كورونا يمنح قادة المغرب العربي فترة راحة من الإحتجاجات

قد يكون فيرويس كورونا (Covid-19) قد أعطى حكومات شمال إفريقيا فترة راحة من الإحتجاجات، ولكن من غير المحتمل أن يستمر هذا الأمر طويلاً.

 

إلياس الفخفاخ: تونس تعمل على مواجهة الفيروس ولكن قدرتها محدودة

 

بقلم إنتصار الفقير*

في المدى القصير، من المُرجَّح أن يمنح وباء كورونا (Covid-19) حكومات المغرب والجزائر وتونس فترة راحة من التنافس السياسي والتعبئة والإحتجاجات. لقد كافحت جميعها بدرجات متفاوتة أخيراً مع معارضة شعبية وتحديات لشرعيتها. ولكن في المدى الطويل، حيث تتعامل كل واحدة منها مع التداعيات والتوابع الإقتصادية والسياسية للفيروس، من المرجح أن تعود إلى السطح بقوة مُتجدّدة المسائل عينها بالنسبة إلى المصداقية والكفاءة.

عدد حالات المصابين بفيروس كورونا المؤكدة كان محدوداً في شمال إفريقيا، على الرغم من قرب المنطقة من أوروبا. حتى 20 آذار (مارس)، وفقاً لمركز “جونز هوبكنز لموارد فيروس كورونا” (Johns Hopkins Coronavirus Resource Center)، كانت لدى المغرب 77 حالة مُسجّلة، والجزائر 90، وتونس 54. واعترافاً بضعف أنظمة الرعاية الصحية المُرهَقة، إستجابت الحكومات في البلدان الثلاثة مُبكراً وبقوة للوضع الجديد. أغلقت حدودها، وسمحت بحركة إجتماعية محدودة، وحثّت المواطنين على ممارسة الحبس الإجتماعي أي البقاء في المنازل. أغلقت جميعها الأماكن العامة، بما فيها المؤسسات التعليمية وأماكن العبادة والمقاهي ووسائل النقل العام. كما طلبت من العاملين في القطاع العام غير الضروريين البقاء في منازلهم.

وتخشى البلدان الثلاثة من أن ينتشر الوباء فيها، لأنها تفتقر إلى البنية التحتية أو الموارد أو كليهما للإستجابة لتفشّي المرض. في الجزائر، لا يوجد سوى 1.9 سرير في المستشفى لكل 1000 شخص، مقارنة بمتوسط ​​عالمي يبلغ 2.7. وفي المغرب يبلغ الرقم 1.1. وفي تونس، الأقرب إلى المتوسط ​​العالمي، الرقم 2.3. وبالمقارنة، فهو 2.9 في الولايات المتحدة و 13.4 في اليابان. بينما تفتخر دول شمال إفريقيا بأن غالبية سكانها هي من الصغار والشباب الذين يُحتمل أن يكونوا أقل تأثّراً بالمرض، فإن 6.7 في المئة من سكان الجزائر يتجاوزون 65 عاماً. وفي المغرب 7.1 في المئة. وفي تونس 8.8 في المئة.

في ما يتعلق بتخفيف الآثار الإقتصادية ل”كوفيد 19″، فقد اختلفت الإستجابات. إذا نظرنا إلى عمليات إغلاق الحدود بمفردها، يجب على المغرب وتونس مواجهة خسائر إقتصادية كبيرة التي من المحتمل أن تنتج عن تداعي قطاع السياحة. في المغرب وتونس،  تساهم السياحة بنسبة 19 في المئة و 15.9 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي على التوالي.

أنشأت الحكومة المغربية صندوقاً مالياً لمعالجة ومواجهة الأزمة. كان حجم الصندوق في البداية 10 مليارات درهم، أو مليار دولار، معظمه لتكملة احتياجات قطاع الرعاية الصحية. بالنظر إلى موازنتها المحدودة، شجّعت الدولة التبرعات من رجال الأعمال والمواطنين، مما ساعد على رفع المبلغ إلى 27 مليار درهم، ما يقرب من 2.7 ملياري دولار. لقد شعر المغاربة بالإرتياح وعدم التصديق من سرعة وسخاء التبرعات. وقد أشارت الدولة إلى أنها ستدعم القطاعات المكشوفة والمُعرَّضة وبدأت في وضع آليات لتعويض بعض المواطنين الأكثر ضعفاً وتأثّراً.

واتّخذت الجزائر خطوات مماثلة، حيث قدّمت إجازة مدفوعة الأجر للأمهات، ومنع التلاعب بالأسعار، وتسريع استيراد المواد الغذائية لتجنّب النقص. إن الجزائر هي بلد من نوع آخر حيث أن اقتصادها الذي تُهيمن عليه الطاقة لم يعتمد قط على السياحة أو التصنيع.

في تونس، أنشأت الحكومة صندوقاً مالياً من خلال التبرعات العامة لمكافحة الفيروس. وقد حقق الصندوق حتى الآن حوالي 4 ملايين دينار، أو 1.36 مليون دولار. وقد أعلن رئيس الوزراء التونسي إلياس الفخفاخ في 21 آذار (مارس) عن عدد من الإجراءات الاقتصادية وحزمة مساعدات للشركات والصناعات التي تُكافح. لكن التحديات الإقتصادية للبلاد، مع نمو إقتصادي محدود، وبطالة مرتفعة، وارتفاع نفقات القطاع العام، وانخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي، تجعل من فيروس كورونا أزمة أكبر من قدرة البلاد على التحمّل. الواقع أن تونس تستعد لضربة وأزمة غير مسبوقة.

سوف تؤدي التداعيات الإقتصادية المؤلمة مرة أخرى إلى تشويه الثقة في هذه الحكومات. لقد واجهت كل دولة من الدول الثلاث معارضات وخلافات سياسية مستمرة في السنوات الأخيرة. كان هذا إلى حدّ كبير في شكل احتجاجات تدعو إلى نظام سياسي جديد في الجزائر والمزيد من المساءلة في المغرب وتونس. كل ذلك كان مدفوعاً بالمظالم الإجتماعية والإقتصادية التي شكّلت المنطقة منذ العام 2011 وحتى قبله. ومع ذلك، في وقت يتّسم بعدم اليقين الشديد، كما هو الحال اليوم، دفع الخوف الناس إلى قبول الهياكل السياسية القائمة كمصدر لليقين والقوة، خالقاً شعوراً بالتضامن أعطى الحكومات فترة راحة. لقد أوقف الأمر المعارضة وقلّص رغبة الجمهور في الضغط من أجل التغيير.

عندما تُصبح الآثار اللاحقة لوباء كورونا أكثر وضوحاً، من المُرجّح أن تبرز إلى الواجهة فشل السياسات التي جعلت دول شمال أفريقيا هشّة جداً وعِرضةً للفيروس في المقام الأول. وقد أدّى سوء الإدارة الاقتصادي وقلة الاستثمار في البنية التحتية والتنمية البشرية إلى أنظمة تتسم بعدم المساواة وعدم الإستقرار الإجتماعي. قد تكون حكومات الدول الثلاث قادرة على إعادة إختراع نفسها في المدى القصير، ولكن أبعد من ذلك فإن عواقب أخطائها من المُحتمَل أن تُزعزع الإستقرار.

  • إنتصار الفقير هي رئيسة تحرير “صدى”. يُركّز عملها على الشؤون السياسية، والإصلاح السياسي، وعملية الإنتقال السياسي، والقضايا الإجتماعية-السياسية في المغرب العربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى