“طِلِع بيِخجَل”!

راشد فايد*

لم يكن الوزير السابق، والنائب الحالي، والصهر الدائم، جبران باسيل، مُضطَرّاً إلى  معاندة الواقع والوقائع بنفي ما لا يُنفى، حين انبرى لتكذيب حقيقة الإحتلال الإيراني في البلاد، وزعم استعداد “التيار الوطني الحر” بقيادته، للمواجهة “إذا كان هناك احتلالٌ إيراني”، حسب قوله، مُدَّعياً لتياره مواجهة الإحتلال الإسرائيلي والوصاية السورية، وهو في الأولى كان مُنعَدِم الوجود، بينما تحقّقت الثانية بدماء الشهداء من رفيق الحريري إلى محمد شطح، ما يُصنّف زعمه في خانة الإفتراء على التاريخ، وتزويره.

ففي كلمته في إجتماع تكتله النيابي الدوري الأخير، “تبرّع” الداماد (تسمية صهر السلطان العثماني)، بمنح طهران وحليفها “حزب الله” براءة ذمة، من وضع أيديهما على البلاد وما يتسبّبان به من تدمير للدولة اللبنانية، وهدمٍ لمؤسّساتها، وإفقارٍ لشعبها. والمفارقة أن ذلك جاء بعد أسبوعٍ، أو أقل، من رفعِ جماعاتٍ سيادية لوحة في ذكرى الإستقلال، عند نهر الكلب، تُعلن “جلاء الإحتلال الايراني عن لبنان”، متفرداً بالرد بما لم يلجأ إليه لا الحزب ولا الإعلام المرتبط به وبطهران.

قد يكون الداماد تنبّه إلى أن بعض قواعد تياره لم تستسغ تبرّعه بغسل أيدي طهران من تفكيك الدولة اللبنانية، ومنحها براءة ذمة من رهن لبنان لتطورات أحداث المنطقة، واستجرار الفرقة بينه وبين الدول العربية واستعداءها عليه، بفضل أدوارالحزب في الحرب الدموية في سوريا واليمن، كما لبنان، وفخره بغزوة بيروت والجبل في 7 أيار/مايو 2008، واستعراضات القمصان السود في كل حين.

هذا التنبّه، أو الفطنة، ربما أوصلا خجل التيار مما قاله الداماد إلى رفع فقرة النص الإيراني من كلمته على موقع “الفايسبوك”، بما يحمله ذلك من استخفاف بجمهوره، واعتماده على ضعف ذاكرته، خصوصاً أن جدول أعمال اجتماع التكتل النيابي المذكور لم يطرح النقاش في الدور الإيراني في لبنان، ما أظهر الداماد مُكَلَّفاً (مِمَن) بإصدار براءة ذمّة لإيران مما يتخبّط به لبنان.

ربما لم يسمع الداماد يوماً تكرار الأمين العام ل”حزب الله”، السيد حسن نصرالله، أن ماله وسلاحه وقوته تأتي من طهران، ولم يسأل مقابل ماذا هذا “الحنان” الإيراني المُسَلَّح، ولم يتساءل عمّن كلّف الحزب بالقتال في بلاد العرب ضد شعوبهم، ولشقّ صفوفهم خدمة لمورد رزقه الأساسي، ولماذا تجاهل كل دعم أتى إلى لبنان من دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ليحمل عليها بلا هوادة، وكأنه يستفزّ قياداتها ليوصل اللبنانيين إلى الإنفصال عن محيطهم العربي الواسع؟

ربما الداماد مقتنع بأن شريكه الأمين العام لم يعد يريد لبنان جُزءاً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبأنه لا يفصل “البيئة الحاضنة” عن اللبنانيين الآخرين سواء بالمحاكم القضائية أو بالمخافر الحزبية، والحواجز الأمنية، وشبكات الهاتف الخاصة.

ربما يجب تذكير الداماد بقول شريكه في “تفاهم 6 شباط” أنه لا يعترف بالدولة اللبنانية، و”عليكم أن تبنوا دولتكم لنُحدّد موقفنا منها”. ولا بدّ أن يسأل نفسه هل كان للحزب أن يشهر سلاحه في وجه الداخل، و إلى هذا الحدّ، لولا ارتباطه بإيران ومخططها للهيمنة على جُزءٍ من العالم العربي، وانتظارها الوقت المناسب لطرح “ورقة” لبنان على طاولة التفاوض مع واشنطن، وما يفعله حزبها في الأزمة اللبنانية ليس سوى تمديد الوقت للوصول إلى الظرف المناسب للمساومة على لبنان وغيره.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى