أحجِموا عن التصفيق

بقلم مروان المعشّر*

أطلق إعلان الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل عن تطبيع العلاقات الديبلوماسية والإقتصادية بينهما تردّدات واسعة في أوساط وسائل الإعلام الدولية، لكنه لم يحظَ بالحماسة نفسها في الشرق الأوسط، ناهيك في المناطق والأوساط الفلسطينية.

من المُهم تسليط الضوء على ما لا يُقدّمه الإتفاق. فخلافاً لما تُصوّره الولايات المتحدة وإسرائيل ودولة الإمارات، هذا ليس اتفاقاً لدفع عملية السلام نحو الأمام، بل الهدف منه ببساطة هو خدمة المصالح الثنائية الإماراتية-الإسرائيلية، وتحويل العلاقات التي كانت تجري في السرّ تحت الطاولة لسنوات عدّة إلى علاقات علنية. والإنجاز الذي أعلنت عنه الإمارات – بأن الإتفاقَ أفضى إلى تجميدِ الخطوة الإسرائيلية الآيلة إلى ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية في مقابل التطبيع مع الإمارات – ليس إنجازاً على الإطلاق، بل يُذكّر بالتعهّد الذي قطعه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن في العام 1978 بتجميد النشاط الإستيطاني لمدة ثلاثة أشهر في إطار اتفاق السلام المصري-الإسرائيلي. ونعلم جميعنا ما حدث بعد ذلك.

لقد أطلقت الإمارات حملة علاقات عامة من أجل إدراج قرارها في إطارٍ مرتبط بالسلام. وهذا ما يفعله أيضاً الرئيس دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ويُصوّر بعض الأصوات في الولايات المتحدة التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي بأنه اختراق أساسي في الطريق نحو تسوية النزاع العربي-الإسرائيلي. إنه ليس كذلك على الإطلاق، ولا يُمكن خداع شعوب المنطقة، وإليكم الأسباب:

لم تكد تنقضي بضع ساعات على الإعلان، حتى انبرى نتنياهو عبر التلفزيون الإسرائيلي ليقول إن إسرائيل ستمضي قدماً في تنفيذ خطط الضم في الضفة الغربية بغض النظر عن الإتفاق. كما أن خطة السلام التي أطلقها ترامب والتي كانت طلائع الخطط التي دعت إلى الضم وشجّعت نتنياهو على السير في ركابه، لم توضَع على الرف بعد توقيع الإتفاق الإماراتي-الإسرائيلي. بكلمات أوضح: لم يتغيّر شيء.

تبقى الفكرة الجوهرية نفسها، وهي إن أي اتفاق سلام لا يكون هدفه إنهاء النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، من خلال تطبيق حلّ الدولتين، يجب عدم التهليل له وتصويره على أنه إنجازٌ كبير. لقد أقدمت كلٌّ من مصر والأردن على توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل في مقابل استعادة سيناء والأمل بقيام دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية. لا وجود لمثل هذا الأمل في الوقت الراهن. يحق للإمارات وإسرائيل أن تسعيا إلى تحقيق مصالحهما الثنائية، لكن مثل هذه المصالح ليست بديلاً من العمل على إرساء السلام بين الشعبَين المعنيّين مباشرةً بالمسألة، أي الفلسطينيين والإسرائيليين. يجب أن يكون واضحاً أنه يتعذّر تحقيق السلام من دون مشاركة الفلسطينيين أنفسهم، فهم مَن يعيشون تحت الإحتلال.

قد تحذو بلدانٌ خليجية أخرى حذو الإمارات. وسوف تُكرّر إسرائيل مقولة إنها لا تحتاج إلى سلام مع الفلسطينيين بما أنها قادرة على القفز فوقهم وإبرام سلام مع بلدان عربية أخرى. إنه تفكيرٌ قصير المدى ومتوهّم أيضاً. فمن خلال التصفيق للإتفاق عبر تصويره بأنه يُشكّل اختراقاً نحو تحقيق السلام، يُساهم كثرٌ، عن قصد أو غير قصد، في ترويج الوهم بأنه يمكن بلوغ السلام حتى عندما لا يكون هناك سلامٌ بين المحتَل والشعب الرازح تحت الإحتلال.

الخاسر الأكبر من هذا الإتفاق ليس الفلسطينيين، كما يعتقد كثر، بل حلّ الدولتين. لقد بلغنا، للأسف، مرحلةً باتت تعتبر فيها إسرائيل أنها ليست بحاجة إلى إنهاء الإحتلال، ولاتؤمن بحلٍّ ذي صدقية قائم على إنشاء دولتين. لا بل يبدو أنها لا تؤمن بأنها تحتاج إلى السلام مع الفلسطينيين. بيد أن الحكمة تقتضي التفكير في العواقب. فالفكرة المغلوطة التي تعتبر أنه يمكن التقدّم نحو السلام من دون المشاركة المباشرة للفلسطينيين، تساهم في القضاء على الهدف الذي يسعى إليه المجتمع الدولي، وهو حلّ الدولتين.

لقد أدّى هذا الخطأ إلى تحويل التركيز، ولا سيما في صفوف جيل جديد من الفلسطينيين، من الحل المُستند إلى الدولتين إلى الواقع القائم على دولة واحدة. ومن الآن وصاعداً، لن يعود السؤال الفعلي: هل سيتحقّق حل الدولتين ومتى؟ بل: أي شكل سيتّخذه حلّ الدولة الواحدة انطلاقاً من الواقع الراهن: نظام ديموقراطي أم دولة تمييز عنصري؟

علينا أن نُدرك أن النزاع بلغ مرحلةً تتحوّل فيها وجهة التركيز من شكل الحلّ إلى السعي خلف الحقوق، أو بالأحرى المساواة في الحقوق. لقد تسبّب المجتمع الدولي، من خلال تشديده على الشكل على حساب الجوهر، بتبديد النتيجة التي كان يأمل ببلوغها. والآن عليه التعامل مع نضالٍ طويلٍ ودموي سوف يجد الفلسطينيون أنفسهم فيه مضطرين إلى خوضه من أجل الحصول على المساواة في الحقوق.

إذن، قبل التهليل بسذاجة للإتفاق الإماراتي-الإسرائيلي واعتباره اختراقاً باتجاه تحقيق السلام كما يتصوّرونه هم، فليُحجِم أولئك الذين أشادوا بالإتفاق عن التصفيق ويفكّروا بتأنٍّ أكبر في النتيجة التي يُرجَّح أن يقود إليها.

  • مروان المعشّر نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي، حيث يشرف على أبحاث المؤسسة في واشنطن وبيروت حول شؤون الشرق الأوسط. شغل منصبَي وزير الخارجية (2002-2004)، ونائب رئيس الوزراء (2004-2005) في الأردن، وشملت خبرته المهنية مجالات الديبلوماسية والتنمية والمجتمع المدني والإتصالات. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @MarwanMuasher

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى