يا سياسيي لبنان: اعتذِرُوا

بقلم هنري زغيب*

خلال مراجعتي في “المعرض” – صحيفة النائب والوزير والصحافي ميشال زكور الرائدة فترتَئِذٍ في بيروت – سلسلةَ مقالاتٍ عن رجال القلم والسياسة نشرَها الشاعر الياس أَبو شبكة بتوقيع “رسَّام” في ملحق “المعرض” الأُسبوعي، ثم أَصدرها كتابًا بعنوان “الرُسُوم”1 سنة 1931، عثرتُ على مقال كتبَه أَبو شبكة عن رئيس نادي الطيران في بيروت يومئذٍ حبيب طراد، جاء فيه: “دُفِعَتْ إِليه النيابةُ فاشترطَ أَن توافق الحكومة على برنامجه، وبين ما جاء فيه: تصغيرُ حجم الحكومة لتخفيض نفقاتها. وإِذ تنسَّمَت الحكومةُ حيفًا عليها، رفضَت شرطه فاعتذَر عن قبول الحقيبة الوزارية” (“المعرض” – العدد 919 – 1/9/1930). وكان رئيس الجمهورية شارل دباس أَصدر المرسوم 5195 (17/6/1929) بتعيين 15 نائبًا، بينهم حبيب طراد عن المقعد الأُرثوذكسي في بيروت.

حيال ما نشهد في دولة لبنان اليوم من “فضفضة” فاضحة في أَعداد النواب والوزراء، بحثتُ بعدُ في “المعرض” عن هذا الوجيه البيروتي فوجدتُ عنوان: “نائب بيروت يستقيل من النيابة لعدم تطبيق برنامجه الإِصلاحي”، وفي الخبر: “استقال النائبُ حبيب بك طراد من عضوية مجلس النواب مفضِّلًا الابتعادَ عن النيابة في ظل نظامٍ لا يتَّفق مع برنامجه الإِصلاحي، ولأَنه قليلُ الأَمل بمَن يشاركه من أَعضاء المجلس النيابي بالدفاع عن برنامجه النافعِ فكرةَ الاقتصاد التي تُنادي بها البلاد. لقد أَعرضَ حبيب طراد عن الكرسي التي تستهوي الكثيرين من الطامحين إِليها، فأَثبَتَ رأْيه في الغيرة على وطنه، ورفعَ إِلى رئيس الجمهورية كتابًا هذا نصُّه: “فخامة الرئيس، قلَّدتموني شرفًا عظيمًا بالثقة التي أَولَيتمُوني إِياها بتعييني نائباً عن بيروت. ولَكَان يُسعدني أَن أَقف جهودي على خدمة بلادي لو اني كنتُ واثقاً من وُجود كتلةٍ في المجلس النيابي مُصمِّمةٍ على تحقيق هذه الإِصلاحات الدستورية والإِدارية الواجبة للفَلاح العام، إِنما تأَكَّدَ لي أَنَّ ما أَمَّلْتُهُ غيرُ مستطاعٍ تحقيقُه. لهذا أَجدُني مضطرًّا للإعتذار عن قبول الشرف الذي أَوليتمُوني إِياه، راجياً أَن تقْبَلوا إِخلاصي وعرفانَ الجميل. نائب بيروت حبيب طراد” (“المعرض”- الأَحد 14/7/1929 – العدد 874 – ص2).

وفي عدد آخرَ قرأْتُ عنوان “توفير شهرَين من راتب نائب” وفي الخبر: “قرَّرَت الحكومةُ اللبنانية قبولَ استقالة النائب المعيَّن في بيروت حبيب بك طراد بعدما رأَت أَنْ لنْ يجديها الإِلحاحُ عليه بالعدول عن عزمه. وهي لن تُعيِّن خلَفًا له قبل تشرين الأَول/أُكتوبر المقبل، قُبَيل اجتماع المجلس النيابي، لكي توفِّر على خزينة الدولة راتبَ نائبٍ لشهرَين، وهذا نوعٌ من أَنواع سياسة الاقتصاد” (“المعرض” – الأَحد 21/7/1929 – العدد 877 – ص3).

نعم: قبل 90 سنة كان بين السياسيين اللبنانيين مَن رَفَضَ مقعدًا نيابيًّا لأَن الحكومة رفضَت برنامجًا إِصلاحيًّا هيَّأَه يوفِّرُ على الخزينة، فاستقالَ واحتفظَ بكرامته.

هؤُلاء السياسيُّون اللبنانيُّون – الذين اليوم يدَّعون “عفَّة” الإِصلاح ويتقاضَون رواتب “فضفاضة” حتى بَعد انقضاء سنوات نيابتهم – هل لهم بقيَّةٌ من كرامةٍ تَعِظُهم بما حَدَث في لبنان قبل 90 سنة؟

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني مخضرم. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على: www.henrizoghaib.com
  • يَصدُر هذا المقال في أَسواق العرب تَوَازيًا مع صُدُوره في صحيفة النهار” – بيروت.

 

حاشية:

1- الياس أَبو شبكة: “الرسوم”، غلاف رأْفت البُحَيري، الطبعة الأُولى، مطبعة جريدة “المعرض” 1931 – طبعة جديدة عن دار “صنوبر بيروت” 2015.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى