السودان وإثيوبيا على شفير الحرب؟

بقلم كابي طبراني*

التفاؤل الذي بُثَّ في العام الفائت في السودان وإثيوبيا يبدو أنه بات على شفير الإندثار. في الآونة الأخيرة، أعرب الكثيرون عن أملهم وفرحتهم في أن كلا البلدين يتّجهان للدخول إلى عصرٍ جديدٍ من الإستقرار والإزدهار. في السودان، أطاحت ثورة 2019 الديكتاتور عمر البشير، الذي أبقى حُكمُه البلادَ في حالةٍ من الغياب والعزلة والعقوبات لمدة 30 عاماً. في إثيوبيا، كان يُنظَر إلى انتخاب رئيس الوزراء آبي أحمد، الحائز جائزة نوبل للسلام في العام 2018، على أنه خطوة مهمة لإنهاء سنوات من الإحتجاجات العنيفة المُناهِضة للحكومة، والسماح للبلاد بالوصول إلى إمكاناتها الهائلة.

الآن، وصلت التوتّرات بين البلدين بشأن نزاعٍ حدودي طويل الأمد إلى مستويات خطيرة. حذّرت الخرطوم، الأربعاء الفائت، بعد دخول طائرة حربية إثيوبية الأجواء السودانية، أديس أبابا من أن الحادث ستكون له “عواقب وخيمة” على العلاقات الثنائية. جاء ذلك بعد يومٍ من تحذير إثيوبيا للسودان من نفاد صبرها مع الخرطوم لاستمرارها بالحشد العسكري في المنطقة المُتنازَع عليها. وتقع المنطقة المعنية، “الفشقة”، في الأراضي السودانية، وفقاً لترسيمِ حدودٍ جرى في القرن الفائت. ومع ذلك، فإن المنطقة مأهولة بالعديد من المزارعين الإثيوبيين.

وقد وقَعَ حادثٌ مُقلقٌ بشكل خاص يوم الإثنين الفائت، حيث قُتلت خمس نساء سودانيات وطفل في المنطقة في أثناء حصاد المحاصيل. ولا تزال امرأتان في عداد المفقودين. وندّدت وزارة الخارجية السودانية بالهجمات وألقت باللوم على “العصابات” الإثيوبية. إن وحشية مثل هذه الجرائم ضد المدنيين الأبرياء صارت شائعة للغاية، مع وقوع حوادث مُماثلة في منطقة تيغراي الإثيوبية، نتيجة التوترات المحلّية المستمرة. هناك الكثير من القواسم المشتركة بين المُقيمين على جانبَي الحدود ويجب ألّا يقعوا ضحية الخلافات السياسية.

الواقع أن النزاع الحدودي بات يُهدّد بالتحوّل إلى صراعٍ إقليمي، مع احتمال إحداثِ دمارٍ كبير. لا يزال مستوى الوضع الحالي للتوتر بعيداً من حربٍ واسعة النطاق، لكن التدهور الملحوظ في إثيوبيا، الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في القرن الأفريقي، يُعَدُّ أمراً خطيراً جداً ولا يُمكن تجاهله. إلى جانب النزاع الحدودي، فقد أدّى القتال الداخلي الإثيوبي والخلاف مع السودان ومصر حول خطة أديس أبابا لبناء سد “النهضة” على النيل إلى زيادة الضغط والتوتر في المنطقة غير المُستَقِرّة أصلاً. إن وقوع حادث مأسوي واحد يُمكنه أن يؤدي إلى كارثة.

يتمتّع كلٌّ من السودان وإثيوبيا بإمكانات كبيرة يجب ألّا تضيع في صراعٍ جديد. وسيستفيد شعباهما والمنطقة الأوسع من الإستقرار في هذا الإقليم الحيوي.

مع تزايد احتمال تدهور العلاقات الثنائية، فإن دور المنظمات المُتعدّدة الأطراف أمرٌ بالغ الأهمية. ستكون مساهمة الإتحاد الأفريقي ذات أهمية خاصة، لا سيما أنه مُفَوَّضٌ لحماية سلامة الدول في القارة السمراء، وكذلك تعزيز التعاون بين أعضائه.

في أعقاب الكوارث الدولية، نُحدّد حتماً اللحظات التي كان من الممكن أن تؤدي فيها الوساطة المُتعدّدة الأطراف الإستباقية إلى حلٍّ مُبكر. واليوم، فإن الوعود التي قدمتها إثيوبيا والسودان، اللتان شهدتا نهضة سياسية في السنوات الأخيرة، يجب ألّا تضيع بسبب الإستجابة البطيئة من المجتمع الدولي.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير “أسواق العرب”. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى