حكومةُ منع الإرتطام
الدكتور مروان القطب*
شُكِّلَت حكومةُ الرئيس نجيب ميقاتي أخيراً بعد اتصالٍ بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والإيراني إبراهيم رئيسي، في لحظةٍ زمنية كانت خلالها الولايات المتحدة الاميركية مشغولة بالتخفيف من صدمة الانسحاب من افغانستان بطريقة غير مدروسة، ومُنصَبّة على الملفات الداخلية، حيث لبنان ليس اولوية على جدول اعمالها. لقد عكست تركيبة الحكومة الجديدة معالم تسوية جديدة، قد تستمر الى نهاية العهد، فما هو مضمون هذه التسوية، وما هي الأرباح والخسائر التي تحقّقت للأطراف المُختلفة؟
يُمكن الإعتبار بأن الجمهورية الاسلامية في ايران هي الرابح الاكبر من تشكيل هذه الحكومة، حيث جاءت عقب اتصالٍ فرنسي-إيراني، ومجريات الامور اوحت أن طهران قد أفرجت عن الملف الحكومي، ونالت اعترافاً من جهةٍ دولية بدورها الرئيس في لبنان، خصوصاً مع إشاعة معلومات بأنّ الجانب الأميركي لم يُعارض المبادرة الفرنسية باتجاه ايران. وهذا يعني أنّ لبنان أصبح في عهدة الجانب الإيراني الذي بات يُهيمن على قراره السياسي.
بعد أن دقَّ جرسُ الحلول لا بدَّ من انتظام الأطرافِ الداخلية اللبنانية في تنفيذه، والضغوطُ لا تقتصر على الجانب الإيراني بل يُشارك فيها الجانب الفرنسي، في محاولةٍ أخيرة من الرئيس الفرنسي لتحقيقِ إنجازٍ خارجي بعد الإخفاقات المُتتالية لسياساته.
لم يكن أمام الرئيس المُكَلَّف نجيب ميقاتي إلّا القبول بالتسوية، والرضوخ لإعطاءِ رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل الثلث المُعَطِّل الضمني، وإلّا كان ميقاتي سيظهر بمظهر المُعرقِل ويَحمِل وزر التعطيل. فقَبِلَ بالتسوية على مضض، إذ أن اعتذاره كان سيشكّل فشلاً له ولمسيرته السياسية. ورُغمَ محاولة البعض تظهير موقفه وكأنه طعنة في ظهر الرئيس سعد الحريري، فقد كان موقف الأخير مُباركا لما جرى، ذلك أنه يدرك جيداً أن لا نصيب له في تولّي رئاسة الحكومة طالما عون في سدة الرئاسة، وإنه بحاجة الى تسوية كبرى لإعادته إلى سدّة رئاسة الحكومة.
أما رئيس الجمهورية وصهره فقد حقّقا ما أراداه من إقصاء الحريري والحصول على الثلث المعطل، هذا الثلث الذي يحفظ دور رئيس الجمهورية إلى حين نهاية ولايته، ويُحضّر الأرضية لتوريث رئاسة الجمهورية الى جبران باسيل. ولم يحقق التيار البرتقالي إنجازاته لولا تغطية “حزب الله”، الذي لا يريد ان يكسر حليفه المسيحي الذي يستحوذ على أكبر كتلة في مجلس النواب، رُغم أن “حزب الله” كان راغباً وبشدّة في تولي سعد الحريري رئاسة الحكومة لكي يكتمل جناحي التغطية الداخلية المارونية والسنّية، ويمكن ان تؤجَّل هذه التركيبة إلى تسوية لاحقة تُعيدُ زعيم التيار الأزرق إلى سدّة الحكم وتُنصِّب جبران باسيل في رئاسة الجمهورية.
لقد خاض سعد الحريري معركة خاسرة، ظنَّ في البداية أن المبادرة الفرنسية صلبة ومبدئية، إستند إليها وهو يظنّ أنها ستُعطيه التغطية والقوة، وإذ بالجانب الفرنسي يتقلب ويُبدّل في مبادرته لكي تتناسب مع الواقع اللبناني، والدليل على ذلك أنّ الحكومة التي شُكِّلَت أخيراً لا تحمل أياً من مبادىء المبادرة الفرنسية التي طُرِحَت في قصر الصنوبر. لم يدرك سعد الحريري موازين القوى ولعبة المصالح الدولية، كما إنه يفتقد الى سنده الطبيعي أي المملكة العربية السعودية التي تُفضّل عدم وصوله حالياً الى سدّة الحكومة.
لن تُؤيّد الرياض حكومةً تعتبرها إيرانية الصنع، ولن تُبادر إلى دعم لبنان، وهذا الأمر يحرم البلد والحكومة من إمكانية تحقيق خروج من الأزمة، بل يجعلها تغرق في إدارتها.
أما الولايات المتحدة فتخشى من وصول الأوضاع اللبنانية إلى مرحلة الارتطام، فهذه المرحلة تُنذِرُ بالفوضى وغياب الأمن، وهذا الأمر ليس في مصلحة الكيان الصهيوني، ولا في مصلحة الدول الاوروبية، خصوصاً مع وجود عدد كبير من اللاجئين السوريين، والمخيمات الفلسطينية، وإمكانية تحريك ملفات التطرّف. فتُفضّل واشنطن فرملة الانهيار، ودَوزَنة الضغوط بصورةٍ تمنع الارتطام، وما إفراج صندوق النقد الدولي عن حقوق السحب الخاصة لمصلحة لبنان بمقدار ١،١٥ مليار دولار إلّا الدليل على ذلك، بهدف تخفيف الازمة موقتاً والحدّ منها.
- الدكتور مروان القطب هو أكاديمي لبناني وباحث في الشؤون الإقتصادية والمالية. الآراء الواردة في هذا المقال هي آراؤه الخاصة.