ماذا يُريدُ مصطفى الكاظمي؟
يعمل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على التروبج للحوار الإقليمي إيماناً منه أن ذلك يسمح له بمعالجة نقاط الضعف العديدة في العراق.
حارث حسن*
في 28 آب (أغسطس) الفائت، استضافت بغداد تجمّعاً فريداً لرؤساءِ ومُمثلي الدول المجاورة للعراق (باستثناء سوريا). وشمل ذلك أيضاً قادة فرنسا ومصر والإمارات العربية المتحدة وقطر. وكان الهدفُ من المؤتمر، الذي أُطلِق عليه اسم مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، إظهار الدعم للعراق في مواجهته تحدّياتٍ سياسية وأمنية واقتصادية، كما الاعتراف والإقرار بجهودِ حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في تعزيز الحوار الإقليمي.
بالنسبة إلى الكاظمي، حقّقت القمّة ثلاثة أهداف. أوّلاً، كانت تتويجاً لجهوده لإعادة وضع العراق عند تقاطع العلاقات الإقليمية – أو كما يُحبّ الكاظمي أن يصفه، كجسرٍ بين دول المنطقة. منذ أن كان مديراً لجهاز المخابرات الوطني العراقي، طوّرَ الكاظمي شبكةً واسعةً من العلاقات مع قادة وكبار مسؤولي الشرق الأوسط، وحقّق نجاحاً كبيراً في لعبِ دورِ الوسيط النزيه ومُيَسِّر الحوار، لا سيما بين إيران وخصومها الإقليميين. لقد وجّه نهج “صفر أعداء” أسلوب تعامله في العلاقات الإقليمية.
الكاظمي ليس أول رئيس وزراء في العراق دعا إلى عدم الانحياز مع أيٍّ من المحاور الإقليمية، ومع ذلك، فإن سمعته كشخصٍ مُعتدلٍ وبراغماتي وغير طائفي، وأقل تأثّراً بإيران من أسلافه، أكسَبتهُ مصداقيةً أكبر. في الوقت عينه، أسّس سياسته الإقليمية وسط حقائق وأوضاع صعبة. العراق اليوم دولةٌ هشّة تقع بين ثلاثة منافسين إقليميين: إيران، تركيا والمملكة العربية السعودية. يعتقد الكاظمي أنه من خلال السعي بشكلٍ استباقي إلى تقليل الخلافات بين هذه القوى، يُمكن للعراق أن يخلق لنفسه دوراً إقليمياً أكثر إيجابية بدل أن يكون ساحةَ معركةٍ لجيرانه.
في السابق، كانت الولايات المتحدة أساسية في إقامة اتصالات بين العراق بقيادة الشيعة وحلفاء واشنطن الإقليميين. الآن، بعدما أصبح الأميركيون أكثر انفصالاً عن العراق، وربما عن الشرق الأوسط تماماً، تحاول فرنسا ودول أخرى، من بينها القوى الإقليمية الصاعدة مثل إيران وتركيا، ملء الفراغ. في هذا الوضعِ المُعقَّد، سعت الحكومة العراقية إلى المناورة بين هذه الجهات الخارجية من أجل تعزيز هامش عملها. وقد ساعدت ثروة العراق النفطية، التي تُوفّر الاستقلال الاقتصادي، على هذا النهج، الذي أعاقته الانقسامات الداخلية العميقة، والجماعات شبه العسكرية القوية التي لها سياستها الخارجية الخاصة، ومؤسسات الدولة الفاسدة والمُختَلّة.
كانت القمة تجسيداً لانخفاضِ المشاركة الأميركية والحاجة إلى هيكلٍ مُؤسَّسي جديد يعكس علاقات القوّة الناشئة في المنطقة حيث تحجز فيه كلٌّ من إيران وتركيا مقعداً على الطاولة. يمكن أن تكون أيضاً بدايةَ بحثٍ عن إطارِ تفاهُمٍ جديدٍ إقليمي يتغلّب على الانقسامات السابقة التي تم تحديدها في مصطلحاتٍ طائفية (السنّة مقابل الشيعة)، أو إيديولوجية (الإسلاميون مقابل العلمانيون)، أو جيوستراتيجية (مؤيّدٌ للغرب مقابل مُناهضٌ للغرب).
وهذا يؤدّي إلى الهدف الثاني للكاظمي، وهو احتواء إيران. نظراً إلى نفوذ طهران في العراق من خلال شبكتها من الحلفاء المحلّيين والقوات شبه العسكرية (الميليشبات)، والتي لا مثيل لها لأيِّ قوةٍ إقليمية أخرى، يبحث الكاظمي عن طرقٍ لكبح هذا النفوذ من دون إثارةِ عداء طهران. مثل هذا العداء، إذا وقع، لن يُزعزِعَ استقرارَ حكومته فحسب، بل قد يقضي على أيّ آمالٍ لبقائه في منصبه بعد الانتخابات البرلمانية العراقية المُقبلة في 10 تشرين الأول (أكتوبر).
ويحاول الكاظمي أيضاً أن يُثبتَ للإيرانيين أن مُقاربته، وليس نهج حلفائهم الإيديولوجيين والطائفيين، ستُحقّق مكاسب حقيقية للجمهورية الإسلامية وتكسر عزلتها. وهذا صحيح بشكلٍ خاص نظراً إلى أن حكومة إبراهيم رئيسي قد أعلنت أن سياستها الخارجية ستُعطي الأولوية لتحسين علاقات إيران مع المنطقة. وبالفعل نجح الكاظمي في استضافةِ مُحادثاتٍ في بغداد بين إيران والسعودية لبحث الخلافات بين البلدين. بقبولها قيادة في بغداد ليست مُتحالفة إيديولوجياً مع نهجها “الثوري” المُعادي لأميركا، يُمكن لإيران أن تؤمِّن قناة عاملة في العالم العربي وتحصل على اعترافٍ إقليمي بدورها ومصالحها.
ويرتبط هذا بالهدف الثالث للكاظمي، وهو تعزيز فرصه في البقاء في المنصب بعد الانتخابات. الكاظمي لن يخوض الانتخابات ويضع نفسه كفاعلٍ مُحايد ومصلحته الأساسية ضمان تصويت حرّ ونزيه. لكن هذه أيضاً استراتيجية للحفاظ على فُرَصه في أن يكون مُرشَّحاً توفيقياً لمنصب رئيس الوزراء، وهو ما يعكس الحد الأدنى من الإجماع بين الأحزاب المتنافسة ومراكز السلطة. في ظلِّ غيابِ إنجازٍ داخلي كبير يُمكنُ أن يُعزّز وضعه سياسياً ويجعله شخصاً لا بديل منه، يسعى الكاظمي إلى لفت الانتباه إلى نجاحاته في السياسة الخارجية. في نظامٍ لا تُحدِّدُ فيه الانتخابات وحدها مَن سيقود الحكومة، فإن اكتسابَ المزيد من الشرعية الدولية يُمكن أن يُرجّح مرشحاً على آخر. في الواقع، هذا أكثر صحّة في العراق، حيث الحكمة الشائعة منذ العام 2005 أنه لا يُمكنُ لأحدٍ أن يكونَ رئيساً للوزراء إذا عارضت الولايات المتحدة أو إيران ترشيحه.
على الرغم من رفضها الصريح للكاظمي، سيتعيَّن على غالبية الفصائل المُتحالفة مع إيران الأخذ بالإعتبار، إن لم تكن موافِقة، ما تُقرِّره إيران. من الصعب التكهّن بما يُمكن أن يكون عليه هذا الموقف وكيف يُمكن تشكيله في غياب قاسم سليماني، القائد الراحل لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، الذي شارك بشكلٍ كبير في تشكيل الحكومات العراقية بعد العام 2005. لكن تحت أيِّ ظرفٍ من الظروف، فإن تعيين رئيس الوزراء العراقي المُقبل سيتأثّر بالتأكيد بالسياق الإقليمي وتوازن القوى.
وكما أظهرت قمّة بغداد، يطمح مصطفى الكاظمي إلى إعادة تشكيل هذا التوازن من خلال إبعاد أجندة حكومته بأمان عن أجندة طهران، مع تسهيل اندماج إيران المُتزايد في النظام الإقليمي الناشئ.
- حارث حسن هو زميل كبير غير مقيم في مركز مالكولم إتش كير كارنيغي للشرق الأوسط، حيث تُركّز أبحاثه على العراق والطائفية وسياسات الهوية والفاعلين الدينيين والعلاقات بين الدولة والمجتمع. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @harith_hasan
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.