زِيارَةُ الملك عبد الله إلى موسكو قد تُمَهِّدُ الطريقَ لإنهاءِ الأزمة السورية

أسامة الشريف*

يُكثِّفُ العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني جهوده الديبلوماسية لإنهاء الجمود السياسي في سوريا المجاورة من خلال السعي إلى تشكيلِ فريقِ عمل للإنخراط مع النظام السوري في محاولةٍ لتغيير سلوكه. بعد شهر من كونه أول زعيم عربي يلتقي الرئيس جو بايدن وكبار المسؤولين الأميركيين، سافر إلى موسكو هذا الأسبوع في زيارةٍ رسمية لمناقشة الأزمة السورية مع الرئيس فلاديمير بوتين.

في مقابلةٍ مع شبكة “سي أن أن” أُذيعَت خلال وجوده في واشنطن في الشهر الفائت، قال الملك إن “اللاجئين [السوريين] لن يعودوا في أيِّ وقتٍ قريب … وهذا يقودنا إلى التحدّي الذي نناقشه الآن مع الولايات المتحدة والأوروبيين. يتمتع بشار [الأسد] بالشرعية … وبالتالي فإن النظامَ موجودٌ وعلينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا … هل نُريدُ تغييرَ النظام أم تغيير السلوك؟ وإذا كان تغييراً في السلوك، فما الذي يجب فعله للالتقاء والتحدّث مع النظام؟ علماً أن الجميع يفعل ذلك ولكن بدون خطة في الوقت الحالي”. مُضيفاً أن على الغرب التحدّث مع الروس الذين يلعبون دوراً حيوياً في هذا المجال.

حافظ العاهل الأردني على علاقةٍ خاصة مع الرئيس بوتين على مرِّ السنين، وكان زائراً مُنتَظِماً للعاصمة الروسية. كانت آخر مرة التقى فيها الزعيمان في سوتشي في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، لكنهما تحدّثا عبر الهاتف في حزيران (يونيو) الماضي. لدى الجانبين وجهة نظر مُشتَرَكة حول القضية الفلسطينية وقضايا إقليمية أخرى، وبينما يحتفلان بمرور 58 عاماً على إقامة العلاقات الديبلوماسية، يسعى الجانبان إلى توسيع العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية والثقافية والعسكرية. وقد أيّدت روسيا موقف الأردن من حلّ الدولتين ودور الملك كوصي على الأماكن المقدسة في القدس الشرقية. وعلى الرغم من أن الأردن حليفٌ وثيقٌ للولايات المتحدة، فقد تمكّن الملك من الحفاظ على تنسيقٍ وثيق مع الزعيم الروسي بخاصة في سوريا بعد اندلاع الحرب الأهلية هناك.

وقد ساعد ذلك عمّان على الحصول على تعهّدٍ من الروس بإبعاد الميليشيات الموالية لإيران في جنوب سوريا عن الحدود الأردنية. كان الأردن سريعاً في تقدير التحوّلات الجيوسياسية في المنطقة، خصوصاً بعد التدخّل العسكري الروسي في سوريا في العام 2015. ودعم الأردن الجهود الروسية لإطلاق عملية سياسية في سوريا وحضر عدداً من هذه الاجتماعات كمُراقب.

وغطّت المحادثات بين الزعيمين الأزمة في درعا حيث يُحاصِرُ الجيش النظامي السوري المدعوم من الجيش الروسي البلدة القديمة التي يتحصّن فيها المُتمرّدون السوريون. وأجبر سقوط درعا في أيدي المُتمرّدين في الشهر الفائت الجانب الأردني على إغلاق المعبر الحدودي بعد أيامٍ على إعادة فتحه بالكامل. كان الأردن يأمل في إحياء التجارة مع جارته الشمالية. ويُعتَقَد أن الملك طلب من بايدن إزالة العقوبات عن دمشق بموجب قانون قيصر لتسهيل هذا الهدف. بالنسبة إلى الأردن، فإن إعادة فتح طريق التجارة إلى الشمال أمرٌ حيوي لاقتصاده المُتعثّر.

من ناحية أخرى، كان الأردن مركزاً للنشاط الديبلوماسي أخيراً مع زياراتٍ إلى عمّان قام بها وزراء خارجية السعودية وتركيا وقطر في الأسابيع الأخيرة.

وعلى صعيدٍ مُتّصلٍ، ناقش الملك وبوتين العرض الأميركي لتزويد لبنان بالكهرباء الأردنية عبر سوريا في محاولةٍ لتخفيف النقص الحاد في الطاقة الذي يواجهه لبنان. وجاءت اللفتة الأميركية استجابةً لطلباتٍ أردنية سابقة رفضتها إدارة دونالد ترامب. ولحلِّ هذه المشكلة لوجيستياً، سيتعيَّن على الأردن التنسيق بشكلٍ وثيق مع النظام السوري. وستدعم هذه الخطوة مصر التي ستزوّد عمّان بكمياتٍ إضافية من الغاز الطبيعي.

قد يكون هذا مفتاحاً لإعادة إشراك النظام السوري بدعمٍ روسي. ويُمكن أن يُمهّدَ الطريق لمزيدٍ من الخطوات نحو تطبيع العلاقات مع دمشق مقابل خطواتٍ ملموسة لإحياء العملية السياسية. كما تأمل عمّان في الحصول على نصيب الأسد من صفقات إعادة الإعمار المستقبلية، خصوصاً في جنوب سوريا. كما يأمل الأردن في خلق ظروفٍ إيجابية في تلك المنطقة من شأنها تشجيع مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين تستضيفهم المملكة على العودة طواعية. كان على الأردن أن يتكيَّف مع انخفاض المعونات الخارجية لمساعدته على الاستجابة لأزمة اللاجئين السوريين.

ويُعتَقد أيضاً أن هذه الجهود مدعومةٌ من عددٍ من دول الخليج التي ترغب في رؤية نهاية للأزمة السورية على أمل الحدّ من النفوذ الإيراني على دمشق. وقد شكّلت المملكة الأردية والعراق ومصر كتلة اقتصادية ثلاثية حيث تأمل أن تتمكّن سوريا من الانضمام إليها في المستقبل.

يقود الملك عبد الله الجهود لخلقِ فهمٍ جديد للأزمة السورية من شأنه أن يُمهِّدَ الطريق لإنهاء الحرب الأهلية المستمرة منذ عقد من الزمن، ويفتح المسار لفصلٍ جديد من شأنه إعادة تأهيل النظام وإطلاق عملية سياسية بمساعدة الروس.

  • أسامة الشريف هو صحافي ومٌحلّل سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى