هل تستطيع عُمان المحافظة على دورها الإقليمي بعد قابوس في زمن التحدّيات والتغيير؟

تولّى السلطان هيثم بن طارق آل سعيد سدّة الحكم في سلطنة عُمان في فترة عصيبة انتشرت فيها الحروب في المنطقة، وقد فاقمت الجغرافيا من التحديات التي قد تواجه السلطان الجديد، حيث يجاور اليمن التي تشهد حرباً وإيران الواقعة تحت تهديد الولايات المتحدة في ظل دونالد ترامب، فضلاً عن مشاريع بعض القوى الإقليمية والتي تجعل المنطقة في حالة توتر دائمة.

الوزير بدر البوسعيدي: هل يستطيع الحفاظ على نهج عُمان المتوازن في الشؤون الدولية؟

 

بقلم بايلي ويندر*

خلال فترة حكمه التي دامت 50 عاماً، حوّل السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد عُمان من دولةٍ إنعزالية إلى دولةٍ تجاوزت وزنها في الشؤون الدولية. ميّزت السلطنة نفسها كلاعبٍ قادرٍ على الحفاظ على علاقاتِ عملٍ قوية مع كل الدول في جميع أنحاء الشرق الأوسط، على الرغم من المنافسات الشرسة والصراعات العميقة. إن تركيز مسقط على السياسة الخارجية المُتوازنة وحلّ النزاعات والوساطة الماهرة يجعلها فريدة بين الحكومات العربية.

عندما وافت المنية السلطان قابوس في كانون الثاني (يناير) 2020، كانت تلك اللحظة عميقة لبلدٍ مرتبطٍ إلى حدٍّ بعيد بحاكمه. أصبح أسلوب قيادته وشخصيته مَركَزِيَين في الهوية العُمانية مثل أي رئيس دولة لأمته. من الواضح أن خليفته سيكون لديه حذاءٌ كبير لينتعله. تولى العاهل الجديد، السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، السلطة في عامٍ شهدَ مُعاناة غير مسبوقة. لقد أجبرت تحديات مزدوجة، سبّبها وباءٌ عالمي (كوفيد-19) وانخفاض أسعار النفط، دول مجلس التعاون الخليجي على اتخاذ تدابير جذرية. وتأثرت عُمان بشكل خاص لأنها لا تملك الموارد الطبيعية أو الاحتياطات المالية اللازمة لتحمّل فترة طويلة من الصعوبات التي تُعاني منها معظم دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى التي تملك موارد ضخمة.

بيئة صعبة

الواقع إنه عامٌ مُرهقٌ بشكل خاص للتحوّل في القيادة. عُمان، مثل دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، تُكافح مع قضايا الموازنة غير المسبوقة والأسئلة الخطيرة حول آفاقها الإقتصادية. وبالتالي، لا يُمكن للسياسة الخارجية أن تكون نشطة ومُموَّلة تمويلاً جيداً في المستقبل المنظور. في حالة السلطنة على وجه الخصوص، فإن هذا له آثار كبيرة على بقية دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط والقوى الخارجية مثل الولايات المتحدة. كانت السياسة الخارجية العُمانية المستقلة والإبداعية بمثابة دفعة للمنطقة المشحونة بعدم الإستقرار. والآن، فإن الجمع بين السلطان الجديد والمحن الهائلة يعني أن السياسة الخارجية المُميّزة لمسقط قد تتضاءل.  لقد ارتبطت شهرة العُمانيين في المنطقة إلى حدٍّ كبير بعقود حكم السلطان قابوس والعلاقات الشخصية التي تم ترسيخها بعناية. سوف يستغرق السلطان هيثم وقتاُ وجهدًا كبيرين للعمل نحو مكانة مماثلة.

داخل دول مجلس التعاون الخليجي، فإن خطورة الأزمة الاقتصادية في عُمان لا تُضاهيها إلّا أزمة البحرين. ولكن على عكس عُمان، لدى البحرين دولة خارجية أكثر ثراءً توفر تياراً ثابتاً من الدعم: المملكة العربية السعودية. يشكل انخفاض أسعار الطاقة ضغطاً كبيراً على السلطنة، حيث يُمثّل النفط والغاز حوالي 70 في المئة من الإيرادات و60 في المئة من الصادرات. ومما يزيد من تعقيد قضية الإعتماد على الموارد الطبيعية، أن عُمان إحدى الدول التي لديها فئة عمرية من السكان الأصغر في العالم ومعدل بطالة الشباب يزيد عن 13٪. وتتوقع وكالة “فيتش” أن يبلغ العجز المالي للسلطنة هذا العام 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وأن يصل الدين الحكومي إلى 80 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. علاوة على ذلك، بسبب كوفيد -19، فإنه وقت صعب للغاية لمحاولة التنويع، كما أن صناعات النمو الواعدة مثل السياحة قد تضرّرت بشدة.

مجلس الدولة في البلاد هو بصدد صياغة قوانين لإدخال ضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل. ومع ذلك، في منطقة مُعتادة على الإعانات الحكومية السخية وبيئة خالية من الضرائب، من المرجح أن تؤدي هذه الخطوات إلى صراع سياسي. وسط هذه الأزمة الاقتصادية والمالية العميقة، فإن أكثر المصادر منطقية للمساعدات التي تشتد الحاجة إليها هي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتان تُمثّلان معاً ما يقرب من ثلاثة أرباع الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي. ستكون المساعدة على نطاق واسع من السعوديين والإماراتيين مفيدة للغاية حيث تحاول مسقط الحفاظ على اقتصادها عائماً وواقفاً على قدميه، ولكن من المحتمل أيضاً أن تأتي هذه المساعدة بتكلفة من حيث السياسة الخارجية. سيحاول هذان المُقرضان استخدام نفوذهما للضغط على عُمان للإنضمام إليهما بشكل أوثق في مسائل السياسة. وتُثير هذه الثغرة الشكوك حول استدامة دور عُمان كحَكَمٍ مُحايد.

العلاقات مع السعودية والإمارات

الإمارات العربية المتحدة، على وجه الخصوص، شريك تجاري مهم لعُمان. في العام 2018، كانت أكبر دولة عربية للصادرات العُمانية وأكبر مَصدَرٍ للواردات العُمانية (35 في المئة من الإجمالي). في السنوات العديدة الماضية، أصبح الإماراتيون أكثر نشاطاً على جبهة السياسة الخارجية. شكّل ولي العهد في أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود تحالفاً قوياً يمارس نفوذه في جميع أنحاء الشرق الأوسط وما ورائه. سواء كانت صريحة أو ضمنية، فإن المساعدة من وليّي العهد هذين ستكون مصحوبة بضغط لدعم طموحات سياستهما الخارجية.

تتباعد الكتلة السعودية-الإماراتية وسلطنة عُمان حول العديد من نقاط السياسة الخارجية، بما في ذلك الحرب في اليمن والعلاقات مع إيران والحصار القطري. لم تنضم عُمان إلى التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن في العام 2015 وركّزت بدلاً من ذلك على الوساطة والجهود الإنسانية هناك. على عكس السعوديين والإماراتيين، تُحافظ عُمان على علاقة عمل مع إيران ولا تصف طهران بأنها خصم واضح. منذ أن بدأ السعوديون والإماراتيون وغيرهم حصاراً على قطر في العام 2017، لم ترفض عُمان المشاركة في الحصار فحسب، بل زادت في الواقع من ارتباطها بالدوحة. في العام 2018، زادت التجارة بين السلطنة وقطر بأكثر من 100٪ مقارنة بالعام السابق.

على الرغم من الأهمية الإقتصادية، غالباً ما تكون العلاقات العُمانية-الإماراتية متوترة سياسياً. في 2018 (وكذلك 2011)، إعتقلت عُمان أعضاء في حلقة تجسس متطورة تدعمها أبو ظبي. يسود شكٌّ واسع في عُمان حول تدخل إماراتي في شؤونها الداخلية. كما سعى الإماراتيون إلى التعدّي على سيادة شبه جزيرة مسندم العُمانية، وهي معقل عماني ذو موقع استراتيجي يطل على مضيق هرمز ويحد الإمارات العربية المتحدة. لدى البلدين تاريخ من النزاعات الإقليمية، وفي حادثة غير عادية، قُتل مواطنٌ عُماني برصاص السلطات الإماراتية على الحدود في كانون الثاني (يناير) 2020.

دور عُمان الإقليمي

إذا أصبحت السياسة الخارجية العُمانية أقل استقلالية وحيادية، فإن ذلك سيجعل من الصعب على الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الأخرى مثل الاتحاد الأوروبي التعامل بشكل فعّال مع الشرق الأوسط. كانت عُمان واحدة من أكثر اللاعبين فاعلية في تطور الإتفاق النووي الإيراني. خلال تصريحاته في يوم تنفيذ الاتفاق، قال وزير الخارجية الأميركي في حينه جون كيري جزئياً: “اليوم، بعد أكثر من أربع سنوات من سفري لأول مرة إلى عُمان بناءً على طلب الرئيس أوباما لاستكشاف ما إذا كان نوع المحادثات النووية الذي دخلناه في النهاية مع إيران كان ممكناً”. وقدم العُمانيون قناة خلفية لطهران وسهّلوا تحويل مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية. عملت عمان أيضاً كوسيط خلال المفاوضات الأميركية-الإيرانية بشأن الأسرى. في العام 2017، زار الرئيس الإيراني حسن روحاني مسقط، مما عكس رغبة عُمان في الإنخراط والتواصل مع الإيرانيين على مستوى عالٍ.

بينما لعب آخرون دوراً عكسياً في اليمن، كان لسلطنة عُمان تأثير إيجابي بشكل عام. أشاد مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن مارتن غريفيث بعُمان للعبها “دوراً محورياً” في مساعدة اليمنيين. كما لعب العُمانيون دوراً بنّاءً في المفاوضات العربية-الإسرائيلية واستضافوا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مسقط في العام 2018.

إستمرار أم تغيير في عهد السلطان هيثم؟

في أول تصريحات علنية له كرئيس للدولة، وعد السلطان هيثم بدعم السياسة الخارجية لسلفه. وقال: “عازمون على السير على نهج السلطان قابوس والبناء عليه، وسوف نرتسم خط السلطان قابوس في السياسة الخارجية. سنحرص على حسن الجوار والتعاون الدولي وعدم التدخل في شؤون الغير، وسنكون من الداعين إلى حلّ الخلافات بالطرق السلمية”. لكن قول ذلك سيكون أسهل من فعله في ظل الظروف الحالية، وقد يسعى التحالف السعودي-الإماراتي إلى استغلال حاجة عُمان إلى الموارد المالية للحدّ من استقلال سياستها الخارجية.

قد لا يكون من قبيل المصادفة أنه في غضون أيام من التعبير عن دعمها للقرار الإماراتي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، حصلت عُمان على قرض بقيمة 2 ملياري دولار بتنسيق من بنك أبوظبي الأول (وكذلك بنك مسقط). قد تكون هذه علامة على ما سيأتي للعلاقات بين مسقط وأبو ظبي. من المؤكد أن دولة الإمارات الغنية بالطاقة ترغب في رؤية عُمان تتماشى معها بالنسبة إلى المسائل الإقليمية من خلال اتخاذ خطوات مثل تقليص مستوى مشاركتها وانخراطها مع قطر وإيران.

والجدير بالذكر أنه في 18 آب (أغسطس)، عيّن السلطان هيثم، سيّد بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي، وزيراً جديداً للخارجية في البلاد، كجزء من تعديل وزاري أوسع شمل أيضاً وزيراً جديداً للمالية. ويتناقض هذا مع حكومة السلطان قابوس، الذي ترأس بنفسه وزارة الخارجية، حيث شغل يوسف بن علوي بن عبد الله منصب الوزير المسؤول عن الحقيبة. على الرغم من أن السلطان هيثم يتمتع بخبرة واسعة في الشؤون الخارجية، بعد أن عمل وكيل وزارة وأمين عام الوزارة، فإن هذا التعيين الجديد هو وسيلة لتحقيق اللامركزية. ينقل السلطان هيثم السلطة إلى أفراد آخرين عبر العديد من الوزارات، مما يجعل وزير الخارجية البوسعيدي وآخرين أكثر مسؤولية عن التنفيذ. البوسعيدي، مثل بن عبد الله من قبله، مُتخصّص في السياسة الخارجية منذ فترة طويلة ويأمل في مواصلة نهج البلاد المتوازن في الشؤون الدولية.

في حين استفادت إدارة أوباما بشكل كبير من السياسة الخارجية لسلطنة عُمان، إلا أن إدارة ترامب لم تُولي الكثير من الإهتمام للسلطنة. يُركّز الرئيس دونالد ترامب في الغالب في انخراطه مع دول مجلس التعاون الخليجي على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. خلال رئاسة ترامب، أصبح الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد أكثر جرأة وأقل خضوعاً للتدقيق من جانب واشنطن بسبب سلوكهما. إلى حد ما، أساء ترامب إلى العُمانيين من خلال الالتزام بعلاقة مع الكتلة السعودية-الإماراتية التي كانت عالية الحماس ومنخفضة بالنسبة إلى المساءلة.

من مصلحة أميركا الاستراتيجية أن تُحافظ عُمان على استقلال سياستها الخارجية. لا تستضيف عُمان قاعدة عسكرية أميركية أو تشتري كميات ضخمة من الأسلحة الأميركية مثل بعض دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، لكنها لاعب إقليمي مهم له تأثير كبير. كانت السلطنة أيضاً شريكاً عسكرياً أميركياً مهمّاً منذ فترة طويلة، بما في ذلك استضافة المنشآت العسكرية الأميركية في ثمريت وجزيرة مصيرة وتزويد البحرية الأميركية بمنفذ للوصول إلى موانئ الدقم وصلالة. إذا تم انتخاب جو بايدن رئيساً، فمن المُحتمل أن تتبنّى الولايات المتحدة نظرة جديدة تجاه دول مجلس التعاون الخليجي تكون أكثر توازناً وتجلب العُمانيين إلى الحوار إلى مستوى أكبر. إذا أراد الرئيس المستقبلي بايدن إعادة التزام الولايات المتحدة بشكل ما من أشكال الاتفاق النووي-الإيراني، فمن المحتمل جداً أن تكون مسقط جزءاً رئيساً من المعادلة، كما كانت في المرة الأولى. على جبهة اليمن، يمكن أن يعمل الرئيس بايدن والسلطان هيثم معاً لمحاولة معالجة أكبر أزمة إنسانية في العالم بشكل هادف. ومع ذلك، فإن ما يتبقى هو ما إذا كانت عُمان قادرة على الحفاظ على نهجها التقليدي في السياسة الخارجية أم لا.

  • بايلي ويندر طالب ماجستير في إدارة الأعمال في جامعة أكسفورد ومحلل خليجي مستقل. عمل في السياسة الإيرانية في وزارة الخارجية الأميركية وكان باحثاً في برنامج فولبرايت في الكويت. تشمل الاهتمامات البحثية لويندر العلاقات بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي والقضايا الإقتصادية الإقليمية. الآراء الواردة في هذا المقال هي آراؤه الخاصة.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى