الإنسحاب الأميركي من أفغانستان قد يعود بالفائدة على الأردن!

بعد ظهور الصور المُقلقة من مطار كابول يُرجح الخبراء أن يعطي الرئيس جو بايدن أولوية للاستقرار في العلاقات مع الملك عبدالله الثاني على الرغم من الهواجس المُتعلقة بحقوق الإنسان.

الوزير أنطوني بلينكن: الولايات المتحدة سوف تحرص على “محاسبة مُنتَهِكي حقوق الإنسان”.

آرون ماجد*

قبل أسابيع فقط من سقوط كابول، تحدّث العاهل الأردني الملك عبدالله عن السياسات الأميركية تجاه أفغانستان في مقابلة مع قناة “سي أن أن” قائلًا: “نظراً إلى الثقافة السائدة هناك، وإلى نزيف الامبراطوريات في ذلك البلد طوال قرون، ربما كانت محاولة فرض الديموقراطية الغربية في وقتٍ قصير جداً… مهمّةً عسيرة”. تقليل الملك عبدالله من أهمية الديموقراطية الأفغانية مُعتبراً أنها غير مناسبة لثقافة البلاد لا يختلف كثيراً عن عدم استعداده للتخفيف من قبضته على السلطة طوال 22 عاماً من الحكم. لعلّ الرؤساء الأميركيين لم يُعيروا آذاناً صاغية لنصائح العاهل الأردني بشأن أفغانستان خلال العقدَين المنصرمين، لكن يبدو أن المسؤولين في إدارة بايدن الذين تعرّضوا، بعد سيطرة طالبان على البلاد، لانتقادات لاذعة من الكونغرس ووسائل الإعلام على خلفية عمليات الإجلاء الأميركية من أفغانستان، سوف يسعون إلى إعطاء أولوية للاستقرار في العلاقات مع الأردن وغيره من حلفاء الولايات المتحدة المخضرمين بغض النظر عما إذا كان الملك عبدالله يعمل على تعزيز الديموقراطية في بلاده أم لا.

لقد تعهّد جو بايدن، خلال حملته الانتخابية، بتركيز سياسته الخارجية على الدفاع عن حقوق الإنسان في الخارج، مُشدّداً على أن “”تعزيز الديموقراطية” سيُدرَج من جديد على الأجندة العالمية خلال عهده. في شباط (فبراير)، أشار وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن إلى أن الولايات المتحدة سوف تحرص على “محاسبة مُنتَهِكي حقوق الإنسان”. بناءً على ذلك، ناشد بعض أعضاء الكونغرس إدارة بايدن بربط المساعدات الأميركية لمصر وإسرائيل، الدولتَين المجاورتين للأردن، بالتزامهما بحقوق الإنسان. ومع اكتساب هذه المسألة أهمية أكبر، طرح البعض علامات استفهام بشأن الأردن الذي صنّفته مؤسسة “فريدوم هاوس” في خانة الدول”غير الحرّة”، ومدى انسجامه مع أولويات الإدارة الأميركية الجديدة بشأن الدَمَقرطة نظراً إلى أن الأردن يحتل المرتبة الثالثة بين الدول في حجم المساعدات الأميركية السنوية.

على الرغم من أن المملكة الهاشمية وجدت عناصر توافق أكبر مع إدارة بايدن بشأن القضية الفلسطينية مُقارنةً بإدارة دونالد ترامب السابقة، إلّا أن الاستجابة لأجندة بايدن في مجال حقوق الإنسان تطرح تحدّياً بالنسبة إلى الأردن. يملك البرلمان الأردني صلاحيات ملموسة قليلة، إذ يحافظ الملك عبدالله على دورٍ مُسَيطِر في الحكم، بما يشمل تعيين رئيس مجلس الوزراء وإقالته. وقد ورد في تقرير لوزارة الداخلية الأميركية عن الأردن في العام 2020 أن “المشاغل المهمة في مجال حقوق الإنسان تشمل حالات المعاملة القاسية وغير الإنسانية والمُذلّة القائمة على العقاب والاعتقال التعسّفي والحجز، بما في ذلك بحق النشطاء والصحافيين”.  وقد عمدت السلطات الأردنية، المُتوَجِّسة حتى من أشكال الانتقاد الخفيفة، إلى حل نقابة المعلمين في العام الفائت، وصدرت أحكام بحبس خمسة من قيادييها بعدما احتجّت النقابة على المستوى المُتدنّي لرواتب المعلمين. وبما أن قيمة المساعدات الأميركية للأردن تصل إلى نحو 1.5 مليار دولار في السنة، سوف تخسر المملكة الكثير في حال تدهورت العلاقات بين البلدَين، نظراً إلى أن ديونها العامة تسجّل رقمًا قياسيًا يبلغ 45 مليار دولار.

بيد أن مسؤولاً كبيراً في إدارة بايدن اقترح مجموعة بديلة من الأولويات في السياسة الخارجية في إيجاز قدّمه في 25 آب (أغسطس) الفائت. فقد قال: “لسنا نحاول إحداث تحوّل في الشرق الأوسط، ولا الإطاحة بالأنظمة. نحن نتبع مساراً مطرداً جداً يتمحوَر حول أهدافٍ قابلة للتحقيق؛ وانسجام الغايات والوسائل؛ وحول دعم شركائنا في المقام الأول. سوف تُعطى الأولوية للاستقرار في العلاقات التي تجمع الولايات المتحدة بالأردن منذ عقود طويلة، لأنه ليس بإمكان إدارة بايدن أن تتحمّل الظهور في موقع التخلّي عن حليفٍ مقرّب آخر من حلفاء واشنطن، فالأردن يستضيف نحو 3,000 جندي أميركي، وتجدر الإشارة إلى أن عَمّان تحافظ على معاهدة السلام مع إسرائيل منذ العام 1994، وهي أولوية أميركية مهمّة في المنطقة.

على الرغم من أن الملك عبدالله واجه صعوبة كبيرة في إرساء الديموقراطية في الأردن، إلّا أنه تمكّن إلى حٍّد كبير من إظهار المملكة الهاشمية في موقع الجزيرة التي تنعم بالاستقرار عند الحدود مع العراق وسوريا اللتين ترزحان تحت وطأة النزاعات منذ سنين طويلة. كان عدد القتلى الذين سقطوا بسبب الإرهاب في الأردن خلال العقدَين الماضيين قليلاً نسبياً بحسب المعايير الإقليمية، وتمكّن الأردن أيضاً من إحباط “مخطّط” الفتنة المزعوم الذي اتُّهِم الأمير حمزة بالتورّط فيه. بعد سقوط كابول، بات مُستبعَداً بصورة متزايدة أن يمتثل بايدن للطلب الذي رفعته إليه منظمة العفو الدولية في تموز (يوليو) لممارسة ضغوط قوية على الملك عبدالله في مسائل حقوق الإنسان، ويُستبعَد أيضاً أن تتخذ الولايات المتحدة خطوات لخفض رزمة المساعدات التي تُقدّمها إلى عَمّان وقدرها نحو 1.5 مليار دولار. وسوف تتجنّب واشنطن اتخاذ أي إجراءات من شأنها أن تؤدّي إلى سقوط عبدالله، ولو كان هذا الاحتمال بعيداً جداً.

تُسلّط سيطرة طالبان الضوء أيضاً على التناقض الشديد بين جماعة الإخوان المسلمين التي تُعتبَر الحزب المعارض الأساسي في الأردن والمصالح الأميركية. بعد سقوط الحكومة الأفغانية، قدّمت جبهة العمل الإسلامي، وهي الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، “التهاني إلى حركة طالبان “لدحرها الاحتلال الأميركي الغاشم”. في الواقع، سبق أن وصف الملك عبدالله جماعة الإخوان المسلمين التي تربطه بها علاقة صعبة بأنها “طائفة ماسونية…  يديرها ذئاب في ثياب نعاج”. في العام الماضي، اتخذت المحكمة العليا الأردنية قراراً بحلّ فرع الإخوان في البلاد لأسبابٍ قانونية، علماً بأن التنظيم يحتفط بدعم شعبي قوي. ونظراً إلى تبنّي الإخوان موقفاً داعماً بقوة لحركة طالبان، غالب الظن أن إدارة بايدن لن تُحمِّل الملك عبدالله أي تداعيات تُذكَر على خلفية الاستمرار في قمع الإخوان، على الرغم من المضاعفات التي تترتب على الديموقراطية الأردنية.

وفي أعقاب سيطرة طالبان على أفغانستان، قد يُفيد الأردن أيضاً من الاهتمام الدولي بالصعوبات التي يواجهها في استيعاب اللاجئين.  فبعد مرور عقد على بدء الحرب السورية في العام 2011، لا تزال المملكة الهاشمية تستضيف على أراضيها أكثر من 600,000 لاجئ سوري، علماً بأن 25 في المئة من الأردنيين يُعانون من البطالة. في 23 آب (أغسطس)، أعلن وزير الخارجية الأردني أن بلاده توافق على استقبال 2500 أفغاني في طريقهم إلى الولايات المتحدة كبادرة إنسانية. وفي حين يتجنّب بعض الدول الأوروبية استقبال لاجئين أفغان، يستطيع عبدالله أن يُقدّم الأردن في صورة الدولة المسؤولة التي تتحمّل عبء النزاعات الإقليمية.

سوف ينطبع الانسحاب الأميركي من أفغانستان على نحوٍ دائم بالتفجير الذي نفّذه تنظيم “الدولة الإسلامية في خراسان” في مطار كابول في 27 آب (أغسطس) والذي أسفر عن مقتل 13 جندياً أميركياً إضافةً إلى ما لا يقل عن ذ70 شخصاً آخر. يبدو أنه بعد سيطرة طالبان على أفغانستان، وربما بسبب هذه السيطرة، سوف يتردد بايدن في ممارسة ضغوط على عبدالله في موضوع الدَمَقرطة. وبما أن المسؤولين الأردنيين وإدارة بايدن على السواء قلقون من إشادة الأحزاب الإسلامية بالجهاديين، يبدو أن مصالح البلدَين سوف تلتقي حول تثبيت استقرار الحكم في المملكة الهاشمية.

  • آرون ماجد هو باحث في شؤون الشرق الأوسط مقيم في واشنطن. نُشرَت مقالاته عن الأردن في مجلات ومواقع عالمية عدة بينها فورين بوليسي وفورين أفيرز والمونيتور. يمكن متابعته عبر تويتر على: @AaronMaged

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى