فيروس “كورونا” ينشر وباء القمع في الجزائر

فيما يُعاني الجزائريون من تفشّي وباء “كوفيد-19″، تستغل السلطات في الجزائر فترة الإغلاق والحجز المنزلي لخنق حركة الإحتجاج في البلاد من طريق الترهيب والقمع.

 

الرئيس عبد المجيد تبون: وعوده كانت للإستهلاك

بقلم دالية غانم*

بينما يتّخذ العالم تدابير لمكافحة انتشار فيروس كورونا الجديد، إستغلت حكومات عدة عمليات الإغلاق والعزل التي فرضها الوباء للحدّ من الحريات والحقوق. حكومة الجزائر هي أحد الأمثلة على ذلك.

بعدما اهتزت السلطات الجزائرية جرّاء حركة احتجاجية سلمية غير مسبوقة منذ أكثر من عام، تستغل الآن تفشّي فيروس كورونا للرد على المجتمع المدني والشخصيات المُعارِضة في محاولة يائسة لقمع المُعارَضة وإنهاء الإحتجاجات. إن اعتقال واستدعاء المتظاهرين للذهاب إلى أقسام الشرطة يؤكد أن حقوق الإنسان في الجزائر باتت مُهدَّدة.

بعد انتخابه في كانون الأول )ديسمبر) الفائت، وَعَد الرئيس عبد المجيد تبون بإجراء إصلاحات من أجل تعزيز “الديموقراطية”، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان. كما تعهّد ببدء حوار مع حركة الإحتجاج وإطلاق سراح المُعتَقَلين السياسيين. وفي كانون الثاني (يناير) من هذا العام، أعلنت قناة المؤسسة الوطنية للتلفزيون العامة أنه تمّ الإفراج عن 76 شخصاً من مختلف أنحاء البلاد، من بينهم أحد أبطال حرب الإستقلال، لخضر بورقعة، البالغ من العمر 86 عاماً. ومع ذلك، يُعتَقَد أنّ ما لا يقل عن 173 شخصاً ما زالوا في السجن.

اليوم، على الرغم من تعليق التظاهرات الأسبوعية، لأن الحركة الشعبية وافقت على هدنة خلال فترة العزل والإغلاق في البلاد، إستمرت الإعتقالات التعسّفية التي تستهدف شخصيات المُعارضة والطلاب ونشطاء المجتمع المدني والصحافيين. إعتُقِل عشرات الأشخاص بتُهَمٍ مختلفة مثل “التجمّع غير القانوني” أو “الإضرار بأمن الدولة” أو “الإضرار بسلامة الأراضي الوطنية” أو “توزيع الوثائق التي تضر بالمصلحة الوطنية”. وتكثر القضايا حول النشطاء والطلبة، بمَن فيهم صهيب ديباغي، مزيان كوفي، وأنيس مطري، الذين استدعاهم رجال الشرطة والدرك خلال فترة الحجز والإغلاق.

كما يستخدم النظام القضاء لسجن النشطاء أو وضعهم في الحبس الإحتياطي المُطوَّل بتُهَمٍ كاذبة. هذا ما حصل مثلاً مع سمير بلعربي وسليمان حميطوش وخالد دراريني. ودراريني، الذي يكتب لمراسلين بلا حدود وهو أحد مؤسسي الموقع الإخباري الجزائري “كاسبا تريبيون” (Casbah Tribune)، تم اعتقاله مرات عدة واتُهم في 27 آذار (مارس) بـ”مهاجمة وحدة التراب الوطني”. وقد سُجِن على الرغم من أن القاضي لم يُحدّد مدة سجنه، قائلًا أن ذلك سيتم تحديده بعد حبسه.

وبالمثل، أُلقي القبض على كريم طابو، زعيم الإتحاد الديموقراطي والاجتماعي، الذي لا تعترف به السلطات، وأُطلِقَ سراحه مرات عدة. وقد حُكم عليه في النهاية بالسجن لمدة عام واحد في محاكمة سريعة في 24 آذار (مارس) بتهمة “التحريض على العنف”. وقد أعلنت نقابة المحامين أن محاكمة طابو انتهكت مرسوم وزارة العدل الذي يفرض وقفاً مؤقتاً لجلسات المحاكم من 17 آذار (مارس) حتى 31 آذار (مارس) لمكافحة انتشار “كوفيد-19”.

إن الإعتقال والإحتجاز التعسّفيين للناشطين يضغطان على نظام السجون المُكتظ والمُتداعي أصلاً، مما يُسهّل المزيد من انتشار الوباء. على سبيل المثال، تمّ بناء سجن الحرّاش الرئيسي، الذي نُقِل إليه كلّ من طابو ودراريني، إلى جانب العديد من السجون الأخرى، في العام 1855، وهو راهناً مُكتظٌّ بالسجّناء بشكل كبير. كما أنه يُعاني من نقص في مساحة الأسرّة بالإضافة إلى مشاكل التهوية والنظافة، ناهيك عن الطعام غير الكافي للسجناء. ونتيجة لذلك، يُطالب الأطباء والمحامون بالإفراج الفوري عن السجناء السياسيين وكذلك المُتّهمين بارتكاب جرائم بسيطة.

ومع ذلك، بقيت السلطات صمّاء أمام مثل هذه المطالبات. في الواقع، قامت بمعاقبة موظّفي الدولة الذين أظهروا تساهلاً تجاه المتظاهرين. وهذه هي حالة المُدَّعي العام المُرتبط بمحكمة سيدي محمد في الجزائر، محمد سيد أحمد بلهادي. في شباط (فبراير)، تم نقل بلهادي إلى الوادي، على بعد 600 كيلومتر جنوب شرق العاصمة، لأنه طلب تبرئة ستة عشر مُحتجّاً سلمياً. وقد أدان الإتحاد الوطني للقضاة الجزائريين نقله باعتباره “تهديداً للأمن الدستوري والمهني للقضاة”.

وفي الآونة الأخيرة، في 29 آذار  (مارس)، احتُجز نائب المدعي العام لمحكمة تيارت، جنوب غرب الجزائر العاصمة، بتهمة “تسليم وثائق سرية” إلى صحافي. ونائب المدعي العام هو عضو في نقابة تُناضل من أجل استقلال القضاء. وتنتهك هذه الإجراءات العقابية المبادئ الأساسية لاستقلالية القضاء.

وقد اتّخذت السلطات خطوة أخرى تحت ستار مكافحة الفيروس التاجي. فقد كثّفت حربها على وسائل التواصل الإجتماعي. وتحقيقاً لهذه الغاية، استخدمت مُتصيّدون، وأغلقت حسابات “فايسبوك”، ونشرت معلومات شخصية عن معارضين سياسيين وصحافيين عبر الإنترنت، وكل ذلك لإحراجهم وإخراجهم أو مهاجمتهم وتشويه سمعتهم.

في 17 آذار (مارس)، حذّر الرئيس تبون من أن “نشر معلومات كاذبة ومُضلّلة لنشر الإرتباك وإبقاء المواطن في حالة من القلق والرعب” سيعاقب عليه بشدة. كما أمر وزير الإتصالات باتخاذ كافة الإجراءات لحظر نشر أرقام ومعلومات عن الفيروس التاجي لم تنشرها وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات. على هذا النحو، أصبح الحق في الوصول إلى المعلومات وتبادلها في ما يتعلق بانتشار الفيروس غير قانوني، مما فتح الطريق للقبض على أي شخص يقوم بذلك.

في حين أن مكافحة تفشّي فيروس كورونا قد تتطلّب بعض القيود على الحريات الشخصية، فإن السلطات الجزائرية تستخدم التهديد الصحي لكبح المعارضة، بينما تعود أيضاً إلى عاداتها القديمة المُتمثّلة في التعتيم والإخفاء وتشويه المعلومات. سيؤدي هذا فقط إلى تفاقم أزمة ثقة الجزائريين في دولتهم، إذ من المرجح أن يعانون من تآكل دائم في حرياتهم الأساسية.

  • دالية غانم باحثة مقيمة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت والمديرة المشاركة للعمل المتعلق بالجنس لبرنامج العلاقات المدنية العسكرية في الدول العربية، حيث يتمحور بحثها حول العنف السياسي والمتطرف والراديكالية والإسلاموية والجهادية مع التركيز على الجزائر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى