اليمن: التباعد بين أبوظبي والحكومة الشرعية يسمح للحوثيين بالزحف نحو الجنوب

يعكس تقدّم الحوثيين الأخير في جنوب اليمن ووسطه المشهد السياسي المتغيِّر في البلاد والتباعد المتزايد بين الحكومة اليمنية المُعترف بها دولياً والإمارات العربية المتحدة.

الرئيس عبد ربه منصور هادي: ما سبب خلافه مع الإمارات؟

بقلم عاتق جارالله*

بعدما حسموا معركة حجور في آذار (مارس) الفائت وتوقّفت المعارك في محافظة الحُدَيدة الساحلية في مطلع أيار (مايو)، إتجه الحوثيون نحو جبهات المناطق الوسطى التي تشمل محافظة البيضاء شرقاً، مروراً بمحافظة إب، ووصولاً إلى مديرية الأزارق في الضالع غرباً. يُعَد تقدّم الحوثيين نحو الجنوب إختراقاً محورياً قد يؤدي إلى تغيّر جوهري في مسار الصراع خصوصاً وأن نتائجه جاءت لتلفت النظر إلى وجود خلل استراتيجي واضح في رؤية التحالف العربي في اليمن، لا سيما توتّر العلاقة بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً ودولة الإمارات.
سيطرالحوثيون في الأول من أيار (مايو) على مديرية الحشاء غربي محافظة الضالع والتي تربط وسط اليمن بمحافظتَي إب وتعز في جنوب غرب البلاد. يأتي ذلك بعد أيام من سيطرتهم على جزء من سلسلة جبال العود الإستراتيجية المُطلّة على الطريق بين مديرية قعطبة في الضالع ومحافظة إب، إضافة إلى السيطرة على جبل ناصة المطل على مديرية مريس شمال قعطبة، والتي تشهد معارك ضارية. وفي محافظة البيضاء تمكّن الحوثيون من إسقاط جبهة ذي ناعم والسيطرة على جبل حلموس الاستراتيجي في مديرية الزاهر المُحاذية لمديرية الحد في محافظة لحج جنوب غرب البلاد.
تأتي هذه التطورات العسكرية في ظل متغيّرات سياسية مهمة منها انعقاد البرلمان اليمني في مطلع نيسان (إبريل) الفائت في محافظة حضرموت بعد توقفه لأكثر من أربعة أعوام. ثم تشيكّل 18 مكوّناً سياسياً ما سُمّي بـ”التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية” في 13 نيسان (إبريل)، دعماً للحكومة المُعترَف بها دولياً. في ظل غياب المجلس الإنتقالي الموالي لأبوظبي عن هذا التحالف، والذي يرى أن هذه الخطوة محاولة لإفشال مشروع الإنفصال.
وفي 30 نيسان (إبريل) الفائت، شهدت مدينة عدن، بصورة مفاجئة، إنعقاد مؤتمر إشهار ما سُمّي بـ”الإئتلاف الوطني الجنوبي”، المؤيد للحكومة، ويتكوّن الإئتلاف من هيئة تأسيسية مؤلَّفة من 64 شخصاً يمثلون 12 تكتلاً سياسياً بالإضافة إلى المستقلين. وقد تم انتخاب أحمد العيسي رئيساً للإئتلاف، وهو نائب رئيس مكتب الرئيس عبد ربه منصور هادي الفضلي. ويُعتبَر هذا الإئتلاف تياراً موازياً للمجلس الإنتقالي الجنوبي، وقد سعت أبوظبي لإحباط إنعقاد المؤتمر أكثر من مرة، حتى إنها مارست ضغوطاً على السطات المصرية لمنع إقامته في القاهرة في مطلع آذار (مارس) الفائت. إن هذه الخطوات تأتي في إطار الصراع الخفي بين طرفَي التحالف، السعودية والإمارات، إذ تسعى أبوظبي إلى السيطرة الكاملة على الجنوب من خلال المجلس الإنتقالي، وممارسة نفوذها على الشمال من خلال التوفيق بين الحوثيين وحزب المؤتمر (جناح صنعاء)، وهي تكتلات لا تعترف بالحكومة الشرعية، بينما تسعى الرياض إلى إبقاء مؤسسات الدولة الرسمية ضعيفة وتحت سيطرتها التامة.
في المقابل، أصدر حزب المؤتمر (جناح صنعاء) قراراً بتعيين أحمد علي صالح، نجل علي عبدالله صالح المقيم في أبوظبي، نائباً ثانياً لرئيس الحزب. ويحمل هذا القرار رسائل عدة أوّلها أن أحمد علي لا يعترف بوصاية الرئيس عبد ربه منصور هادي على حزب المؤتمر. ويُمكن تفسيرهذه الخطوة أيضاً بأنها رسائل وجهتها أبوظبي إلى الرياض بإمكانية إعادة التحالف بين الحوثيين والمؤتمر إذا استمرت الرياض في دعم النفوذ المتنامي للحكومة الشرعية في مناطق سيطرة حلفاء الإمارات.
عسكرياً حققت جماعة الحوثي مكاسب ميدانية منذ بداية العام الجاري مستفيدةً من الهدنة التي فرضها إتفاق استوكهولم القاضي بوقف المواجهات في محافظة الحُدَيدة. في الثامن من آذار (مارس)، وبعد معركة استمرّت شهرَين، تمكن الحوثيون من السيطرة على منطقة حجور في محافظة حجة بأقصى الشمال الغربي. وقد حشدت جماعة الحوثي قوات كبيرة لحسم المعركة، كون حجور تمتدّ إلى مثلّث حوث جنوب صعدة، وتقطع الطريق العام الذي يربطه بصنعاء، إذ لا يفصل بين حجور ومدينة حوث سوى 50 كلم فقط.
هذا الإنتصار شجّع الحوثيين للإتجاه نحو المناطق الوسطى وشنّ هجوم على محافظة الضالع التي يتقاسم الحوثيون والحكومة اليمنية النفوذ في مديرياتها التسع، حيث تخضع المديريات الجنوبية الخمس، بما في ذلك مدينة الضالع، للحكومة الشرعية، في حين تسيطر جماعة الحوثي على مديريات جبن ودمت والحشاء وأطراف من مديرية قعطبة وأجزاء كبيرة من منطقة الأزارق. أما الحكومة فتسيطر على مدينتَي الضالع وقعطبة ومديريات جحاف والشعيب والحسين. وعلى الرغم من تقدّم قوات الحكومة الشرعية من تعز شمالاً باتجاه مديرية الراهدة بمحافظة إب جنوب غرب البلاد، إلّا أن الحوثيين مُصرٌّون على التقدم في جبهة مريس وقعطبة وسط البلاد، كونهما الطريق الذي يربط إب بمحافظة الضالع. أما محافظة البيضاء فتخضع بمديرياتها الـ20 لسيطرة جماعة الحوثيين، ما عدا أربع مديريات شرقي المحافظة هي الصومعة ومسورة ونعمان وناطع. فيما تشهد مديريات الزاهر جنوبي المحافظة، والقريشية وولد ربيع شمال غربي المحافظة، وأطراف مديريتَي الملاجم ونعمان شمال شرقي المحافظة، مواجهات متقطعة بين مسلحي الحوثيين والقوات الموالية للشرعية.
وعلى النقيض من معركة حجور التي كان الهدف منها تمتين العمق الاستراتيجي لحركة الحوثي، فإن المعارك في المناطق الوسطى (إب والضالع والبيضاء) هي خطوة تكتيكية لتعزيز نفوذ الحوثيين وترسيم الحدود مع المجلس الإنتقالي الموالي لأبوظبي، بيد أن كل هذه التحركات تأتي في إطار تعزيز نفوذ جماعة الحوثي وتزيد من فرص تثبيت سلطة الأمر الواقع. وعلى الرغم من ضعف الحاضنة الشعبية للحوثيين في مناطق الضالع والبيضاء، غير أن فارق التسليح كان له الأثر الأبرز في تقدُّم الحوثيين حيث يمتلك مسلّحو الحوثي ترسانة عسكرية كبيرة مقابل مقاومات شعبية قبلية لا تمتلك ولا يُراد لها امتلاك سلاح يوازي قوة الحوثيين، وقد أدّى هذا العامل دوراً أساسياً في تقدّم الحوثيين.
غير أن تقدُّم الحوثيين في مدن الوسط والجنوب لم يأتِ نتيجة عامل القوة الذاتية للجماعة فحسب، بل ساندته عوامل إضافية تتعلق بأهداف وأجندات الرياض وأبوظبي التي تتعارض أحياناً، ونظرتهما لبعض الجبهات الموالية للحكومة الشرعية. اللافت أن التحالف لم يسمح لمقاتلين موالين للحكومة بفتح جبهات أخرى مثل جبهة قانية (عند الحدود بين محافظتَي البيضاء ومأرب) وجبهة نهم (شمال شرق العاصمة صنعاء) لتخفيف الضغط على جبهتَي البيضاء والضالع، ولم يسمح سوى ببعض المناوشات في محافظة صعدة باتجاه الحدود مع السعودية.
لم يتدخّل الطيران لوقف إمدادات الحوثيين أثناء إنسحابها من جبهتَي حجور والحديدة وإتجاهها إلى جبهات البيضاء والضالع، ولم تتمكن الحكومة اليمنية الشرعية من تقديم الدعم العسكري لتلك الجبهات مما دفع بالمدير العام لشرطة محافظة البيضاء ومدير أمن مديرية الزاهر إلى الإستقالة إحتجاجاً على ما أسمياه الخذلان غير المبرر، فضلاً عن رفض التحالف لمطالباتهما بدمج أفراد المقاومة في الجيش الوطني.
كذلك أدّى تصاعُد حدة الخلافات بين الحكومة اليمنية وأبوظبي دوراً مهماً في انتصارات الحوثيين العسكرية. يبدو أن الإمارات نظرت إلى البرلمان الجديد (الذي انعقد في حضرموت تحت حماية قوات سعودية) وإعلان التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية وتشكيل الإئتلاف الوطني الجنوبي باعتبارها خطراً على المجموعات الموالية لها بل إنها قد تُشكّل خطراً على مشروعية تدخلها في اليمن. كذلك شنّ بعض وزراء الحكومة أخيراً هجوماً على دور التحالف، حيث قال وزير الداخلية أحمد الميسري، وهو أيضاً عضو في الإئتلاف الجنوبي الجديد، في الخامس من أيار (مايو)، إن التحالف العربي هو شريك في الحرب ضد الإنقلابيين وليس شريكاً في إدارة المناطق المحررة. وقال وزير النقل صالح الجبواني، وهو أيضاً أحد أبرز قيادات الإئتلاف الجنوبي، في تغريدة على تويتر إن التحالف يرفض التصريح لزيادة الرحلات الجوية لنقل المواطنين من الهند إلى اليمن، على الرغم من أن جميع المقاعد تحجزها منظمات دولية، متسائلاً “ماذا بقي لنا يا تحالف الأشقاء؟”
ميدانيا تعكس إنتصارات الحوثيين، في نهاية المطاف، مقايضاتهم السياسية مع الرياض في ما يتعلق بالحدود مع السعودية وكذلك مع أبوظبي في ما يتعلق بالجنوب ومصير حزب المؤتمر في صنعاء وعلاقتهم مع إيران . لقد حقق الحوثيون نصراً استراتيجياً سريعاً في المناطق الوسطى والجنوبية، لكن الطبيعة المعقدة – جغرافياً ومذهبياً وقبلياً – في اليمن تخلق حالة من الشك حول قدرة الحوثيين بالحفاظ على هذا الإنتصار. ما دامت الأطراف الفاعلة مثل الرياض وأبوظبي ترغب في ابقاء اليمن في حالة صراع داخلي مستمر، فإن غالب الظن أن الصدامات ستستمر.

• عاتق جارالله باحث يمني متخصص في الدراسات المستقبلية. لمتابعته عبر تويتر: @AteqGa.
• الآراء الواردة في هذا الموضوع تمثّل آراء كاتبه وليس بالضرورة آراء “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى