هل يخوضُ سعد الحريري الإنتخاباتِ التشريعيّة؟

قد لا يترشّح سعد الحريري في الانتخابات اللبنانية المقبلة، لكن شطبه من المعادلة السياسية قد يكون تسرّعًا.

بهاء الحريري: الإمارات والسعودية تؤيده، فهل يحل مكان أخيه؟

مايكل يونغ*

إنتشرت شائعات في الآونة الأخيرة بأن رئيس الوزراء السابق سعد الحريري قد يختار عدم خوض الانتخابات النيابية في العام المقبل، إذا تمّ إجراؤها. وبينما تُشير تقارير صحافية إلى أن الحريري لم يتّخذ قرارًا نهائيًا بعد في هذا الشأن، فإن كل شيء حول مساره السياسي أخيرًا يجعل هذه النتيجة مُمكنة للغاية.

ليس من الصعب تخمين الأسباب الرئيسة. لقد فَقدَ الحريري ركيزتين من الركائز الراسخة للسلطة السياسية لعائلته في السنوات الأخيرة – المال والدعم السعودي. الأوّل نتج عن الإدارة الكارثية والإفلاس النهائي لشركة سعودي أوجيه التي أسّسها والده رفيق الحريري، التي كان سعد يملكها؛ والثاني كان نتيجة علاقة الحريري المشحونة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتصوّر السعودي بأن الحريري لم يواجه بقوّة كافية “حزب الله”. كانت محاولة الحريري الأخيرة لإظهار أهميته ومكانته السياسية هي جهوده التي استمرّت لأشهرٍ لتشكيل حكومة، والتي انتهت بالفشل.

يقضي الحريري هذه الأيام معظم وقته في أبو ظبي. القصة هي أن الإمارات العربية المتحدة طلبت منه الانسحاب من السياسة والتركيز بدلاً من ذلك على تحسين شؤونه المالية. وأشار البعض إلى أن الإمارات أكثر حرصًا على دعم شقيق سعد الأكبر بهاء، الذي أصبح أكثر نشاطًا في لبنان أخيرًا.

بينما الاتجاه اليوم هو افتراض أن سعد الحريري قد انتهى سياسيًا، فمن الأفضل عدم التسرّع. إذا كان ميشال عون وسمير جعجع نجيا من تدميرهما المخلص للمجتمع المسيحي اللبناني في العام 1990، وما زال أتباعهما والآخرون يُرَحّبوا بهما كأبطال مجتمعهما، فهذا يدل على أن اللبنانيين على استعداد لإحياء أي شخص عندما تكون الظروف مناسبة.

ومع ذلك، فمن المؤكد أن الحريري يقف عند مفترق طرق في رحلته السياسية، ومن دون ابتكار طريقةٍ واضحةٍ للخروج من ورطته فقد يصبح لا لزوم له. هنا ينبغي تذكّر ما قاله رجل الدين السني أحمد الأسير عندما غادر الحريري لبنان بعد أن أسقط “حزب الله” وحلفاؤه حكومته في كانون الثاني (يناير) 2011. لقد انتقد الأسير الحريري قائلاً إنه لا يجب على أي زعيم أن يتخلّى عن أنصاره في خضم معركة. لا بد أن التعليق كان مؤلمًا، لكن الحقيقة هي أن غياب الحريري عن لبنان بين العامين 2011 و2016 كان كارثيًا على حياته السياسية، لأنه أظهر أن البلاد يُمكن أن تعمل، جيدًا أو سيئًا، بدونه.

نصف السياسة تدور حول أن تكون حيث تحدث الأشياء، أو منع الأشياء من الحدوث عندما لا يكون المرء هناك. حاول الحريري أن يصنع الأشياء في العام 2016 عندما اعتقد أن بإمكانه إبرام صفقة كبيرة مع ميشال عون و”حزب الله”؛ حيث يقوم بدعم محاولة عون للرئاسة، ويتّخذ موقفاً مرنًا من “حزب الله”، وبصفته رئيسًا للوزراء يُعيد بناء شبكات المحسوبية مع شركاء جدد. كان هذا خطأ فادحًا حيث ارتكب الحريري ثلاثة أخطاء: نفّر حلفاءه، الذين كانوا قلقين من انفتاحه على عون وصهره جبران باسيل؛ وقوّض مصداقيته مع أنصاره، الذين شعروا أن عودته كانت مدفوعة أساسًا بالرغبة في عكس نكساته المالية؛ وأظهر لعون و”حزب الله” أنه بحاجة إليهما ليكونا في السلطة، وهو الأمر الذي استغلّاه مرارًا وتكرارًا للضغط عليه.

منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2019، عندما استقال الحريري من منصب رئيس الوزراء وسط الاحتجاجات الشعبية، كان تركيزه على البقاء السياسي. في ذلك الوقت، كان يعتقد أنه بعد تنحّيه سيكون قادرًا على تشكيل حكومة جديدة وفقًا لشروطه. وقد نسفت “القوات اللبنانية” هذه الخطة، وأعلنت أنها لن تؤيد الحريري مرة أخرى لمنصب رئيس الوزراء. إعتبر الأمر على نطاق واسع أنها رسالة وإهانة سعودية غير مباشرة للحريري، نظرًا إلى العلاقة الوثيقة بين “القوات اللبنانية” والقيادة في الرياض.

حاول الحريري مرة ثانية، ابتداء من تشرين الأول (أكتوبر) 2020، بعد أن فشل مصطفى أديب في تشكيل حكومة في إطار المبادرة الفرنسية. كان رهانه على أن “حزب الله” سيوافق على شراكة سنية-شيعية معه كأساسٍ لإجماعٍ جديد. وشعر أن هذا سيُضيِّق هامش مناورة عون وباسيل ويسمح له تشكيل حكومة يتعيّن على الرئيس وصهره قبول ما يتفق عليه الحريري و”حزب الله” في ما بينهما. لكنه أخطأ في تقديره بتخيّله أن “حزب الله” سيُعطيه الأسبقية على عون. بالنسبة إلى “حزب الله”، الإختيار بين السنّة والمسيحيين ليس لعبة محصلتها صفر.

رفض عون تقديم تنازلات، كان من شأنها أن تجعل الحريري يحصل على قدر من الموافقة السعودية، كان إيذانا بالنهاية. إذا لم يكن الاتفاق ممكناً بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المُكَلَّف، فعندئذ صار من الممكن الاستغناء عن الحريري. ولما لم تعد  لديه خيارات أخرى لم يكن أمامه سوى الموافقة على نجيب ميقاتي كرئيس للوزراء – حتى لو كان ذلك فقط للاحتفاظ بالمصداقية مع الفرنسيين، حيث كان يزعم أنه يحاول المضي قدمًا في خطتهم. كانت تلك بداية خسوفه. وكان إغلاق صحيفة الدايلي ستار، بغض النظر عما إذا كانت مرتبطة بثروات سعد السياسية أم لا، رمزيًا. من خلال التوقّف عن إصدار مطبوعة يمكن أن تنقل وجهة نظر رئيس الوزراء السابق إلى الجماهير الغربية، وبخاصة السفارات الأجنبية في بيروت، بدا أنه يعترف بأنه لم تعد هناك حاجة إلى القيام بذلك.

قد يبتهج ويفرح أعداء الحريري السياسيون، ولا سيما عون وباسيل. ومع ذلك، يجدر بنا أن نتذكّر أنه في عملية التوازن الدائم في النظام الطائفي اللبناني، فإن قتل الخصوم سياسيًا نادرًا ما يكون أمرًا ذكيًا. عدو اليوم هو دائمًا حليف الغد المُحتَمل. هل حقًّا يفيد رئيس الجمهورية وصهره أن يتركا أنفسهما بلا نظراء أقوياء في التعامل مع “حزب الله”؟ هل يعتقد كلا الرجلين بجدية أن المسيحيين وحدهم، من دون مساعدة السنّة، يمكنهم معارضة الحزب بشكل فعّال إذا كانت مصالحه أو خياراته العليا تتعارض مع مصالحهم أو خياراتهم؟

قد يقرر سعد الحريري خوض الإنتخابات، على الرغم من أن الاحتمال القوي أن لا تجري وهو بالتأكيد أمر أخذه في الاعتبار في قراره. وبغض النظر عن الطريقة التي يميل إليها الحريري، فمن الواضح أنه يستعد للبقاء فترة طويلة في البرية السياسية. قد لا يكون لبنان هو الأسوأ في ذلك، ولكن ليس من المطمئن أن يشعر السنّة بأن قادتهم وحدهم هم الذين يتم إقصاؤهم من المشهد السياسي.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى