عُمَان تَلعَبُها بأمان مع إسرائيل

توقّع كثيرون من الخبراء أن تكون سلطنة عُمان واحدة من الدول العربية التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل، ولكن يبدو أن لمسقط أسبابها وحساباتها التي تمنعها راهناً من الإقدام على ذلك.

السلطان قابوس مع بنيامين نتنياهو: الزيارة التي أغضبت إيران

بقلم كريستيان كوتس أولريشسين* وجيورجيو كافيرو*

منذ 13 آب (أغسطس) الفائت، إنتشرت تكهّنات بأن سلطنة عُمان ستتبع قريباً الإمارات العربية المتحدة وتُضفي طابعاً رسمياً على علاقاتها مع إسرائيل. ومع ذلك، على الأقل حتى الآن، رفضت مسقط الإنضمام إلى الإمارات والبحرين والسودان، في تطبيع العلاقات مع تل أبيب.

كدولة عربية مُعتدلة، حيث التسامح هو جُزءٌ لا يتجزّأ من الروح الوطنية والمذهب الإباضي في الإسلام، يبدو أن عُمان تُحافظ على موقفٍ متوازنٍ بالنسبة إلى الإتجاه العربي العام نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل. إن ردّ فعل مسقط الإيجابي على اتفاقات إبراهيم ليس تغييراً كبيراً في الإستراتيجية وهو أكثر توضيحاً لموقف عُمان الطويل الأمد من التطبيع. كانت السلطنة واحدة من ثلاث دول أعضاء فقط في جامعة الدول العربية رفضت اتخاذ إجراءات ديبلوماسية ضد مصر في أعقاب معاهدة كامب ديفيد للسلام في العام 1979. وعلى عكس دول الخليج العربية الأخرى، فقد احترمت عُمان دائماً حقّ مصر في إضفاء الطابع الرسمي على علاقات كاملة مع إسرائيل.

التوازن العُماني

يعمل الديبلوماسيون العُمانيون باستمرار لمساعدة الجهات الفاعلة في جميع أنحاء الشرق الأوسط على إيجاد حلولٍ سلمية للأزمات الإقليمية. إن موقف السلطنة المُعتدل الذي حوّلها إلى “جزيرة حياد” في منطقة مُضطربة جعل من مسقط جسراً ديبلوماسياً موثوقاً به بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والولايات المتحدة وإيران، والدول العربية وإيران. في نهاية المطاف، من أجل الإستمرار في لعب هذا الدور البنّاء في صنع السلام، يجب على عُمان أن تُحقّق توازناً دقيقاً، ويُمكن أن يؤدي توقيع اتفاقية مع إسرائيل إلى القضاء على ذلك بطرق مختلفة – بشكل رئيس حرق الجسور مع بعض الفصائل الفلسطينية. وفي حين تواجه عُمان العديد من التحديات الإقليمية والمحلية، من المرجح أن تنتظر مسقط فترة أطول قبل إضفاء الطابع الرسمي على علاقاتها مع الدولة اليهودية.

بدايةً، العامل الإيراني هو المفتاح. كانت عُمان دائماً الدولة العضو في مجلس التعاون الخليجي الأكثر حساسية لمصالح إيران الأمنية. بصفتها العضو الوحيد في المجلس الذي كان محايداً في الحرب الإيرانية-العراقية (1980-1988) والدولة الخليجية العربية الوحيدة التي تشارك في مناورات عسكرية مشتركة مع إيران، فقد قامت عمُان بموازنة نفسها جيوسياسياً بعناية بين طهران والرياض. على مدى سنوات عديدة، قامت العلاقات العُمانية-الإيرانية على أساس الإحترام والثقة المُتَبادلَين. وسلطان عُمان الجديد، هيثم بن طارق آل سعيد، حريصٌ على الحفاظ على علاقة بلاده الممتازة مع إيران، والتي يمكن أن يضرّها اتفاقٌ ديبلوماسي بين عُمان وإسرائيل.

تُدرك مسقط أن طهران تنظر إلى اتفاقات إبراهيم على أنها تهديدٌ للأمن القومي الإيراني. ولن يؤدي اتفاقٌ عُماني-إسرائيلي إلّا إلى تعميق مثل هذه المخاوف الإيرانية، والسلطنة لا تسعى في هذا المجال إلى زيادة شعور الجمهورية الإسلامية بالضعف. إن طهران قلقة بالفعل من العلاقة غير الرسمية بين عُمان وإسرائيل منذ عقود – وتجلّى ذلك في حالة نادرة من الإنتقاد العلني للسلطنة من قبل الحكومة الإيرانية بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مسقط في تشرين الأول (أكتوبر) 2018.

نهجُ مسقط المبدئي والصبور

يُعالج المسؤولون العُمانيون معضلات السياسة الخارجية من خلال تفكيرٍ طويل المدى. تتجنّب مسقط التحرّكات المُفاجئة والمُندَفِعة الهادفة إلى جذب الإنتباه والضجة المؤقتة. بدلاً، تُركّز عُمان على العمل بثبات نحو سلام دائم – وهي عملية غالباً ما تكون مُحبِطة ومُؤلِمة تتطلب الصبر وسنوات عديدة من الديبلوماسية الهادئة. كانت خطة العمل الشاملة المشتركة في العام 2015 مثالاً بارزاً للديبلوماسية العُمانية الناجحة للقنوات الخلفية، حيث سهّلت مسقط المحادثات الأميركية-الإيرانية الأولية في 2012-2013. من وجهة نظر عُمان، فإن تطبيع العلاقات مع إسرائيل – حتى لو كان ذلك مرغوباً فيه من وجهات نظر التجارة والسياحة والإستثمار وما إلى ذلك – سيكون أمراً سابقاً لأوانه. إن موقف مسقط هو أن الإتفاق مع إسرائيل يتطلب موافقة تل أبيب على مبادرة السلام العربية.

من المُرجّح أن يكون توقيت تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين مع تل أبيب مُرتبطاً بالإنتخابات الرئاسية الأميركية المُقبلة. مع تحقيق دونالد ترامب إنتصارات ديبلوماسية قليلة نسبياً في الشرق الأوسط خلال فترة تولّيه منصبه، فقد منحته قرارات أبوظبي والمنامة إنتصاراً في السياسة الخارجية أشاد به المُشَرِّعون على جانبي الإنقسام الحزبي الأميركي- وهو أمرٌ نادر الحدوث بالنسبة إلى ترامب. ومع ذلك، كما أن عُمان حسّاسة بشأن تدخل الدول الأجنبية في شؤونها الداخلية، فإنها تبذل قصارى جهدها لتجنُّب اتخاذ أي موقف إلى أي جانب في السياسة الداخلية الأميركية. إن هذا الحياد يخدم مصالح عُمان في القدرة على العمل بشكل وثيق مع أي إدارة، بغض النظر عن الحزب. وهذا يعني أن قرار السلطنة بشأن إسرائيل لن يكون موجهاً للتأثير في أي نتيجة انتخابات أميركية.

إستمرارُ السياسة الخارجية العُمانية بعد قابوس

من خلال تأجيل إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل، يُحافظ السلطان هيثم على استمرارية السياسة الخارجية العُمانية. على الرغم من أن هذا العام شهد تغييرات كبيرة في الحَوكَمة، مع وفاة السلطان قابوس وتنحّي يوسف بن علوي من ولايته التي استمرت لأكثر من 30 عاماً كوزير مسؤول عن الشؤون الخارجية، فإن أساسيات نهج مسقط في السياسة الدولية لا تزال راسخة. لقد تلقّت مبادرة السلام العربية دعم عُمان منذ أن أعلنها ولي العهد السعودي (آنذاك) الأمير عبد الله بن عبد العزيز قبل 18 عاماً في بيروت، والزعيم العُماني الجديد لم يُغيِّر، ولا يبدو أنه سيُغيِّر، هذا الموقف المبدئي.

وزير الخارجية الجديد (المنصب الذي تبنّاه السلطان قابوس، على الورق، خلال فترة حكمه الطويلة)، السيّد بدر بن حمد البوسعيدي، كان نائب بن علوي منذ فترة طويلة، وهو ضليعٌ في الموازنة الدقيقة التي استمرت لعقود، السمة المُميّزة لسياسة عُمان الخارجية. وقد خدم كلٌّ من السيد بدر ويوسف بن علوي في وزارة الخارجية العُمانية مغ السلطان هيثم الحالي، الذي كان أمينها العام بين العامين 1994 و2002. وفي محاضرة ألقاها في العام 2003 لمركز فكري في بروكسل، لخّص السيد بدر “الطريقة العُمانية” الديبلوماسية عندما قال: “نُحاول الإستفادة من موقعنا الوسيط بين القوى الأكبر لتقليل احتمالية الصراع في جوارنا المباشر (…) يُمكننا خلق مساحة لأفعالنا. وعلاوة على ذلك، ويبدو لي أن هذا أمرٌ بالغ الأهمية، في تلك المساحة بالتحديد – أي الدول الصغيرة – قد نكون قادرين على التصرّف بطرق لا يستطيع الآخرون القيام بها”.

البيان الصادر عن الحكومة العُمانية بعد الإعلان عن إقامة البحرين علاقات كاملة مع إسرائيل، في 11 أيلول (سبتمبر) الفائت،  تُجسّد نهج عُمان الدقيق والحذر: “… هذا المسار الاستراتيجي الجديد الذي اتّخذته بعض الدول العربية سيُسهم في تحقيق السلام على أساس إنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية”.

إن رسالة الإستمرارية هذه أكثر أهمية نظراً إلى الوباء المُستمر والأزمة الإقتصادية في عُمان، ما يجعل من المهم للسلطنة أن تُبرز صورةً هادئة للبلاد وأن “العمل كالمعتاد”. بعبارة أخرى، لا تعتقد مسقط أن هذا هو الوقت المناسب لبدء مشاريع سياسية خارجية جديدة محفوفة بالمخاطر في منطقة مجهولة. من المرجح أن تتحوَّط عُمان في رهاناتها في المدى القصير حيث ستنتظر لترى ما سيحدث في واشنطن بعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية، وكيف ستنتهي اتفاقات إبراهيم والصفقة السودانية الإسرائيلية اللاحقة.

في المستقبل، هل يُمكن أن تقع ضغوطٌ خارجية على مسقط لتحذو حذو أبو ظبي والمنامة والخرطوم في فتح علاقات رسمية مع إسرائيل؟ نعم. هناك سببٌ للإعتقاد بأن الولايات المتحدة والإمارات ستلعبان أوراقاً لتحفيز عُمان بعد قابوس على تطبيع العلاقات مع الدولة اليهودية. إذا تفاقمت المشاكل الإقتصادية في السلطنة، فقد يكون من الصعب عليها الإلتفاف على مثل هذا الضغط. ومع ذلك، إذا رغب المسؤولون الأميركيون الوقوف إلى جانب شريكتهم منذ فترة طويلة وسط فترة صعبة تميّزت بتداعيات وباء كوفيد-19 وانخفاض أسعار النفط، فسيتعيّن على واشنطن دعم نهج مسقط في التقارب مع إسرائيل القائم على شروط وظروف عُمانية خاصة.

  • كريستيان كوتس أولريشسن هو زميل متخصص بشؤون الشرق الأوسط في معهد بيكر بجامعة رايس. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @Dr_Ulrichsen. وجيورجيو كافيرو هو الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة “غولف ستايت أناليتيكس” (Gulf State Analytics)، وهي شركة استشارية للمخاطر الجيوسياسية ومقرها في واشنطن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @GiorgioCafiero .الآراء الواردة في هذا المقال خاصة بالكاتبين وتُمثّلهما.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى