إنقاذ الفرقاء لا المبادرة
بقلم راشد فايد*
خلافاً لما يُرَوِّجه البعض، فإن مبادرة الرئيس سعد الحريري إلى التصدّي لتشكيل حكومة “المهمة” لا تنطوي على عملية إنقاذ لمسعى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، بقدر ما هي مسعى إنقاذ للطبقة السياسية اللبنانية العليلة من غيابها عن وعي مسؤوليتها عما وصلت إليه البلاد من عفن سياسي وإداري، وتبديد مالي، وسقوط نقدي واقتصادي، وتدهور اجتماعي. لكن ذلك يستوجب سؤال أهلها عمّا إذا كانوا قادرين على التراجع عما اقترفوا، حتى الآن، من إعتداء على شؤون البلاد والعباد، وهم الذين لم يوقظهم من غفلتهم، الإختيارية، لا انتفاضة تشرين الأول (أكتوبر) 2019، ولا انفجار مرفأ بيروت، في 4 آب (أغسطس) 2020على عظمة أضراره، وأعداد ضحاياه، من قتلى وجرحى ومُشرّدين من منازلهم، وهول المآسي الأهلية المتأتية عنه، وهم الذين “تمسَحوا” قدّام تدهور قيمة الليرة، وتدحرجها، بلا توقف، أمام العملات الكبرى، وكذا العملات الدنيا في دول العالم.
لا تخدم الوقائع تفاؤل المُتفائلين، وإن كان حقهم الإنساني أن يكونوا على هذه الحال، ولا أملك سوى التعاطف مع تفاؤلهم، وإلّا على اللبنانيين أن يترجموا، إلى انتحار جماعي، قنوطهم من الراهن من تسرّب قدراتهم المالية، وانحدار الغالبية العظمى منهم إلى ما دون خط الفقر. فمن هذه الوقائع، أن صفاقة القوى السياسية لم تتح استيعابها أهمية تعهدات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بدعم لبنان، ومساعدته، بكل السبل، من أجل تنفيذ إصلاحات رئيسة بنيوية، والعمل على إعادة بناء ما أحدثه الإنفجار في المرفأ، وإنهاء أزمة الكهرباء، وإصلاح البنك المركزي، والنظام المصرفي، وتوفير دعم المجتمع الدولي بتقديم مساعدات مالية. وبرغم زيارته الأولى إلى لبنان بعد يومين من الإنفجار في المرفأ، والثانية في أول أيلول (سبتمبر) بعد أقل من شهر على الأولى، لم يتزحزح السياسيون قيد أنملة عن نظرتهم الشخصانية إلى حال البلد، ولم يتحرّك لديهم أي حسّ بالوطنية، على حساب مصالحهم وغطائها الطائفي.
لم تنفع في زحزحتهم عن لا مبالاتهم صراحة ماكرون في لا ثقته بالطبقة السياسية وبالدولة في حالتها الراهنة، وقد أكّد ذلك حين أوضح، كما الأميركيين، أن المساعدات ستأتي إلى الشعب مباشرة عبر المنظمات الأهلية، وألحّ على ضرورة تشكيل حكومة، أفشل استمرار العقل السياسي على تخلفه، وكأن مسار الحياة لا يعبر نفق الكوفيد 19، وسقوط القوة الشرائية للبنانيين، وطبعاً، وقوع انفجار في المرفأ.
يعتقد لبنانيون أن الحريري بترشّحه لتشكيل حكومة إنقاذية إنما يُنقذ مبادرة الرئيس الفرنسي. الحقيقة أنه يُنقذ السياسيين من قصورهم عن وعي مسؤوليتهم الوطنية، وتالياً إجهازهم على كل أمل في إنقاذ الوطن وبنيه.
نهاية تشرين الأول (أكتوبر) تقترب، وقد اتّخذ ماكرون منها موعداً لتنظيم مؤتمر، برعاية الأمم المتحدة، لدعم لبنان، على أن تُشَكَّل حكومة من اختصاصيين ومهنيين، ولم يهمل الإشارة إلى ملف الفساد واستعداد فرنسا لسياسة العقوبات.
- راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @Rached.Fayed
- صدر هذا المقال في الوقت عينه في صحيفة “النهار” اللبنانية.