم كانون الأول (ديسمبر) 2019 الإرهابي على قاعدةٍ للبحرية الأميركية في “بينساكولا” في ولاية فلوريدا، حيث أطلق طيارٌ سعودي، كان يتابع دورة عسكرية في تلك القاعدة المذكورة، النار وقتل ثلاثة بحارة أميركيين وجرح ثمانية آخرين.

في تجاوزٍ صارخ مع السنوات الماضية، لم يحصل تنظيم “القاعدة” إلّا على إشارة مُقتضَبة في الشهادة الأخيرة لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريستوفر راي، أمام الكونغرس حول التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة الأميركية. في جلسة الاستماع التي عقدها أمام لجنة العدل في مجلس الشيوخ في أوائل آذار (مارس)، خلص “راي” إلى أنه في حين أن تنظيم “القاعدة” ما زال “يُحافظ على رغبته في شنّ هجماتٍ كبيرة وواسعة النطاق”، لكن بسبب استمرار ضغط مكافحة الإرهاب والخسائر القيادية الأخيرة، فمن المرجح أن تُركّز الجماعة على القضايا الضيّقة في منطقة الساحل والقرن الأفريقي، مع “دعم الهجمات الصغيرة الحجم التي يمكن تحقيقها بسهولة” في تلك المناطق.

أثبتت الجماعات المُنتَسِبة إلى “القاعدة”، بما فيها جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” في المغرب العربي، وحركة “الشباب” في الصومال وشرق إفريقيا، عنادها في الصمود، وحافظت على قدراتها التنظيمية والعملية، بما في ذلك قدرتها على التجنيد وشنّ هجمات متطورة. إذا استمرت القوات الأميركية وغيرها من الجيوش الغربية في الإنسحاب من إفريقيا جنوب الصحراء، فقد يؤدي ذلك إلى فراغات أمنية ستملأها الجماعات الجهادية بلا شك. لقد أدّت مؤامرة إرهابية تم إحباطها في صيف العام 2019 إلى اعتقال ناشط كيني من حركة “الشباب” كان يُخطّط لاختطاف طائرة في الولايات المتحدة وتحطيمها في مبنى على غرار هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001.

هناك نوعٌ من الإختلاف داخل مجتمع مكافحة الإرهاب الأوسع حول مدى أهمية التهديد الذي لا يزال يُشكّله تنظيم “القاعدة”. أحد الأسباب هو أنه في جميع أنحاء إدارة دونالد ترامب، كان من الشائع تسييس التقييمات الإستخباراتية. غالباً ما كان وزير الخارجية السابق مايك بومبيو مُذنباً في ذلك، حيث كان يُضخّم قدرات تنظيم “القاعدة” عند مناقشة علاقته مع إيران، بينما كان يُشير إلى أن الجماعة كانت “ظلاً لما كانت عليه في السابق” لتبرير سحب القوات الأميركية في أفغانستان كجزء من اتفاق سلام مع طالبان. في الواقع، ربما يكون تأطير بومبيو بشكلٍ معكوس هو أكثر دقّة. إن تنظيم “القاعدة” مُقَيَّد من بعض النواحي بسبب استمرار وجوده في إيران، في حين أن قيادته قد تُعلّق مستقبل التنظيم على ما يحدث نتيجة للمفاوضات الجارية في أفغانستان التي تُشارك فيها الحكومة الأفغانية وحركة “طالبان” شريكة “القاعدة” قبل 11 أيلول (سبتمبر) 2001. وقد أقرّت إدارة جو بايدن بأن “طالبان” لم تنفصل عن “القاعدة”، وأن حكومة بقيادة طالبان في كابول ستكون بالتأكيد مضيافة للجهاديين وهم يسعون إلى إعادة تجميع صفوفهم وإعادة بناء شبكتهم في جميع أنحاء جنوب آسيا.

من ناحية أخرى تضاءلت أيضاً قدرة الإيديولوجيا الجهادية على إلهام المُتطرّفين العنيفين المحلّيين في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، على الرغم من أن الدعاية التي يروّج لها تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) لا تزال تلقى صدى لدى الجهاديين الأوروبيين، كما يتضح من موجة الهجمات في نهاية العام الفائت. لكن حتى هذه الهجمات فقد ارتكبها في الغالب أفراد ليست لهم صلات ملموسة بجماعات أو منظمات جهادية قائمة، بما في ذلك “القاعدة”.

بالإضافة إلى ما سيحدث تالياً في أفغانستان، هناك عددٌ من العوامل الأخرى التي يُمكن أن تؤثّر في مسار الإرهاب العابر للحدود، بما فيها كيفية تطور العلاقة بين تنظيمَي “القاعدة” و”الدولة الإسلامية” –والمجوعات التابعة لهما– خلال العام المقبل. إن الصراع بين هذه الجماعات محلّي في المقام الأول، ما قد يؤثر في الديناميكيات على المستوى الإقليمي، ولكن من غير المرجح أن يُحفّز التطورات الرئيسة في الوسط الجهادي العالمي على نطاق واسع.

من المهم التفريق بين “القاعدة” كتنظيم والحركة التي ساعدت على تحفيزه. في الواقع، عند الإشارة إلى الأخيرة –الحركة الجهادية العالمية– فإنها لا تزال حيّة وبصحة جيدة، ومدفوعةً بالعديد من المظالم نفسها التي غذّت صعودها منذ ما يقرب من ثلاثة عقود. بالنسبة إلى البعض، فإن نواة “القاعدة” التي قادها أسامة بن لادن ونائبه الظواهري، هي من مُخلَّفات زمن مضى. لكنها أثبتت قدرتها على الصمود بشكل ملحوظ في الماضي. حتى مع معاناة تنظيم “القاعدة” وهلاك قيادته، فمن السابق لأوانه كتابة ورقة نَعيِه حتى الآن.

  • الدكتور كولِن ب كولِن هو مدير السياسات والأبحاث في “مجموعة صوفان” (Soufan Group)، وهي شركة استشارات أمنية واستخباراتية عالمية مقرها في مدينة نيويورك. يمكن متابعته عبر تويتر على: @ColinPClarke
  • كُتِبَ المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى