“كوفيد-19” يَسرُقُ فرحةَ العيد

بقلم كابي طبراني*

خلال الأسابيع القليلة الفائتة، تنهّد الناس في كل أصقاع العالم الصعداء مع تحقيق العلم والأبحاث خطوة مُتقدّمة في الحرب ضد فيروس “كوفيد-19”. مع اقتراب عيدَي الميلاد ورأس السنة الجديدة، إنتشر الأمل في أن تكون نهاية العام 2020 رمزاً لانتصار البشرية على أصعب فصل في الوباء.

بينما يُعتَبَر التقدّم الذي حصل مُهماً ويستحق الإحتفال، فإن الأخبار الأخيرة الواردة من أوروبا قد كبحت تفاؤل العالم. فقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، يوم السبت الفائت، عن فرضِ إجراءات إغلاقٍ “من المستوى 4” – وهو الإجراء الأكثر صرامة الذي يُمكن أن تتخذه الحكومة للسيطرة على الفيروس – على أجزاءٍ كبيرة من جنوب شرق بريطانيا، بما فيها العاصمة لندن. بالنسبة إلى الناس في هذه المناطق، تبدّدت آمالهم بالإحتفال، ولو بشيءٍ يشبه عيد الميلاد العادي.

في أماكن أخرى من القارة العجوز، أصبحت إيطاليا أحدث دولة تأمر بالإغلاق خلال فترة الأعياد. في هولندا، تمّ فرض إجراءات صارمة على أمستردام منذ خمسة أسابيع. كما ستدخل ألمانيا أيضاً في إغلاق في عطلة عيد الميلاد. في فرنسا، يواصل الرئيس إيمانويل ماكرون التعافي من الفيروس، في حين يتوقّع الخبراء عدم عودة البلاد إلى طبيعتها حتى خريف 2021.

خلال مؤتمر صحافي للإعلان عن القيود الجديدة، سُئل كبير المسؤولين الطبّيين في المملكة المتحدة، الدكتور كريس ويتي، عمّا سيقوله للأشخاص الذين حزموا حقائبهم لزيارة الأسرة في موسم الأعياد. أجاب: “أفرغوا حقائبكم وابقوا في منازلكم”.

يوضّح ردّ الدكتور “ويتي” تقييم الحكومة الصريح للمنعطف الحرج الذي تقف عنده بريطانيا الآن. إن مخاوف البلاد تتركّز راهناً على الإنتشار السريع لطفرة جديدة للفيروس، تصل سرعة عَدوَته إلى 70 في المئة أكثر من ذي قبل. هناك قلقُ أيضاً في الدوائر الرسمية البريطانية من تضاؤل انضباط الناس بالإلتزام بالإجراءات. وبينما تشير مفاوضات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي إلى عدم ظهور أي علامات على حدوث انفراجة، يضطر جونسون إلى مواجهة الإحتمال الوشيك بعدم وجود صفقة مع الإتحاد الأوروبي والتداعيات الإقتصادية الخطرة المترتبة عن ذلك. مثل هذه الإضطرابات، التي تأتي في الوقت عينه الذي تحدث فيه موجة ثالثة مُحتَملة من الإصابات بفيروس كورونا، سيكون من الصعب للغاية عليه إدارتها. لذلك، مهما كان الأمر مؤسفاً، من الضروري كبح جماح احتفالات هذا العام.

مع ذلك، يجب ألّا يفقد الناس الأمل. يتوقّع أهل الطب أن اللقاحات التي يتم طرحها في العديد من البلدان يُمكن أن تكون فعّالة في مكافحة الطفرة الجديدة من الوباء كما هو الحال مع السلالات القديمة. إن المجتمع العلمي يكتشف المزيد حول كيفية عمل الفيروس وانتشاره كل يوم، وسيكون ذلك ضرورياً لحماية الأرواح والوظائف. كلّ هذا يعني أنه يمكن للحكومات حالياً تكريس المزيد من الجهود للتخطيط للتعافي بعد الجائحة.

إن اضطراب الإحتفالات الدينية، بالإضافة إلى المعالم الشخصية، في جميع أنحاء العالم هي حقيقة من حقائق الحياة مع الفيروس. هناك راحة يجب البحث عنها عند التفكير في الرسائل المركزية التي تقوم عليها. في قلب قصة الميلاد، تكمن فرحة قدوم مولود جديد في مذودٍ فقير حاملاً الأمل والسلام والمحبة لكل البشرية خلال شتاءٍ قاسٍ بشكل خاص.

نظراً إلى أننا بدأنا الخروج من أسوأ تداعيات الفيروس، فإن الإرهاق وعدم الإنضباط ليسا خياراً. هذان الأمران يُشكّلان أهمية عالمية، ولكن أيضاً شخصية، حيث أن ضبط النفس في موسم الأعياد هذا يزيد من فرصة قضاء عيد الميلاد المقبل في العام 2021 أكثر فرحاً ومرة أخرى مع العائلة والأصدقاء والأحباء. في غضون ذلك، يجب أن نضع في اعتبارنا أنه في تقاليدنا العظيمة، فإن المشقّة ودروسها تُوسّع آفاقنا واحتفالاتنا. من خلال تحمّلنا الصعوبات، نبني الإيمان والأمل في مستقبل أفضل.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير “أسواق العرب”. يُمكن متابعته عبر تويتر: @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى