ماذا يريد السوريون؟
ماذا يريد السوريون؟ سؤال إدّعى الكثيرون في الشرق والغرب أنهم يعرفون جوابه، ولكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبيا دانيال كورستاندج أراد معرفة الجواب من السوريين أنفسهم، ولما تعذّر عليه إيجاد الجواب في داخل سوريا فقد قصد لبنان في ربيع 2015 حيث أجرى مسحاً جديداً يُظهر أي جانب من أفرقاء النزاع يدعم اللاجئون السوريون والذي يعطي صورة أكبر عن ماذا يريد السوريون.
بقلم دانيال كورستاندج*
بعد خمس سنوات على الحرب في سوريا، يركّز معظم التقارير على المدّ والجزر في القتال، وإستمرار التدخل الأجنبي في الصراع، والوحشية المُذهلة للجماعات الإسلامية المتطرفة مثل تنظيم “الدولة الإسلامية” (أو “داعش”). وبصرف النظر عن قصة المأساة الإنسانية التي تُروى بين الحين والآخر عن محنة اللاجئين، مع ذلك، فقد ضاع السوريون العاديون بشكل كبير في لعبة المراوغة وخلط الأوراق.
لكن ما يفكر الناس العاديون عن الحرب، ورأيهم بالجماعات التي تدّعي المُحاربة نيابةً عنهم، هما من الأمور التي تُعتبر من الفوائد المباشرة لواضعي السياسات، والمنظمات الإنسانية، ومفاوضي السلام. إن الدعم الشعبي يضمن حصول الفصائل على المقاتلين، والموارد المادية، والمعلومات، والملجأ. ومع ذلك من الصعب القول ما هو الشيء الذي يريده الناس فعلاً. وبفضل عقود من الديكتاتورية وخمس سنوات من الحرب، فإن الرأي العام السوري بقي مجهولاً.
أمام الصحافيين والخبراء الآن فرصة غير مسبوقة للوصول إلى آراء السوريين في السياسة، ولكن هناك شرطاً مهماً. سواء بسبب المخاوف الأمنية البدنية، والتعاطف الشخصي، أو ببساطة الوصول، فقد إنجذب العديد من الذين أجريتُ معهم المقابلات إلى خط المعارضة الرئيسية — وغالباً إلى أعضائها الأكثر كلاماً وخطابة وفصاحة. ونتيجة لذلك، فإن المراقبين ستكون لديهم تغطية أفضل بالإعتماد على وجهات نظر هؤلاء أكثر مما سيكون عليه الأمر لو أنهم إعتمدوا على آراء السوريين الذين يدعمون الحكومة أو أحد الفصائل الجهادية المتشددة.
الواقع أن الحديث مع جزء واحد فقط من الجسم السياسي السوري، مهما كانت وجهات نظره مقبولة، لن يُقرّب كثيراً أو يُمكِّن من فهم الجسم كله. إن جمع بيانات مُنتظمة عن الرأي العام السوري، بطبيعة الحال، أمر صعب، وإن لم يكن كذلك لكان جرى فعلياً. في دراسة إستطلاعية حديثة أجريتها مع 2000 لاجئ سوري في لبنان حاولتُ ملء جزء صغير من هذه الفجوة الهائلة. وعلى الرغم من أنهم لا يستطيعون التحدث بإسم جميع السوريين، لكن يمكنهم أن يضيئوا بعض البقع العمياء.
تُثبت النتائج بعض الروايات الأساسية التي نرويها بأنفسنا عن الحرب الأهلية السورية، لكنها تشير أيضاً إلى أننا بحاجة إلى إعادة النظر في أشياء كنا نظن أننا كنا نعرفها. فهي تُظهر أن غالبية اللاجئين تدعم المتمردين، إلا أن أقلية كبيرة تتعاطف مع الحكومة. كما أن الفقر والدين على حد سواء هما عاملان أساسيان في دعم أي فريق، ولكن الدين ليس مُقسِّماً مثلما يوحي خطاب الجماعات المسلحة. والمعارضة مُنقسمة بالفعل بين القوميين (الوطنيين) والإسلاميين، ولكن المُقاتلين الأجانب لا يشكلون إختياراً لأي واحد من الفريقين. وبعيداً من الصورة النمطية للشباب المتعطشين والعازمين على فرض الشريعة الإسلامية، فإن قاعدة الدعم للإسلاميين تتركّز بين كبار السن من الرجال الذين فضّوا الإشتباك أو تقاعدوا سياسياً وليسوا أكثر تديُّناً من نظرائهم.
عيّنات من السوريين
تسبّبت الحرب الأهلية السورية بنزوح جماعي للسكان منذ بدء القتال في العام 2011. وتفيد التقديرات بأن عدد الوفيات يتراوح بين ربع إلى نصف مليون شخص – توقفت الأمم المتحدة عن تعداد الوفيات في العام 2014– وأكثر من نصف سكان البلاد قد شُرِّدوا في داخل وخارج البلاد. وتجعل الكارثة الإنسانية الهائلة من المستحيل جمع عيّنة تمثيلية حقيقية للشعب السوري بأكمله. ونتيجة لذلك، فإن التركيز هنا هو على هدف أكثر تواضعاً: 1.5 مليون نازح سوري في لبنان المجاور، الذي يستضيف من السوريين بالنسبة إلى الفرد الواحد أكثر من أي بلد آخر في العالم، وحيث واحد من كل أربعة من السكان هو لاجئ.
إن إيجاد عيّنة تمثيلية من السوريين في لبنان يشكل تحدياً لأن حوالي الثلثين منهم فقط قد سجّلوا أسماءهم لدى مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. لكن اللاجئين يتكتّلون معاً — جزئياً لأسباب عائلية، وجزئياً بسبب تكاليف السكن – لذا فإن أساليب أخذ عيّنات مناطقية تساعدنا على تحديد الأسر بغض النظر عن الوضعية الرسمية. كان عملنا مع المعلومات الدولية في بيروت حيث إستخدمنا بيانات مفوضية الأمم المتحدة لعيّنة في مناطق كثيفة باللاجئين وبأنماط سير عشوائية لتحديد الأسر في تلك المناطق من أجل مقابلة 2000 شخص من البالغين السوريين في أواخر ربيع 2015.
أسفرت هذه الإجراءات عن عيّنة تمثيلية معقولة من النازحين السوريين، ولكنها ليست مثالية. إن القيود الأمنية، على سبيل المثال، منعتنا من الوصول إلى بلدة عرسال الحدودية. وقد شملت العيّنة 40٪ من النساء فقط لأن حوالي عشرة في المئة من الأسر رفضت السماح لنسائها بالمشاركة؛ وكانت البدائل من الرجال الذين كانوا أكبر سناً وأقل تعليماً، ولكن المثير للدهشة بأنهم على خلاف ذلك لم يكونوا مختلفين كثيراً عن المشاركين الآخرين. وأخيراً، من خلال بناء المعلومات من بيانات المفوضية الدولية، فنحن بالتأكيد تقريباً لم نستطع تمثيل الناس الذين هم من أصحاب الثروة. إن غالبية السوريين المعوزين من الصعب تحديدها، والسوريون الأغنياء لا يحتاجون إلى مساعدات المفوضية ولا يعيشون في المناطق ذات الدخل المنخفض حيث يتركّز اللاجئون.
قياس الدعم
لكن من يدعم اللاجئون في الحرب الأهلية الدائرة؟ هذا سؤال ليس من السهل الإجابة عنه. ربما يمكننا الاتفاق على ما نعنيه عندما نقول “الحكومة”. ولكن عندما نقول “المعارضة” – حسناً، من هي هذه؟ هل تنظيم “الدولة الإسلامية” جزء من المعارضة أم لا؟ أين يقع الأكراد في هذه المعادلة؟ إن سؤال الناس حول من يؤيدون الحكومة أو المعارضة غامض جداً في الصراع الذي لم يعد حرباً أهلية ذات وجهين، لكنه أيضاً ليس واضحاً للحصول على الأجوبة الصحيحة عن الفصائل والكتائب المتمردة المتغيرة بإستمرار.
لتحقيق توازن بين الكثير من المعلومات والقليل جداً منها، طلبنا من السكان وضع ترتيب لأول ثلاثة خيارات يريدونها بين الجيش السوري الحر، والجماعات السورية الاسلامية، والجماعات الاسلامية الأجنبية، والحكومة السورية، والجماعات الكردية، و”حزب الله”. ولم يستخدم الجميع كل هذه الخيارات، ولكن رفضهم تقديم الدعم عندما أُعطِي لهم الخيار للقيام بذلك هو في حد ذاته مفيد. وقد ساعدنا النظام التراتبي للخيار على إلتقاط ومعرفة ليس فقط الإنشقاق الأساسي للمعارضة والحكومة، ولكن أيضاً بعض الوضوح في خيارات الناس، وخصوصاً بين أنصار المعارضة.
أقل قليلاً من عشرة في المئة من اللاجئين لم يكن لديهم فريق مفضل على الإطلاق؛ ومما لا يثير الدهشة، إن الناس الذين كانوا غير مهتمين بالسياسة لم يكن لديهم الكثير للقول حول الفصائل. ثانياً، أعرب نحو 40 في المئة تعاطفهم مع الحكومة — ربما كان العدد أكبر مما يود الكثيرون في الغرب إعتقاده، ولكنه أصغر مما يدعي النظام أو داعموه الأجانب.
ما تبقى من العيّنة — ما يزيد قليلاً على ال50 في المئة — إختاروا فصيل المعارضة. لقد ردد الناس على نحو ثابت تقريباً بأن الجيش السوري الحر هو خيارهم الأول للتعبير عن دعم عام للمتمردين، ومن ثم إستخدموا بعد ذلك خياريهما الثاني والثالث للتعبير عن التعاطف مع الفصائل الإسلامية المحلية والأجنبية. أقل قليلاً من نصف هؤلاء دعموا الجيش السوري الحر في المعارضة ولكن ليس الإسلاميين. ونحن ندعو أو نسمي هؤلاء الناس “القوميين” أو “الوطنيين” في غياب تسمية أفضل. وفي الوقت نفسه، تقريباً إختار جميع أنصار الجماعات الإسلامية الفصائل السورية كخيارهم الثاني، وأحياناً فقط إختاروا الفصائل الخارجية كخيار أخير.
بأخذها مجتمعة، فإن بيانات المسح تشير إلى أن ما يزيد قليلاً على 50 في المئة من اللاجئين يدعمون المعارضة، وأقل قليلاً من 40 في المئة يتعاطفون مع الحكومة. ولكن مَن يدعم مَن؟ جاء المراقبون بعدد من الروايات: الأقليات والعلمانيون يصطفون مع الحكومة، والفقراء والملتزمون دينياً يدعمون المعارضة. هناك بعض الحقيقة في هذه الروايات ولكن أيضاً هناك الكثير منها الذي يحتاج إلى تحديث.
واحد من الإدعاءات الأكثر شيوعاً للحرب الأهلية هو أن هناك ديكتاتورية تهيمن عليها أقلية تحرّض ضد الغالبية العظمى من السكان العرب السنّة. هذا السرد هو دقيق إلى حد ما، ولكنه أيضاً مُضلِّل. لا توجد أرقام دقيقة عن التركيبة الطائفية والعرقية في سوريا، ولكن التقديرات السائدة تضع نسبة عدد السكان العرب السنة حوالي 70 في المئة من المجموع، والباقي يتألف من الأكراد والأقليات المُسلمة مثل العلويين والدروز، ومجموعة متنوعة من الطوائف المسيحية.
النازحون السوريون في لبنان يأتون على نحو غير متناسب من مجتمع الغالبية: ما يقل قليلاً عن 90 في المئة من العيّنة هم من العرب السنة. وفي الوقت نفسه، تقريباً جميع الأقليات التي تؤيد أي جانب إختارت الحكومة. هناك أقلية واحدة فقط في العيّنة – ليس واحد في المئة، شخص واحد – وقفت مع المعارضة. هذا التفصيل يعطي مصداقية لطروحات الطائفية للحرب. ومع ذلك، فإن الأمر يستحق أن نحافظ على صواب المشهد.
تصل نسبة المتعاطفين مع الحكومة الى 40 في المئة من العيّنة، ولكن الأقليات تضيف ما يصل إلى أكثر بقليل من عشرة في المئة. الفرق بين هذه الأرقام؟ الموالون من العرب السنة. صحيح أن العرب السنة يؤيدون بنسبة 2 إلى 1 لصالح المعارضة. ومع ذلك، فمن الصحيح أيضاً أنهم مع ذلك يشكلون 75 في المئة من قاعدة الدعم للحكومة. لذا هل الحرب الأهلية هي طائفية؟ البيانات هي متناقضة، مع إثنين يقولان نعم مقابل واحد يقول لا. معظم اللاجئين هم من العرب السنة، وغالبية الأقليات تصطف مع الحكومة، ولكن مجتمع الغالبية نفسه منقسم بين الحكومة والمعارضة.
حماس ديني؟
يركّز تفسيرٌ آخر للصراع على الإدعاءات الدينية للأطراف المتحاربة. في هذه الرواية، يحاول المُتعَصِّبون – بعضهم من الخارج، وبعضهم محلي — فرض شكل متزمّت من الشريعة الإسلامية على المجتمع. وتقوم بالتحريض ضدهم القوات المُحاصَرة من التيار الرئيسي للمعارضة، فضلاً عن تلك التابعة للحكومة التي، على الرغم من أنها لا تحترم الحقوق المدنية بأي حال، على الأقل تواجه صامدة التطرف الديني.
هناك على الأقل ذرة من الحقيقة في هذا السرد، لكن هذه الرواية للأحداث هي أيضاً خادعة. مثل أقرانهم في المجتمعات العربية الأخرى، فإن اللاجئين السوريين يُعبِّرون عن قدر كبير من التديّن الشخصي. ويدّعي أكثر من ثلاثة أرباعهم بأنهم يؤدون الصلاة يومياً، وقال نصفهم بأنهم يقرأون القرآن أو الإنجيل مرة في الأسبوع على الأقل. مع ذلك فإن الإدعاءات القائلة بأن الدين يلعب دوراً في الحياة العامة ليست مرتفعة في المقابل. فقط حوالي ثلث اللاجئين وافقوا بأن الدين هو إلى حدٍّ ما مهم في الشؤون الإقتصادية أو السياسية.
مع ذلك، هناك إختلافات مهمة بين أنصار المعارضة والحكومة. حوالي 60 في المئة من أنصار المعارضة، ولكن حوالي 40 في المئة فقط من أنصار النظام، متديِّنون شخصياً ويتبعون أقوال القرآن أو الإنجيل. أكثر بشكل صارخ، يرى أنصار المعارضة بمعدل ضعفٍ أكثر من نظرائهم أنصار الحكومة – حوالي 50 مقابل 25 في المئة — دوراً مهماً للدين في السياسة. وليس هذا إختلافاً طائفياً يتنكر في شكل حكومة ضد معارضة. في الواقع، إن الأقليات هي أقل دينية أو تديناً؛ لكن الموالين للحكومة من العرب السنة يتشابهون مع حلفائهم من الأقليات أكثر من إخوانهم في الدين في المعارضة.
لكن، ما هو نوع الخلافات داخل المعارضة؟ من المؤكد أن الإسلاميين هم أكثر تديناً من القوميين (الوطنيين) ومؤيدي الجماعات الإسلامية الأجنبية هم الأكثر تديناً من الجميع؟ في كلمة واحدة: لا. ليس هناك فرق ملحوظ بين فصائل المعارضة – بالكاد أي شيء على مستوى التقوى الشخصي وفقط تمييز متواضع بين الإسلاميين المحليين والبقية. بعبارة أخرى، إن أنصار القوميين (الوطنيين) ليسوا علمانيين أكثر من نظرائهم الإسلاميين الذين، بدورهم، هم أقل إصراراً على أسلمة المجتمع العام مما يدفعنا خطاب الفصائل المسلحة إلى الإعتقاد.
الإقتصاد؟
كان الفقر والفساد من المظالم والشكاوى الأصلية للإنتفاضة السورية، لكنهما غابا إلى حد كبير عن الروايات التي تصل إلى الجمهور الغربي. إن الحرمان المادي يأخذ العديد من الأشكال، بما في ذلك تلك الواضحة منها مثل هبوط دخل الأسرة والتأثيرات الآتية من ذلك مثل تدهور الصحة والتغذية. في هذا الإطار، الأسئلة حول الدخل من غير المرجح أن تُخبرنا كثيرًا لأن الكثيرين من الناس لم يعد لديهم دخل منتظم. بدلاً من ذلك، يمكننا دراسة الإزدحام في أماكن مساكن الأسرة: عدد أفراد الأسرة في غرفة النوم الواحدة.
تُظهر المُقارنة بين معدل الإزدحام في الأسرة النموذجية في سوريا قبل الحرب والمساكن الحالية في لبنان أن مستويات المعيشة قد إنخفضت بشكل حاد في جميع المجالات. ثلاثة أرباع اللاجئين يعيشون في مساكن فقيرة الآن أكثر فقراً مما كانوا عليه قبل الحرب، مع إرتفاع نسبة الإزدحام في أماكن الإقامة بأكثر من 50 في المئة بالنسبة إلى الأسرة المتوسطة. ثانياً، إن ذلك يدل على أن أنصار المعارضة هم أكثر فقراً من المتعاطفين مع الحكومة. لقد تدهورت الأسرة النموذجية الموالية للحكومة إلى شخصين في غرفة النوم الواحدة من القاعدة قبل الحرب التي كانت واحداً ونصفاً، في حين أن الأسرة المعارضة المتوسطة تحشر الآن ثلاثة أشخاص في غرفة النوم الواحدة مقارنة مع إثنين قبل الحرب.
الفروق في الرفاه المادي تظهر في أصول الناس من رأس المال البشري أيضاً. أكثر من نصف العيّنة لم يدرسوا أكثر من التعليم الإبتدائي، وواحد فقط من كل خمسة لاجئين أكمل المدرسة الثانوية. وإستناداً إلى بيانات من مشروع “البارومتر العربي”، هذه المعدلات للتحصيل العلمي هي على قدم المساواة مع المغرب واليمن، المتأخرين في هذا المجال في المنطقة، ولكنها تتفق مع المستويات المنخفضة من التعليم الذي كان سائداً على نطاق واسع في سوريا قبل الانتفاضة. ولكن هناك إختلافات حادة بين المعارضة والحكومة في العينة التي تعكس معدلات الإزدحام، مع ما يقرب من ضعف مؤيدي الحكومة من المرجح أن يحصلوا على التعليم الثانوي أكثر من مؤيدي المعارضة.
بإختصار، إن أنصار المعارضة هم أكثر فقراً بشكل ملحوظ، وأسوأ تعليماً، من المتعاطفين مع الحكومة. وهذا يتوافق مع ما نعرفه بالفعل، لذلك لا مفاجآت هنا. ولكن البيانات لا تستغني عن بعض التمني للمعارضة. واحد من إدعاءاتنا القديمة بشأن الإرهاب هو أنه ولد من الفقر والجهل. رغم ذلك هناك فروق دقيقة، إن العديد من المقاتلين الأجانب يتدفقون إلى سوريا بالتأكيد تصحّ تسميتهم بالإرهابيين، ولكن لا يرقى المتعاطفون معهم إلى مستوى توقعاتنا. كما هو الحال مع التدين، في الواقع لا يوجد فرق بين فصائل المعارضة بالنسبة إلى الرفاه المادي أو التعليم. قد يكون أنصار الإسلاميين الخارجيين فقراء وغير متعلمين، ولكنهم ليسوا أسوأ حالاً، وليسوا أقل تعليماً، من نظرائهم القوميين (الوطنيين).
مَن يكون مَن؟
في نظرة أوسع للمسح، تؤكد البيانات بعض ما كنا نظن أننا نعرفه عن إنهيار الفصائل في الحرب الأهلية: تميل الأقليات والعلمانيون نسبياً إلى تأييد الحكومة، في حين أن الفقراء والأقل تعليماً يقفون إلى جانب المعارضة. مع ذلك بعض الفروق الأساسية التي يمكننا أن نتوقع رؤيتها بين فصائل المعارضة المختلفة لم تتحقق: القوميون ليسوا أقل تديّناً من الإسلاميين، وقاعدة المقاتلين الأجانب ليست الأكثر فقراً أو من غير المتعلمين أكثر من أي فريق آخر. ولكن هناك إختلافات في قواعد دعم المعارضة – بعضها عادياَ، ولكن بعضها مثير للإهتمام الى حد بعيد.
الفرق الأول هو ديموغرافي. إن هياكل الأجيال والجنس تختلف بين الفصائل. على الرغم من صور الشباب والشابات الذين إحتجوا معاً في البداية ضد الديكتاتورية، فإن الدعم الحكومي كان ثابتاً في الأساس عبر الأفواج العمرية والشيء نفسه بين الرجال والنساء. وعلى الرغم من أن النمط عينه ينطبق على الإسلاميين المحليين، فإنه يختلف بين القوميين (الوطنيين) والإسلاميين الأجانب الذين يعكسون صورة طبق الأصل عن بعضهما البعض. يتركّز دعم القوميين (الوطنيين) بين الشباب، في حين يميل كبار السن من السوريين إلى الإسلاميين. وعلى الرغم من أن الرجال يدعمون الفصيلين بنسبة مماثلة تقريباً فقد إنقسمت النساء في إتجاهات بديهية: فقد ملن نحو القوميين وبعيداً من الإسلاميين الأجانب، الذين لديهم وجهات نظر حول حقوق المرأة هي حتى الآن الأكثر رجعية.
والأهم من الإختلافات الديموغرافية الخام، مع ذلك، هي الإختلافات في المشاركة – هل يهتم الناس بالشؤون العامة أم لا؟ هناك طرق عدة لقياس المشاركة، بما في ذلك الإهتمام والفهم والمعرفة عن السياسة. تروي كل رواية القصة الأساسية ذاتها: أنصار القوميين (الوطنيين) هم الأكثر مشاركة سياسياً في قضية اللاجئين — نحو 50 في المئة أكثر من أقرانهم الموالين للحكومة وأربعة أضعاف أكثر من المتعاطفين مع الإسلاميين الأجانب، الذين يأتون في الأخير.
وماذا بعد؟
هذا المسح – لقطة أو صورة سريعة في ذلك الوقت، واحد يتضمن فقط السوريين في لبنان – يظهر دعماً شعبياً للحكومة أكثر مما ترغب المعارضة لنا أن نعتقد، ولكنه يُظهر أيضاً دعماً للمعارضة أكثر مما ترغب الحكومة بالإعتراف. مع ذلك ، فإن الأرقام الدقيقة هي أقل أهمية من الطرح الأساسي: السوريون منقسمون في ولائهم، وهذه الانقسامات هي مفهومة.
هناك بعض الحقيقة في كثير من الروايات الموجودة حول النزاع، لكنها حتماً مبسّطة بشكل كبير. الأقليات والناس الذين يفضلون دوراً خاصاً أكثر للدين يميلون إلى التعاطف مع الحكومة، التي ربما أثمرت جهودها في تصوير المعارضة كجماعات من المتعصبين الدينيين الخطيرين في حشد قاعدة دعمها. ومع ذلك، فإن الدعم للحكومة لا يعني دعم إنتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان أو ديكتاتوريتها؛ وكما إقترح البعض، قد يكون أكثر دقة وصف الكثير من هؤلاء بأنهم معادون للثورة بدلاً من موالين للحكومة.
من جهتهم يتوافق ويتكيّف أنصار المعارضة مع بعض الحِكَم التقليدية، ولكن ليس غيرها. إنهم الأكثر فقراً والأكثر تديّناً من نظرائهم مؤيدي الحكومة، لكنهم لا يبدو أنهم يطالبون بدولة دينية. الواقع أن المقاتلين الأجانب الأكثر إصراراً على إقامة دولة إسلامية في سوريا ليسوا خياراً أول لأحد، ولا حتى الخيار الثاني.
ومن المفارقات، أن قاعدة دعمهم الفاترة تميل بشدة نحو كبار السن من الرجال الذين هم ليسوا أكثر تديناً من نظرائهم، ولكنهم غير مهتمين كثيراً بالسياسة. في المقابل، فإن المعارضة القومية (الوطنية)، على جميع عيوبها، لا تزال تجذب تعاطف الشباب ونشطاء المجتمع المدني منذ الأيام الأولى للانتفاضة. يمكن للمرء أن يأمل أنه بمجرد توقف إطلاق النار، يمكن لهذه المجموعة إحتواء نواة المجتمع المدني الجديد التي يمكن أن تساعد سوريا على أن تتصالح مع نفسها.
• دانيال كورستاندج هو زميل باحث في معهد هوفر وأستاذ مساعد في جامعة كولومبيا.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.