عَدَمُ المُساواةِ بَينَ الجنسين يَجعَلُ الكوارِثَ الطبيعية أكثر فتكًا بالنساء
في الوقت الذي تحشدُ الحكومات وعمّال الإغاثة جهودهم للاستجابة للدمار الذي أحدثه الزلزال الأخير في ميانمار، يجب عليهم الانتباه إلى الطُرُق التي تُشكّلُ بها الأعراف الجنسانية الأبوية تجارب النساء ونقاط ضعفهنَّ في المجتمعات المتضرّرة.

هيلاري ماتفيس*
في أواخر آذار (آذار)، ضرب زلزالٌ هائل “ميانمار”، مما أسفر عن مقتل أكثر من 3,000 شخص وإصابة 4,500 آخرين في البلاد وتايلاند المجاورة، وأثقل كاهل نظام الرعاية الصحية في المنطقة. وبينما يواصل عمال الإغاثة والإنقاذ انتشال الضحايا من تحت الأنقاض ورعاية الجرحى، بدأ البعضُ يوجّه انتباهه إلى أوجُه القصور في الاستجابة الإنسانية الدولية للكارثة، بالإضافة إلى ممارسات البناء الرديئة التي أدّت إلى أضرارٍ كارثية في بعضِ الحالات.
على الرُغم من أنَّ الزلازل ليسَت مُرتَبِطة بالمناخ، إلّا أنه من المُتَوَقَّع أن تشتَدَّ الكوارث الطبيعية الأخرى بسبب تغيُّر المناخ، الأمر الذي يدفع العديد من الحكومات وصانعي السياسات والناشطين حول العالم إلى الدعوة إلى تخطيطٍ أكثر استباقية لمواجهة الكوارث. ويجب أن يشملَ جُزءٌ من هذا التقييم مُراعاة الطرق التي تؤثر بها معايير النوع الاجتماعي (الجندر أو الجنس) في مدى استعداد الأفراد للكوارث الطبيعية، واستجاباتهم لهذه الأزمات، وحياتهم في أعقابها.
الجنس والاستعداد
ليست النساء بيولوجيًا أكثر عُرضةً للوفاة جرّاء الكوارث الطبيعية، ومع ذلك، تُزهِقُ هذه الكوارث أرواحًا أكثر بين الإناث منها بين الذكور. وقد أشارَ تقريرٌ صادرٌ عن البنك الدولي في العام 2021 إلى أنَّ “الفجوات بين الجنسين في الوصول إلى المعلومات المُتعلِّقة بالتأهُّب والاستعداد للكوارث، والوصول إلى الملاجئ العامة، وقيود التنقل” كلّها عوامل تُسهِمُ في هذا النمط الراسخ. وعلى وجه الخصوص، تُكلّفُ الأعرافُ الجندرية، التي تُقسِّمُ العالمَ إلى مساحاتٍ مُختلفة للرجال والنساء، الإناثَ حياتهن حرفيًا خلال الكوارث الطبيعية.
تُدركُ النساء البنغلاديشيات جيدًا العبء غير المُتناسب الذي تُلقيه هذه الأحداث على عاتقهن. ففي العام 1970، ضربَ إعصارُ “بهولا” اليابسة، مُسفِرًا عن مقتل ما يقرب من 300 ألف شخص. ومع ذلك، مقابل كلِّ رجلٍ فَقَدَ حياته نتيجة الإعصار، لقيت 14 امرأة حتفها. وفي العقود التي تلت إعصار “بهولا”، كرّست بنغلاديش وقتًا وموارد وطاقة كبيرة لتحسين استعداد البلاد للكوارث. عندما ضرب إعصار “سيدر” اليابسة في العام 2007، اتضحت فوائد كل هذا الاستعداد. تشير التقديرات إلى أنَّ أقلَّ من 4,000 شخص فقدوا أرواحهم. ولكن بينما كانت نسبة الرجال إلى النساء الذين لقوا حتفهم أقل فظاعة، إلّا أنها لم تكن قريبة من التكافؤ: مقابل كل رجل مات نتيجة “سيدر”، فقدت خمس نساء حياتهن.
وكان من أهم التغييرات التي أجرتها بنغلاديش بين إعصارَي “بهولا” و”سيدر” لتحقيق هذا التقدُّم الكبير، وإن كان غير كافٍ، هو إشراك النساء في جهود التخطيط للكوارث. وذكر تقريرٌ للبنك الدولي في العام 2014 أنه قبل إصلاح البلاد لبرامجها، “كانت النساء، بغالبيتهن، يقضين أوقاتهن في المنزل، مسؤولات عن الأطفال وكبار السن، ومعزولات ثقافيًا واجتماعيًا. لقينَ حتفهن في الأعاصير لأنهنَّ لم يسمعنَ التحذيرات، أو لأنهنَّ اضطررن إلى إعالة أنفسهنَّ والآخرين. ولم تكن الكثيرات منهنَّ ليُخلين منازلهنَّ بدون أزواجهنَّ أو رجال آخرين يرافقونهن”. لقد أدى تمكين المرأة كـ”بطلة الاستعداد” وتخصيص أماكن في الملاجئ للنساء والفتيات فقط إلى تحسين قدرة البلاد على مواجهة الكوارث الطبيعية بشكلٍ عام، واستفادت النساء والفتيات على وجه الخصوص.
الجنس والاستجابة
هناك أيضًا أدلّة على اختلاف سلوك الرجال والنساء عند وقوع الكوارث الطبيعية. على سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات أنه خلال زلزالَين في تركيا في العام 2020، “اتخذت النساء في الغالب تدابير وقائية وأظهرن سلوكًا إنسانيًا”، بينما تجمّدَ الرجال في أماكنهم أو انصرفوا. وتشيرُ الدراسة إلى أنَّ “النساء يملن إلى اللجوء إلى الآخرين، بينما لم يُلاحَظ هذا التوجُّه لدى الرجال”. على الرُغم من محدودية نطاق هذه الدراسة، فإنها تشيرُ إلى أنه في حين أنَّ ردَّ فعل الرجال على الكوارث الطبيعية قد يكون “كل رجل لنفسه”، فإنَّ النساء لا يتمتّعن برفاهية الاهتمام بأنفسهن تمامًا حتى عند وقوع الكارثة.
يمكن أيضًا فرض الأدوار الجندرية التقليدية بحماسٍ مُفاجئ أثناء عملية التعافي من كارثةٍ طبيعية، حيث تُدفَعُ النساء نحو المنزل، بينما يُعرَّفُ المجال العام وجهود التعافي بأنهما “مكان الرجل”. في الواقع، في أعقاب العديد من الكوارث الطبيعية والظواهر الجوية المتطرّفة، يُتَوَقَّعُ من النساء تولّي أدوارٍ ومسؤولياتٍ جديدة في المجتمع، مع الاستمرار في القيام بالعمل الجندري الذي لطالما كنّ مسؤولات عنه. أشارت إحدى الدراسات التي أُجريت حول التعافي من الكوارث الطبيعية في الفلبين عقب العاصفة الاستوائية “سيندونغ” في العام 2011 إلى أنَّ “جهود إعادة الإعمار بعد الكوارث تفرضُ ضمنيًا معايير وتوقّعات جنسانية على النساء بأن يكنّ ناكرات للذات ويقمن برعاية الآخرين. وفي المقابل، تُدفع النساء للعمل المجتمعي مقابل أجرٍ زهيد جدًا كمكافأة لهنَّ على التزامهن بالقيم”. وبالتالي، تعتمد جهود الإغاثة من الكوارث على مساهمات النساء، لكنها لا تُقدّر هذه الجهود كثيرًا.
هذا هو الحال حتى في البلدان التي تُعتَبر “مساواتية” نسبيًا بين الجنسين. على سبيل المثال، خلال حريق غابات في السويد في العام 2014، “حظيت النساء بالثناء والتقدير على الطهي وصنع الشطائر والاستماع”، ولكن “نُظِرَ إليهن بريبةٍ وتساؤل” عندما انخرطن في أعمال ذات طابعٍ ذكوري. من ناحيةٍ أخرى، كان الرجال أكثر ميلًا للمشاركة في فرق الإنقاذ، حيث “تلقّوا الثناء والتقدير على عملهم الشاق في مكافحة الحرائق”. وكان عملُ الرجال في مكافحة الحرائق وإعادة بناء البنية التحتية المدمَّرة أكثر وضوحًا من مساهمات النساء في هيكل الدعم الذي يجعل إعادة الإعمار ممكنًا، مما عزز بشكلٍ أكبر فكرة المجال العام باعتباره مساحة ذكورية.
أو لننظر إلى عواقب إعصار كاترينا في الولايات المتحدة في العام 2005. كان تقسيم السلطة داخل المنزل قبل الإعصار يعني أنه على الرُغمِ من رغبة النساء غالبًا في إخلاء الكوارث قبل الرجال، إلّا أنَّ تفضيلاتهن ربما لم تكن هي المسيطرة. ونتيجةً لذلك، وجدن أنفسهن لا يزلن في نيو أورلينز عندما انهارت السدود ودُمِّرت المدينة. ووفقًا لراشيل لوفت، أستاذة علم الاجتماع في جامعة سياتل، والمتخصّصة في دراسات المرأة والجنس والنوع الاجتماعي، اتسمت جهود التعافي اللاحقة بـ”تثمين العمل البدني، وبيئة عسكرية داخل وخارج مخيمات الطوارئ، والعدد غير المتناسب من الرجال في مدينةٍ لا تزال تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية”، والتي ترى لوفت أنها اندمجت لتُنتج “رجولة كارثية” همّشت النساء، وخصوصًاً النساء ذوات البشرة الملوَّنة. تقتبس لوفت أيضًا من أورسولا برايس، وهي امرأة سوداء وقائدة منظمة “شوارع آمنة، مجتمعات قوية” المجتمعية في نيو أورلينز، وصفها للعديد من الرجال المشاركين في جهود التعافي بأنهم “بارعون جدًا في الأفكار الكبيرة… لكنهم لم يرغبوا في القيام بالعمل”. ونتيجةً لذلك، رسّخت عملية التعافي بعد الإعصار التسلسل الهرمي القائم على أساس الجنس والعرق، حيث كان يُتوَقّع من النساء ذوات البشرة الملونة القيام بالعمل الشاق في إعادة الإعمار، بينما كان الرجال مسؤولين عن “الأفكار الكبيرة” والجوانب الأكثر بريقًا في عملية الإعمار.
الجندر والضعف بعد الكوارث
إنَّ عدم دمج الاعتبارات الجنسانية في جهود التعافي يمكن أن يُفاقم أوجه عدم المساواة القائمة وهشاشة المرأة. على سبيل المثال، وَجَدَ تقريرٌ صادرٌ عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة، يتناول زلزال العام 2023 في شمال غرب سوريا، أنَّ الأُسَر التي تُعيلها نساء شهدت انخفاضًا حادًا في الحصول على الغذاء مُقارنةً بالأُسَر التي يعيلها رجال. علاوة على ذلك، لاحظَ التقريرُ أنَّ التهديدات السابقة لرفاهية المرأة لم تنخفض، بل ربما تكون قد تفاقمت في أعقاب الزلزال، حيث أفادت نسبة 73% من النساء بأنَّ “العنفَ المنزلي قد زاد أو ظلَّ على حاله مُقارنةً بالسابق”، وأكّدت 70% أنَّ “العنفَ المجتمعي ضد المرأة قد زاد أو ظل على حاله منذ الزلزال”.
وبالمثل، أدّى تصميمُ المساعدة من قبل الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ (FEMA) التابعة للحكومة الأميركية في أعقابِ إعصار كاترينا إلى جعل النساء أكثر عُرضةً للعنف المنزلي. تشير لوفت إلى أنه “نظرًا لأنَّ الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ توزّعُ أموالَ الطوارئ على الأُسَر وليس على الأفراد، فإنَّ الشركاء الذكور السيئين أو المنفصلين عن زوجاتهم يحصلون على حصة النساء من دعم الحياة الأساسي بعد الكوارث”.
في الوقت الذي تحشد الحكومات وعمال الإغاثة جهودهم للاستجابة للدمار الذي أحدثه الزلزال الأخير في ميانمار، يجب عليهم الانتباه إلى الطرق التي تُشكّلُ بها الأعراف الجنسانية الأبوية تجاربَ النساء ونقاطَ ضعفهنَّ في المجتمعات المتضررة. ولكن يجب عليهم أيضًا دمج الدروس العديدة المُستفادة من هذه المآسي وغيرها من المآسي المُماثلة حول العالم في خططهم الخاصة للاستعداد وجهود الإغاثة في الداخل، وذلك لمنع إلحاح الاستجابة للطوارئ من إغفال أهمية التأهب للكوارث وتقديم المساعدة التي تُراعي الفوارق بين الجنسين عند وقوع الكوارث.
- هيلاري ماتفيس هي أستاذة مساعدة في كلية جوزيف كوربل للدراسات الدولية في جامعة دنفر. وهي أيضًا زميلة في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، وباحثة في مختبر أبحاث تطبيق السياسات الدولية، وزميلة أولى غير مقيمة في برنامج أفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. صدر لها أخيرًا كتابها الثاني بعنوان “في الحب والحرب”.
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.