كيف أصبحت قطر وسيطاً أساسياً في أفغانستان

كابي طبراني*

لعبت قطر دوراً رئيساً في عودة حركة طالبان إلى أفغانستان، كما لعبت دوراً محورياً في تسهيل الرحلات الجوية للرعايا الأجانب واللاجئين من كابول. لقد نالت ثناءً واسع النطاق على كلتا السياستين اللتين تبدوان مُتناقِضَتَين.

ومع ذلك، فهذه منهجية تتبعها قطر: من جهة، تُقدِّمُ نفسها على أنها وسيطٌ قويٌّ يُمكنه العمل مع الجماعات المتطرفة – ودعم تلك الجماعات، بينما من جهة أخرى تُسَوِّقُ نفسها كداعمٍ للاستقرار والعمل مع الدول التي تتعامل مع الفوضى التي خلّفتها هذه الجماعات.

على هذا النحو، وضعت قطر نفسها على أنها الدولة التي يحتاجها الجميع للعمل في أفغانستان. وهذا يصحّ على حدٍّ سواء بالنسبة إلى الصحافيين الذين يُودّون تغطية الفوضى هناك أو بالنسبة إلى توفير “الحماية” للأميركيين في كابول ضد حركة طالبان ذاتها التي تستضيفها قطر … ذكرت صحيفة واشنطن بوست أنه خلال عملية الإجلاء الأميركي كان “السفير القطري في أفغانستان يُرافق مجموعات صغيرة من الأميركيين إلى مطار [كابول]”. وذكر التقرير أن المسؤولين القطريين كانوا يلتقون بأميركيين في نقاطٍ مختلفة بالمدينة، و”يرافقهم السفير بعد ذلك لضمان مرور آمن”.

قطر الآن هي البلد المُفَضّل لجميع الأشياء في كابول. شكر وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، زميله القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في 23 آب (أغسطس)، على تسهيله عبور الرعايا الأجانب بأمان إلى خارج كابول، قائلاً إن “قطر أخذت على عاتقها دوراً قيادياً حقيقياً”. كما عبّر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال زيارته هذا الأسبوع للدوحة برفقة وزير الدفاع لويد أوستن، عن امتنان بلاده العميق لدولة قطر، مشيراً إلى أنه لم يقم أحدٌ بأكثر مما قامت به في عمليات الإجلاء، قائلاً: “ما فعلته الدوحة سيبقى في الذاكرة طويلاً ونيابة عن الشعب الأميركي أتقدّم من قيادتها بالشكر الجزيل”.

في الواقع أنه خلال عملية الإنسحاب والإجلاء، قامت الولايات المتحدة بتأمين المنطقة بالقرب من المدارج بحيث يُمكن للطائرات أن تَهبطَ وتُقلع، وقد قامت دولة الإمارات بالفعل بإجلاء عدد أكبر من الأشخاص من كابول مُقارنةً بقطر حتى 31 آب (أغسطس).

لكن قطر استطاعت أن تُصنِّفَ نفسها على أنها تلعبُ “دوراً قيادياً” على وجه التحديد لأنها استضافت حركة طالبان لسنوات، وساعدت على تسهيل حملتها في مجال العلاقات العامة وتحويلها مرة أخرى إلى مجموعة مُستساغة للمجتمع الدولي.

ذكرت شبكة “سي أن إن” في 24 آب (أغسطس) أن “إدارة بايدن كانت على اتصال مُنتَظم بمسؤولي طالبان طوال عملية الإجلاء، سواء على الأرض في أفغانستان أو في الدوحة، قطر”. وبحسب تقارير متطابقة، التقى رئيس وكالة المخابرات المركزية، وليم بيرنز، المؤسس المشارك لطالبان ونائب رئيس الحكومة الجديدة المؤقتة، عبد الغني بارادار، أخيراً. وهذا “يرقى إلى أعلى مستوى تبادل مباشر” بين الإدارة الأميركية الحالية وطالبان. لقد تمّ ترسيخ هذا الإحترام الجديد لطالبان من قبل قطر.

ما هو واضح هو أن قطر قد هندست لنفسها دوراً يؤهّلها كي تكون وسيطاً أساسياً في أفغانستان. يأتي ذلك خلال سنوات نمت فيها شراكة محور الدوحة وأنقرة، حيث يدعم كلاهما جماعة “الإخوان المسلمين”، ويتعاملان مع جماعاتٍ مثل “حماس” أو متطرفين مثل “أحرار الشرقية” في سوريا أو طالبان في أفغانستان.

بعد صعود “داعش”، بدأ جزء كبير من المنطقة رفض التطرف، وتم إزاحة جماعة “الإخوان المسلمين” من السلطة في مصر، وفُرضت قيود على الجماعات المتطرفة الأخرى. ومع ذلك، فإن الجماعات الإسلامية، التي تم تهميشها مؤقتاً بين العامين 2015 و2020، أنعشتها رياحٌ جديدة في أفغانستان عندما اختارت إدارة ترامب إضفاء الشرعية على حركة طالبان عبر مفاوضات مباشرة معها في الدوحة. هنا، استطاعت قطر أن تُصبح ضامناً رئيساً للقوات الأميركية في أفغانستان. باختصار، إذا أرادت الولايات المتحدة آنذاك أن تكون قوّاتها آمنة ومواطنوها وحلفاؤها بأمان، فإن قطر هي الوسيط المثالي لذلك وبالتالي يمكن لإمارة آل ثاني “السيطرة” على كلٍّ من طالبان والسياسة الأميركية.

والنتيجة النهائية هي تمكين قطر، وهذا الأمر يبعث برسالةٍ إلى دولٍ مثل تركيا وباكستان – اللتين تُغازلان الجماعات المتطرفة المُعادية للغرب، لكنهما تريدان أيضاً إقامة علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة – مفادها أن اللعب مع كلا الجانبين له فوائد لأنهما ستُصبحان ضروريتين لكليهما.

يبقى أن نرى الدور الذي ستلعبه قطر بعد مغادرة الولايات المتحدة الآن لأفغانستان. هل ستستمر في امتلاك النفوذ الذي كانت تتمتع به، أم أن حقيقة انسحاب أميركا سيجعل قطر مُضطرّة للتنافس على النفوذ مع لاعبين أكبر مثل روسيا والصين وتركيا وباكستان؟ في الوقت الحالي، تواصل الدولة الخليجية الصغيرة لعب دورٍ كبير أكبر من حجمها قد تكون له تداعيات.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب”. ألّف خمسة كتب بالعربية والإنكليزية من بينها “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: من وعد بلفور إلى إعلان بوش” (2008)؛ “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهَيمَنة على الشرق الأوسط” (2008)؛ و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر موقعه: gabrielgtabarani.com أو عبر تويتر على: @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى