من ديغول إلى بيتان ولويس الرابع عشر

بقلم راشد فايد

هل يُمكن إقناع اللبنانيين بأنَّ أرتال صهاريج المُشتقّات النفطية، وشاحنات المواد الغذائية، المدعومة بمال خزينتهم، والدول المُشفِقة على فقرهم، والمُهَرَّبة عبر الحدود، من بوابتَي حربتا في البقاع، شرقاً، والعبوديّة في عكّار، شمالاَ، لا تتمتع بتغطية لبنانية، ميليشياوية، ورسمية من دولة “العهد القوي” بعدما باتت علانيةُ الأمر درساً في الوقاحة وتحدّي مصالح لبنان، خدمةً لمصالح النظام السوري، كبيدقٍ رئيس على طاولة المُمانعة الإقليمية المزعومة؟

يقول خبراء إن عبءَ هذا التهريب يفوق سنوياً المليار دولار، فيما تخطّى أكثر من نصف اللبنانيين عتبة الفقر، ويفتك “فيروس كورونا” بـ 6 آلاف منهم يومياَ، وعملتهم في أسوأ أيامها، وما يخفيه المُقبل من الزمن  أكثر سوءاً. كل ذلك، ومثله كثير، لا يجهله ساكن القصر، ولا مستشاروه الغارقون في في تفسير الماء بالماء، والتفتيش عن البراغيت في رؤوس الصلعاء، وإنكار ما لا يُنكر، كادعاء نفض اليد من حكومة واعتباره عهده بدأ مع ولادة حكومة الرئيس حسان دياب: تلهٍ بالشكليات، وإمعان في إضاعة الوقت في ما هو هامشي، واستئناف العداء، وحتى الحقد، مع اتفاق الطائف. أما جوع اللبنانيين وأوجاعهم والكورونا، فلهم الله وتضامنهم الإنساني.

تناسى “العماد” الصدام مع النظام السوري واحتلاله، ودعا المُعاند من أجل الحرية المرحوم غازي عاد، “خرّيج” الزنازين السورية، إلى تناسي رفاقه المُعلَّقين على دواليب التعذيب في سجن تدمر الشهير، بعدما زار دمشق وصالح رأس نظامها، وبرّأه من دماء اللبنانيين وتدمير بلادهم.

يوم فرّ إلى السفارة الفرنسية، تحت جنح الظلام، وترك جنوده وحدهم يواجهون الهجوم على “قصر الشعب”، كما أسماه، ثم تسلل إلى فرنسا، حيث رفع صوته ضد “الإحتلال السوري”. توهّم اللبنانيون أنه يستلهم زعيمها الجنرال شارل ديغول، حين رفض قبول الجنرال بيتان التعاون مع النازية، ولجأ إلى لندن ليعلن حرب تحرير بلاده، وانتصرت مقاومته، وأقام “الجمهورية الخامسة” بعظمتها الإنسانية وقوتها العسكرية ورعايتها الإجتماعية، وعلو ثقافتها وفنونها. وهو رفض رئاسة الجمهورية فور نهاية الحرب، لم يدّع أنها حقٌّ له، ثم توَلّاها في العام 1959 بالإنتخاب،.على نسق الأمير اللواء فؤاد شهاب .أما “جنرالنا” فحين انتصر لبنان بدماء رفيق الحريري، في 14 شباط (فبراير) 2005، كشف شخصيته الحقيقية بصرخته في وجوه مستقبليه في مطار بيروت الدولي، أن “اسكتوا” أي أنه لا يريد أن يسمع سوى صوته، وهي حال عزّزها منذ دخل قصر بعبدا رئيساً للجمهورية، وحليفاً واضحاً لدمشق وطهران في ما يُسَمّى محور ممانعة.

هذا غيضٌ من فَيضٍ يُفيد بمدى خيبة أمل اللبنانيين كونهم اكتشفوا أن ديغولهم كان وهماَ بوهم، وأنه كان أقرب إلى بيتان منه، وأن ما لديهم ليس إلّا نسخة سيئة من لويس الرابع عشر صاحب القول الشهير “الدولة أنا” و”أنا ومن بعدي الطوفان” الذي يُنسَب إلى مدام دي بومبادور وعشيقها لويس الخامس عشر.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى