ما الذي تفعله بنوك التنمية لمساعدة الأسواق الناشئة على التعافي والعودة للإنتعاش؟
دعمت بنوك التنمية الردود الأولية على كوفيد-19 للعديد من البلدان، ومثل هذه المؤسسات المُتعدّدة الأطراف لها دورٌ رئيس تلعبه بالنسبة إلى تحويل التركيز إلى الإنتعاش الإقتصادي.
باسم رحّال*
نتيجةً للتداعيات الاقتصادية لـكوفيد-19، تواجه الاقتصادات الناشئة في جميع أنحاء العالم العديد من التحديات، بما فيها أزمات التدفق النقدي، وخطر الركود الطويل الأمد، والتخلّف عن سداد الديون. ويتطلع الكثيرون إلى بنوك التنمية للمساعدة على تحقيق التعافي المُستدام.
هناك ما يقدر بنحو 400 بنك تنمية في جميع أنحاء العالم، بأصولٍ مُجتمعة تبلغ 11 تريليون دولار. وهي تتراوح من الهيئات العالمية مثل البنك الدولي، إلى المؤسسات الإقليمية مثل بنك التنمية الآسيوي، وبنك التنمية لأميركا اللاتينية، إلى المُقرضين الوطنيين مثل بنك قطر للتنمية وبنك التنمية للفلبين.
تتم رسملتها في المقام الأول من قبل الحكومات، ولكن مع بعض الإقراضِ المُموَّل من القطاع الخاص، تُقدّم بنوك التنمية عموماً التمويل بشروطٍ تفضيلية للمشاريع التي قد يصعب عليها تأمين الأموال من المُقرضين التجاريين. وقد لعبت هذه المؤسسات دوراً مهماً في مساعدة العديد من البلدان على تحمل الآثار الأولية لـكوفيد-19.
بحلول تشرين الأول (أكتوبر) 2020، على سبيل المثال، التزمت بنوك التنمية الإقليمية الأربعة الرئيسة – بنك التنمية الأسيوي، وبنك التنمية الأفريقي، والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، وبنك التنمية للبلدان الأميركية- معاً بصرف نحو 50 مليار دولار.
تم توزيع هذا التمويل على نطاق واسع. على سبيل المثال، ساعد البنك الأفريقي للتنمية بلداناً عدة على تلبية متطلبات موازناتها، لكنه دعم أيضاً مبادرات أكثر استهدافاً، مثل قرض بقيمة 225 مليون يورو للتنمية المستدامة للكهرباء في مصر، و20 مليون دولار لدعم اللاجئين والدول المضيفة لهم في منطقة الساحل، و3 ملايين دولار لقطاع الزراعة في توغو لتعزيز الأمن الغذائي.
من الاستجابة إلى التعافي
إجتمعت جميع بنوك التنمية العامة في العالم في مؤتمر تاريخي في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الفائت، وأصدرت بياناً مشتركاً لتأكيد التزامها “بالتغيير الجَماعي لاستراتيجياتنا وأنماطنا الاستثمارية وأنشطتنا وطرائق تشغيلنا للمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وأهداف اتفاقية باريس في سياق الاستجابة لأزمة كوفيد-19”.
حدّد هذا البيان طريقة تكييف هذه المؤسسات لاستجاباتها، والانتقال من إدارة الأزمات إلى التكتيكات القائمة على التعافي المُستدام والنمو متوسط الأجل.
الآن، بعد مرور عام على التفشّي الأوّلي لفيروس كورونا -ومع إطلاق اللقاح في جميع أنحاء العالم- يُنظّر إلى بنوك التنمية بشكل متزايد على أنها مفتاح الانتعاش والتعافي في العديد من البلدان.
يدعم البعض منها الجهود المبذولة لتطوير وتقديم اللقاحات. على سبيل المثال، دعم بنك التنمية الأسيوي العديد من مشاريع الاستجابة الطبية خلال العام 2020 ، لكنه ركّز هذا العام بشكل أكبر على اللقاحات.
في منتصف شهر آذار (مارس)، وافق البنك عينه على قرض بقيمة 400 مليون دولار للفلبين، ما جعل البلاد أول مُتلقٍّ للدعم في إطار برنامج تسهيل الوصول إلى اللقاح في منطقة آسيا والمحيط الهادئ الذي أطلقه البنك – والذي يهدف إلى توفير دعمٍ سريع ومُنصف للبلدان الأعضاء النامية في شراء وتسليم لقاحات كوفيد-19 الفعّالة والآمنة.
في مكانٍ آخر، أعلن البنك في أواخر نيسان (أبريل) الماضي عن منحة قدرها 50 مليون دولار لأفغانستان لدعم برنامج التطعيم الخاص بها. كما قام بنك التنمية الآسيوي أيضاً باستثمارات طويلة الأجل تتعلق بتصنيع اللقاحات والرعاية الصحية بشكل عام.
وبالمثل، وافق البنك الأفريقي للتنمية في نيسان (إبريل) على طلب استجابة كوفيد-19 بقيمة 10 مليارات دولار لمساعدة بلدان عدة على تعزيز أنظمة الرعاية الصحية الخاصة بها، فضلاً عن استقرار اقتصاداتها وتطوير شبكات الأمان الاجتماعي.
وكانت القروض الأخرى التي قدمتها بنوك التنمية أخيراً أكثر اتساعاً.
في نهاية شباط (فبراير)، وافق بنك التنمية الجديد، وهو مؤسسة أنشأتها دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) على قرض طارئ بقيمة 1.1 مليار دولار للصين لدعم انتعاشها الاقتصادي. كان هذا هو ثاني قرض يُقدّمه بنك التنمية الجديد للصين، حيث تم صرف القرض الأول – الذي كان بالحجم نفسه – بالكامل في العام الماضي.
وفقاً لبنك التنمية الجديد، فإن هذا القرض “سيدعم استعادة الإنتاج وخلق فرص العمل في البلاد”، فضلاً عن “المساهمة في التنمية المستدامة للاقتصاد الصيني في المدى الطويل”. وسيستهدف قطاعات من بينها التجارة واللوجستيات والزراعة والصحة والبنية التحتية، فضلاً عن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
إعادة البناء المُستدام
تُعَدُّ الاستدامة مقياساً رئيساً للمشاريع المُمَوَّلة من بنوك التنمية، حيث يُمثّل التعافي الأخضر مفتاحاً لرؤية العديد من البلدان لمستقبل ما بعد فيروس كورونا.
أطلق بنك التنمية الأفريقي أخيراً “منصة كوفيد-19 للتعافي خارج الشبكة”، وهي عبارة عن منصة تمويل مختلطة بقيمة 50 مليون دولار لمدة خمس سنوات تهدف إلى توفير رأس المال العامل لشركات الوصول إلى الطاقة بشروط أقل من السوق. الهدف المُعلَن للمشروع هو “تعزيز الوصول إلى الكهرباء النظيفة وضمان انتعاش اقتصادي أخضر”.
وفي الوقت عينه، من المتوقع أن تتضاعف استثمارات بنك التنمية الأفريقي في الزراعة أربع مرات من متوسط سنوي قدره 612 مليون دولار إلى حوالي 2.4 ملياري دولار بحلول العام 2024، مع هدف الأموال تحويل النُظُم الغذائية.
في آسيا، يقدم “مرفق التمويل الأخضر التحفيزي لرابطة أمم جنوب شرق آسيا” (ASEAN Catalytic Green Finance Facility)- المموَّل جزئياً من بنك التنمية الآسيوي ومختلف بنوك التنمية الأوروبية – قروضاً ومساعدة فنية لمشاريع البنية التحتية الخضراء السيادية بشأن النقل المستدام والطاقة النظيفة وأنظمة المياه المرنة.
بدأ تشغيل المرفق في نهاية العام 2019، ما يعني أنه في وضعٍ جيد للاستجابة لكوفيد-19. مثالٌ على مشروع ما بعد جائحة فيروس كورونا الذي موّله هو مشروع “Epifanio de los Santos Avenue Greenways” في الفلبين، والذي يهدف إلى إنشاء ممرات للمُشاة مُقاوِمة للكوارث على طول أكثر الطرق ازدحاماً في مانيلا.
على نطاق أوسع، يهدف المرفق إلى مساعدة دول جنوب شرق آسيا على التعافي اقتصادياً من الوباء من خلال تطوير مشاريع صديقة للمناخ.
وفي أماكن أخرى، تُساهم بنوك التنمية في إحداث تحوّلات هيكلية كبيرة.
كما وجدت “أسواق العرب” من خلال يحثها، أنه كان هناك ارتفاع عالمي في إصدار السندات الخضراء استجابة لـكوفيد-19.
في أميركا اللاتينية، يهدف بنك التنمية للبلدان الأميركية (Inter-American Development Bank) إلى تعزيز هذا التطور من خلال منصة “غرين بوند” للشفافية، وهي أداة رقمية تستخدم تقنية بلوك تشين (blockchain) لدعم تنسيق تقارير السندات الخضراء وتوحيدها.
الإنتعاش والجنس
كما تتصدى مصارف التنمية للتحديات المتعلقة بنوع الجنس (الجندرة).
وفقاً لمركز التنمية العالمية البحثي، تُظهر مجموعة كبيرة من البيانات أن النساء تأثرن بشكل غير متناسب بأزمة كوفيد-19. وتتراوح أسباب ذلك من حقيقة أن بعض القطاعات الأكثر تضرراً -من بينها السياحة والتجزئة- كانت تلك التي تهيمن فيها النساء كموظفات ورائدات أعمال، الأمر الذي أدى إلى زيادة عبء الرعاية الملقى على عاتق العديد من النساء طوال الوباء.
وقد وجد مركز التنمية العالمية أن 81 ٪ من مشاريع الاستجابة لفيروس كورونا التي تديرها بنوك التنمية متعددة الأطراف قد أدرجت مؤشرات أو أهدافاً مُتعلّقة بالنوع الاجتماعي. وفي الوقت نفسه، في ما يتعلق بالفرص الاقتصادية التي أتاحتها جهود التعافي، من بين 48 مشروعاً مُتعلّقاً بالانتعاش الاقتصادي تمت مراجعتها من قبل مركز التنمية العالمية، كانت أهداف 39 منها تتعلق بإدماج الإناث.
على الرغم من أنه لا يزال هناك الكثير مما يتعيّن القيام به، فمن المُشجِّع -كما يُلاحظ مركز التنمية العالمية- أن “بنوك التنمية تدرك أن هناك فرصة كبرى متاحة لها لدعم مشاريع التعافي من فيروس كوفيد-19 التي ستساعد على إنهاء عدم المساواة بين الجنسين في الوضع الاقتصادي وعلى نطاق أوسع على الرفاه”.
- باسم رحّال، صحافي من أسرة “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.