هل المغرب على استعدادٍ لتَعريضِ علاقَتِه مع أوروبا للخَطَر بسبب قضيّة الصحراء؟

تشهد العلاقات المغربية – الإسبانية تدهوراً خطيراً على خلفية دخول زعيم جبهة البوليساريو إيراهيم غالي إلى إسبانيا للعلاج ومن ثمّ السماح بمغادرته نحو الجزائر بعد رفض المحكمة العليا الإسبانية طلباً باحتجازه، قائلةً إن رافعي الدعوى لم يُقدّموا أي أدلّة.

الوزير ناصر بوريطة: لا توجد أزمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي.

فرانسيسكو سيرانو*

كان المشهد مألوفاً، حتى لو لم تكن العادة أو المقياس كذلك. في 17 و18 أيار (مايو)، دخل آلاف المهاجرين إلى سبتة، وهي واحدة من جَيبَين إسبانيين في شمال إفريقيا على الحدود مع المغرب. تجاوز التدفّق القياسي للمهاجرين غير الشرعيين 12,000 شخص – بما في ذلك عائلات بأكملها ومئات الأطفال – على مدار يومين. سرعان ما أدركت السلطات الإسبانية أن هذا الارتفاع في الهجرة كان أكثر من مُجرّد يأسٍ بشري مُعتاد الذي دفع أعداداً كبيرة من الناس إلى تجاوز الأسوار وعبور المياه في محاولة لدخول أوروبا في السنوات الأخيرة. يبدو أن المغرب، المُنزعِج من موقف مدريد بالنسبة إلى مطالباته الإقليمية بالصحراء الغربية، قرّر الردّ.

وهكذا فإن المشاهد الدرامية التي تكشّفت في هذه المدينة الساحلية المُطلّة على البحر الأبيض المتوسط ​​كانت مُرتبطة بحركةٍ أكبر من الناس حدثت منذ عقود، في أقصى الجنوب. في العام 1975، عندما كانت إسبانيا، القوّة الاستعمارية، تُغادر الصحراء الغربية، أرسلت الرباط 350 ألف مدني مغربي لاحتلال المنطقة. كانت هذه المظاهرة الجماهيرية المُنَظَّمة، المعروفة باسم المسيرة الخضراء، وسيلة المغرب لتأمين سيادته على الإقليم.

على مدى السنوات الـ16 التالية، خاض المغرب حرباً ضد جبهة البوليساريو، التي سعت إلى استقلال المنطقة، حتى تم توقيع وقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة في العام 1991. وقد نصّت مفاوضات السلام على إجراء استفتاءٍ لتحديد وضع الإقليم، ولكن المغرب لم يكن متحمّساً لهذه العملية ومنعها. وبدلاً من ذلك، فرض سيطرة فعلية على أربعة أخماس الإقليم من خلال الاستثمار في المشاريع وتشجيع المغاربة على الانتقال إليها. كما قمعت الحكومة المغربية أي تعبير عن السيادة من قبل الشعب الصحراوي. إن الصراع من أجل السيطرة على الصحراء الغربية الغنية بالموارد هو في قلب الزيادة الأخيرة التي حصلت في عدد المهاجرين الذين حاولوا دخول إسبانيا.

حملةٌ للإعتراف

منذ صعود محمد السادس إلى العرش في العام 1999، تم توجيه الكثير من سياسة المغرب الخارجية نحو الحصول على اعتراف دولي بسيادة المملكة على الصحراء الغربية. لسنواتٍ، كانت العملية بطيئة وغير فعّالة في كثيرٍ من الأحيان، على الرغم من دعم العديد من الحكومات الأفريقية. لكن العام 2020 شهد في أواخره تسارعاً كبيراً في الجهود المغربية – ونتائجها. في تشرين الثاني (نوفمبر)، أقنعت الرباط دولة الإمارات بأن تصبح أول دولة عربية تدعم مطالبها الإقليمية. إفتتحت أبو ظبي قنصلية في الجزء الخاضع للسيطرة المغربية من الصحراء الغربية، ما دفع دولاً عدة أخرى، مثل البحرين والأردن، إلى أن تحذو حذوها. الأهم من ذلك، في كانون الأول (ديسمبر) 2020، إعترف الرئيس دونالد ترامب بالسيادة المغربية على كامل الإقليم، مقابل تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل. تضمّنت الصفقة، التي كانت جزءاً من اتفاقيات إبراهيم التي روّجت لها إدارة ترامب، إقامة علاقات ديبلوماسية رسمية بين العديد من الدول العربية وإسرائيل. كان تأمين الدعم من الإدارة الأميركية انتصاراً ديبلوماسياً كبيراً للمغرب. على عكس رغبات الرباط، لم يؤدِّ ذلك إلى سَيلٍ من اللفتات المُماثلة من دولٍ أخرى، ولم ينتج عنه اعتراف الاتحاد الأوروبي المرغوب فيه بشدة بالسيادة المغربية على الإقليم.

في الأشهر الأخيرة، بدا أن صبر السلطات المغربية بدأ ينفد بسبب عدم قدرتها على الاستفادة من دعم ترامب. ربما كان هذا يرجع جزئياً إلى المدى الذي نظر فيه المجتمع الدولي إلى إدارة ترامب على أنها حالة شاذة. رأت دولٌ عدة أن قراراتها الرئيسة – بما فيها تلك المتعلقة بالمناخ، وتمويل الأمم المتحدة أو الناتو، والاتفاق النووي الإيراني – قرارات مؤقتة يمكن التراجع عنها عندما يدخل رئيس تقليدي إلى البيت الأبيض. قد يندرج اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء الغربية أيضاً ضمن هذه الفئة، لأنها تُمثّل خروجاً كبيراً عن الموقف الأميركي القديم. يبدو أن إحجام جو بايدن عن تعزيز قرار وموقف سلفه يوحي بذلك.

الواقع أن عدم القدرة على الاستفادة من الاعتراف الأميركي قد دفع المغرب إلى زيادة الضغط على الاتحاد الأوروبي. في آذار (مارس)، علّقت الرباط الاتصال بالسفارة الألمانية في المغرب بسبب انتقادات برلين لموقف ترامب بشأن الصحراء الغربية، واستدعت لاحقاً سفيرها في ألمانيا. لكن الخلاف مع جار المغرب المجاور في الشمال هو الذي حوّل هذا التوتّر إلى نزاعٍ إقليمي أوسع بين الرباط وبروكسل.

الخلاف غير المُجاوِر

على عكس برلين، تصاعد الموقف مع مدريد بسرعة. في نيسان (إبريل)، سمحت الحكومة الإسبانية بإدخال إبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو السبعيني، إلى المستشفى في مدينة لوغرونيو الواقعة شمال إسبانيا. وقالت الحكومة الإسبانية إنها سمحت بدخوله المستشفى لأسباب إنسانية، لكن قرارها بقبول غالي، أحد أكبر الخصوم السياسيين للمغرب، تحت اسم مستعار ومن دون استشارة المغرب، أثار حفيظة السلطات في الرباط.

بعد أسابيع قليلة من وصول غالي إلى إسبانيا، بدأت أعدادٌ كبيرة من المهاجرين عبور الحدود المغربية إلى سبتة. إذا كان لدى إسبانيا أي أسئلة حول سبب التدفق المفاجئ للمهاجرين، فقد أزالت السفيرة المغربية كريمة بنيعيش كل الشكوك، وقالت لوكالة أنباء إسبانية، “هناك أفعالٌ مُعَيَّنة لها عواقب يجب مواجهتها” قبل استدعائها إلى المغرب للتشاور. توقّف التدفّق غير المعتاد للأشخاص بعد يومين، وعاد الكثيرون إلى المغرب منذ ذلك الحين. بعد أيام قليلة، خفف الموقف الرسمي المغربي لهجته، وزعمت السلطات بدلاً من ذلك أن المهاجرين استفادوا من إجهاد أفراد الحدود في نهاية شهر رمضان.

لكن كما تعلم السلطات في الرباط ومدريد، لم يكن الخلاف يتعلّق أبداً بالهجرة. إن هذا التدفّق الأخير للمهاجرين يعكس حادثة مماثلة في العام 2016. عندما حكمت محكمة العدل الأوروبية بأن الصحراء الغربية ليست جزءاً من المغرب، خففت المملكة من ضوابطها الحدودية، مما دفع العديد من المهاجرين إلى العبور إلى سبتة. وهذا جزءٌ من خطأ الاتحاد الأوروبي. وهو يشبه إلى حد كبير الاتفاق الذي أبرمته بروكسل مع تركيا، حيث دفعت بموجبه مليارات اليورو لأنقرة لمنع المهاجرين غير الشرعيين من العبور إلى أوروبا، فإن الاستعانة بالمغرب للسيطرة على الهجرة قد منح المملكة نفوذاً على سياسة الاتحاد الأوروبي. قد تخفف هذه الصفقات الضغط مؤقتاً، لكنها بعيدة كل البعد من حل طويل الأمد للمشكلة. علاوة على ذلك، أصبح المغرب أقل خجلاً بشأن استخدام نفوذه، وهو يطبّقه على القضية الوحيدة الأكثر أهمية في جدول أعمال سياسته الخارجية: ضمان شرعية سيادته على الصحراء الغربية.

كانت إقامة غالي في إسبانيا أكثر تعقيداً لأنه كان جزءاً من قضية مفتوحة في العام 2012 في “أوديونثيا ناثيونال” (Audiencia Nacional)، وهي محكمة مركزية إسبانية تُحقّق في الجرائم الكبرى. لقد اتهمت منظمة حقوقية صحراوية غالي وغيره من قادة البوليساريو بارتكاب جرائم متعددة، بما فيها الاحتجاز غير القانوني والتعذيب والإرهاب. بعد أن علمت بوجوده في إسبانيا، ضغطت الرباط على مدريد للتحرّك في القضية المُعلَّقة. كما أوضحت الرباط أن الخلاف الديبلوماسي بين البلدين لن يتفاقم إلّا إذا سمحت إسبانيا لغالي بمغادرة البلاد سراً.

في 2 حزيران (يونيو)، بعد مثوله عن بُعد أمام محكمة مدريد، غادر غالي أخيراً إسبانيا وعاد إلى الجزائر بعد أكثر من شهر من الإقامة. وبينما قالت إسبانيا إنها تأمل في عودة العلاقات مع المغرب إلى طبيعتها، فمن غير الواضح في الوقت الحالي ما إذا كان رحيل غالي سيكون كافياً للمساعدة على تخفيف التوترات الثنائية.

شركاءٌ تجاريون على خلاف

من خلال السماح لآلاف المهاجرين بالعبور إلى إسبانيا، ثم وقف الفيضان بعد يومين، لم يكن المغرب يُعاقِبُ مدريد فقط على السماح لغالي بالدخول. كما أنه يأخذ صفحة من الكتاب الديبلوماسي التركي ويشير إلى الاتحاد الأوروبي بأنه كذلك على استعداد لاستخدام المهاجرين كآلية ضغط. يُمكن لصور المهاجرين الذين يعبرون إلى القارة بشكل غير قانوني أن تقلب السياسة الأوروبية وتخلق غذاءً للحركات الشعبوية. حاولت السلطات المغربية تهدئة مخاوف الاتحاد الأوروبي من خلال إعادة تركيز الخلاف الديبلوماسي على إسبانيا حصرياً. وقد صرح وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، في سلسلة من الظهورات في وسائل الإعلام الفرنسية يوم 23 أيار (مايو)، أنه لا توجد أزمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي. لكن العبور الحدودي الأخير في سبتة يُشير إلى خلاف ذلك.

قد يكون للمغرب نفوذٌ في هذا النزاع، لكن استخدامه لا يخلو من المخاطر. بلغ حجم التجارة بين إسبانيا والمغرب 144.4 مليار درهم (16.2 مليار دولار) في العام 2019. وعلى نطاق أوسع، يظل الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري للمغرب وعميل رئيس لسِلَعِهِ المُصَنَّعة ومنتجاته الزراعية. يُمثّل السائحون الفرنسيون والإسبان ما يقرب من نصف إجمالي السياح الذين يزورون المغرب في عامٍ نموذجي. بعد الاضطراب الاقتصادي الناجم عن جائحة كوفيد-19، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.3٪، وستعتمد المملكة على العملاء الأوروبيين والسياح لإعادة تشغيل اقتصادها. على الرغم من أن السياسة ربما لن تمنع السياح من زيارة مراكش أو أغادير، فإن المغرب يُخاطر بفقدان حسن النية السياسية في العواصم الأوروبية نتيجة للأزمة الحالية.

لدى الرباط العديد من المظالم المشروعة بشأن تكاليف ومتطلبات العمل كشرطي للإتحاد الأوروبي. لكن الأحداث الأخيرة على حدودها مع إسبانيا من المرجح أن تُحطّم فكرة مُعَيَّنة لدى بيروقراطيي الاتحاد الأوروبي والمسؤولين الحكوميين حول شراكة الاتحاد مع جارته الجنوبية. غالباً ما يُنظَر إلى المغرب على أنه قوّة من أجل الخير في منطقة مُضطَربة، نظامٌ ملكي سلطوي إلى حدٍّ ما له نوايا إنسانية. لكن حملته للحصول على الاعتراف بسيادته على الصحراء الغربية تُقوّض هذا الرأي. في أثناء ترتيب توصيل المساعدات للفلسطينيين في غزة، راهنت الرباط في الوقت عينه على حياة المغاربة والمهاجرين من جنوب الصحراء على الحدود، وهي تعلم جيداً أن إسبانيا ستُعيدهم. توفي مهاجرٌ واحد، وحتى 1 حزيران (يونيو)، ظل حوالي 1,000 قاصر غير مصحوبين بذويهم في ملاجئ حكومية وخيرية في سبتة.

  • فرانسيسكو سيرانو هو صحافي وكاتب ومُحلّل سياسي. يُركّز عمله على شمال إفريقيا والشرق الأوسط الكبير وأميركا اللاتينية. نُشر كتابه “القبض على عبد الكريم” عن الانتفاضات العربية في العام 2013. الآراء الواردة في هذا المقال هي آراؤه الخاصة وتُمثّله.
  • كُتِب هذا المقال بالإنكيليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى