غالبيةُ الأميركيين تُؤيِّدُ اتفاقًا نوويًّا مع إيران

إذا أبرم الرئيس دونالد ترامب اتفاقًا مع إيران يُقيِّدُ قدراتها النووية لأغراضٍ سلمية، مع رقابةٍ صارمة، فمن المرجّح أن يحظى بتأييدٍ واسع من الرأي العام الأميركي، حيث تُؤيد غالبيةٌ كبيرة من الديموقراطيين والجمهوريين اتفاقًا تفاوضيًا، بينما لا يؤيد سوى 14% فكرة العمل العسكري الأميركي لتدمير البرنامج النووي الإيراني.

الرئيس دونالد ترامب: مُنجَذِبٌ إلى احتمالية التجارة مع إيران.

شِبلي تلحمي*

خلال رحلته إلى الشرق الأوسط، تناول الرئيس دونالد ترامب إحدى القضايا التي كانت تُشغِلُ بالَ مُضيفيه: السياسة تجاه إيران. لا شكَّ أنَّ المناقشات تجاوزت البرنامج النووي الإيراني بكثير، إذ تشعر الدول العربية، وخصوصًا دول الخليج، بقلقٍ كبير من النفوذ الإيراني عبر وكلائها، لا يقل عن قلقها بشأن برنامجها النووي. وكما ذكرتُ قبل سنوات، فبينما تشاركت الدول العربية مخاوفها مع إسرائيل بشأن تنامي النفوذ الإيراني، اختلفت أولوياتها، إذ ركّزت إسرائيل على التهديد النووي الإيراني المُتَصَوَّر، بينما أبدى العرب قلقهم الأكبر بشأن قدرات إيران التقليدية والسياسية.

هذه المرة، من المرجح أن يكون ترامب استمعَ إلى مخاوف بشأن النفوذ الإيراني الإقليمي وضرورة احتوائه، ولكنه استمعَ أيضًا إلى معارضةٍ عربية واسعة النطاق لتوجيه ضرباتٍ مُوَسَّعة ضد إيران في محاولةٍ لتدمير برنامجها النووي. وكما أخبرني وزير خارجية عربي زار أخيرًا واشنطن قبيل زيارة ترامب إلى المنطقة، تخشى الدول العربية أن تُؤدي مثل هذه الخطوة إلى زعزعة الاستقرار بشكلٍ كبير.

في الوقت نفسه، اتَّضَحَ أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يُفضّلُ شَنَّ ضرباتٍ عسكرية مشتركة أميركية-إسرائيلية، أو على الأقل بدعمٍ أميركي، ضدّ المنشآت العسكرية الإيرانية، في محاولةٍ لتدمير برنامجها النووي بالكامل. وحتى مع استمرارِ الولايات المتحدة في مفاوضاتها مع إيران، بقيادة مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، كانت إسرائيل قلقة بشأنِ اتفاقٍ يهدفُ إلى حصرِ البرنامج النووي الإيراني في برنامج سلمي، إذ أنها تُفضِّل تفكيكه بالكامل.

هل باتَ الاتفاقُ مع إيران وشيكًا؟

حتى قبل زيارة ترامب، أشار بعض التقارير إلى احتمالِ التوصُّل إلى اتفاقٍ ناشئ، يُشبه خطة العمل الشاملة المشتركة، التي تفاوضت عليها إدارة الرئيس باراك أوباما وانسحب منها ترامب في ولايته الأولى، حيث تُركّزُ على الحدِّ من تخصيبِ اليورانيوم الإيراني تحت رقابةٍ دولية صارمة. وقد أعقبت هذه التقارير تصريحاتٌ إسرائيلية مُعرِبة عن قلقٍ كبير، والتي أعقبها ترامب بدوره باتخاذ موقفٍ يبدو أكثر صرامة: حيث أعلن الرئيس الأميركي أنه لن يقبلَ إلّا ب”التفكيك الكامل” للبرنامج النووي الإيراني.

لكنَّ السياسةَ الأميركية قد لا تكون مُتصلّبة كما تبدو؛ فقد أعربَ ترامب عن انفتاحه على برنامجٍ نوويٍّ إيراني سلمي، وصرحَ وزير الخارجية ماركو روبيو بأن المبدأ الأساسي هو عدمُ جواز امتلاك إيران لسلاحٍ نووي، مما زاد من الغموض. ويبدو من غيرِ المُرَجَّح أن تُوافق إيران على التفكيك الكامل لبرنامجها النووي، وهو ما استبعدته طهران مرارًا. إنَّ جعل هذا الأمر هدفًا للسياسة الأميركية قد يضعُ واشنطن على مسار المواجهة العسكرية مع طهران.

في تصريحاته في منطقة الخليج، ألمح ترامب إلى إطارٍ مُحتَمَل لاتفاق: “لقد وافقت إيران نوعًا ما على الشروط: لن يُنتِجوا، كما أُسميه، بطريقة ودّية، غبارًا نوويًا. لن يُنتَجَ أيُّ غبارٍ نووي في إيران”.

ما رأيُ الشعب الأميركي في خيارات السياسة الأميركية تجاه إيران؟

تناولت الجولة الأخيرة من استطلاع جامعة ميريلاند للقضايا الحرجة، الذي أُديره، هذا السؤال. أُجري الاستطلاع بالتعاون مع خدمات إعداد التقارير لـ”SQL Server” أو (SSRS)، على منصّة “Opinion Panel Omnibus” الخاصة بها. جرى الاستطلاع في الفترة من 2 إلى 5 أيار (مايو) 2025، على عَيِّنة من 1,008 مُستجيبين، بهامش خطَإ  يبلغ:+/-3.7%.

في ما يلي نتيجتان رئيسيتان:

أوّلًا، قال أكثر من ثلثي المُستجيبين، 69%، إنهم يُفضّلون اتفاقًا تفاوضيًا يُقيّدُ البرنامج النووي الإيراني لأغراضٍ سلمية، مع رقابةٍ صارمة، بينما قال 14% فقط إنهم يُفضلون اتخاذَ إجراءٍ عسكري في محاولةٍ لتدمير البرنامج النووي الإيراني؛ فيما قال 18% إنهم لا يعرفون.

من الجوانب البارزة في هذه النتيجة تضييق الفجوة الحزبية. في حين أيّدَ 78% من الديموقراطيين مسارَ الاتفاق التفاوضي، وافقَ عليه 64% من الجمهوريين و67% من المستقلّين. وفي الوقت نفسه، أيّدَ 24% من الجمهوريين العمل العسكري في محاولةٍ لتدمير البرنامج النووي الإيراني، وكذلك فعل 13% من المستقلّين و5% من الديموقراطيين.

ثانيًا، سعينا إلى استطلاع الرأي العام الأميركي بشأنِ الانتشار النووي في الشرق الأوسط. ركّزنا سؤالنا على دولتين: إسرائيل، الدولة الوحيدة التي يُفتَرَضُ امتلاكها أسلحة نووية، وإيران، الدولة الوحيدة التي يُفتَرَضُ أنها قريبة من تطويرها. طلبنا من المشاركين اختيار أحد الخيارات الأربعة الأقل خطورة على الاستقرار في الشرق الأوسط: أن تمتلكَ إسرائيل فقط أسلحة نووية؛ أو أن تمتلكَ إيران فقط أسلحة نووية؛ أو أن لا يمتلك أيٌّ منهما أسلحة نووية؛ أو أن يمتلك كلاهما أسلحة نووية.

أفادَ أكثر من ثلثي المشاركين، أي 69%، بأنهم يُفضّلون ألّا يمتلك أيٌّ من الدولتين أسلحة نووية، بينما فضّل 10% أن تمتلكَ إسرائيل وحدها أسلحة نووية، وفضّل 6% أن تمتلكَ كلتا الدولتين أسلحة نووية، وفضّل 1% أن تمتلك إيران أسلحة نووية فقط. مرة أخرى، وبالنظر إلى الانقسام الحزبي العميق الحالي في السياسة الأميركية حول معظم القضايا، فإنَّ الفجوة الضيِّقة نسبيًا بين الديموقراطيين والجمهوريين حول هذه القضية ملحوظة. فبينما صرّح 75% من الديموقراطيين بأنهم يفضّلون عدم امتلاك أيٍّ من الدولتين أسلحة نووية، قال 63% من الجمهوريين و70% من المستقلين الشيء نفسه. بينما قال 21% من الجمهوريين إنهم يفضلون أن تمتلك إسرائيل فقط أسلحة نووية، بينما قال 7% من المستقلين و5% من الديموقراطيين الشيء نفسه. ولم يُفضِّل سوى 7% من الجمهوريين امتلاك كلا البلدين أسلحة نووية، بينما قال 6% من الديموقراطيين والمستقلين الشيء نفسه.

إلى أين تتجه العلاقات الأميركية-الإيرانية؟

يَفتَرِضُ الخبراء، بطبيعةِ الحال، أنَّ إسرائيل تمتلكُ أسلحة نووية منذ فترةٍ طويلة، بينما لا تمتلكها إيران. ويحتاجُ تأثير هذا على تفكير الرأي العام الأميركي بشأن خيارات السياسة إلى مزيدٍ من البحث، على سبيل المثال، من خلال اختبار ما إذا كان تزويد المشاركين بمعلوماتٍ حول من يمتلك بالفعل أسلحة نووية سيُغيّرُ ردودَ أفعالهم.

عندما تفاوض الرئيس باراك أوباما على خطة العمل الشاملة المشتركة في العام 2015، كان ذلك جُزئيًا بسبب خوفه من أن تجرَّ هذه القضية واشنطن إلى حربٍ مع إيران. وقد تناقضَ تركيزُ نتنياهو على جعل القضية النووية جوهرَ شكاوى إسرائيل تجاه إيران مع معارضي إيران العرب، الذين فضّلوا التركيز على نفوذ إيران وقدراتها التقليدية. في ذلك الوقت، تركَ بعضُ الدول العربية ضمنيًا لنتنياهو، صاحب النفوذ في واشنطن، قيادة جهود احتواء إيران. لقد خابَ أملهم في خطة العمل الشاملة المشتركة -على الرُغم من دعمهم لها علنًا- ليس بسبب انتقاداتهم لتفاصيلها، بل لأنها انفصلت عن مخاوفهم الأكبر بشأن قدرات إيران التقليدية ونفوذها، وخصوصًا من خلال حلفائها الإقليميين ووكلائها.

هذه المرة، تتوافق غريزةُ ترامب المُفتَرَضة لتجنُّب الحرب مع إيران مع الحدِّ من قدراتها النووية واحتواء نفوذها في الشرق الأوسط مع آراء دول الخليج العربية أكثر من الحكومة الإسرائيلية. علاوةً على ذلك، تتمتع دول الخليج الآن بعلاقاتها الخاصة مع البيت الأبيض، والتي ترتكز على صفقاتٍ تجارية واستثمارية تبلغ قيمتها مئات المليارات، بل تريليونات الدولارات، والتي أُعلن عنها خلال زيارة ترامب – وهو فوزٌ كان الرئيس الأميركي في أمسّ الحاجة إليه، نظرًا لعدم شعبية تعريفاته الجمركية. ويبدو أنَّ ترامب مُنجَذِبٌ أيضًا إلى احتمالية التجارة مع إيران.

لكنَّ مسارَ الإدارة الأميركية الفعلي في علاقاتها مع إيران لا يزالُ غير مؤكّد. إنَّ تعهّدها بعدم السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية لا يُنهي الاتفاق، إذ لطالما زعمت إيران أنها لا تسعى إلى امتلاكها. في الواقع، أشار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أخيرًا إلى أنَّ هذا التركيز سيكون موضع ترحيب كأساسٍ للاتفاق. ومع ذلك، بعد عودة الرئيس من جولته في الشرق الأوسط، أعلن ويتكوف، كبير مفاوضي ترامب، أنَّ على إيران التخلّي عن “قدرتها” على تخصيب اليورانيوم كُلِّيًا – وهو أمرٌ رفضته إيران.

الواضح هو أنه إذا أبرم ترامب اتفاقًا مع إيران يُقيِّدُ قدراتها النووية لأغراض سلمية، مع رقابةٍ صارمة، فمن المرجح أن يحظى بتأييد واسع من الرأي العام الأميركي، حيث تُؤيد غالبيةٌ كبيرة من الديموقراطيين والجمهوريين اتفاقًا تفاوضيًا، بينما لا يؤيد سوى 14% فكرة العمل العسكري الأميركي لتدمير البرنامج النووي الإيراني.

  • شبلي تلحمي هو زميل أول غير مقيم في مركز سياسات الشرق الأوسط، ضمن برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينغز. وهو أستاذ كرسي أنور السادات للسلام والتنمية في جامعة ماريلاند.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى