كيف يُمكن لتفشي فيروس كورونا أن يُفاقِم مشاكل إيران الكثيرة

فيما كان الرئيس الإيراني حسن روحاني يُعلن بأن إيران إجتازت “العاصفة” التي أحدثتها العقوبات الأميركية، لم يخطر في باله أن خطراً آخر سيأتي من الصين هذه المرة حاملاً معه فيروس كورونا والذي قصد مدينة قم ليتفشّى منها إلى باقي البلاد وخارجها.

 

وزير الصحة الإيراني ونائبه إراج حريرشي: الأخير أصيب بفيروس كورونا

 

بقلم فريدا غيتيس*

فجأةً، برزت إيران على أنها محور التركيز الرئيس للإصابة العالمية بفيروس كورونا خارج الصين. في الأيام القليلة الماضية فقط، أبلغت عن مزيد من الوفيات، 26، أكثر من أي بلد بعد الصين، حيث توفي 2,744 شخصاً بسبب هذا المرض شديد العدوى. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن طهران أبلغت عن 245 حالة إصابة فقط بفيروس كورونا حتى 27 شباط (فبراير) – أقل بكثير من اليابان أو كوريا الجنوبية، وحتى إيطاليا – لكن هذه الأرقام الرسمية تتحدّى الإعتقاد السائد. لقد وضع الخبراء في الجمهورية الإسلامية معدل الوفيات في إيران بأكثر من 10 في المئة، وهي نسبة أعلى بكثير من بقية العالم. في مقاطعة “هوبي” بوسط الصين، على سبيل المثال، مركز هذا الوباء، يُقدّر معدل الوفيات المُبلّغ عنها بنسبة 2 في المئة. لذا، إما أن تكون لدى إيران سلالة أكثر فتكاً من هذا الفيروس، أو أنها تكذب بشأن أعداد المُصابين.

المراقبون داخل وخارج إيران مقتنعون بأن الحكومة تكذب، حيث هناك خطر كبير من حدوث وباء. لقد تم التعرّف على حالات الإصابة بالفيروس التاجي (كورونا) التي تم تتبعها وإرجاعها إلى إيران عبر مناطق واسعة من العالم، من الكويت، أفغانستان إلى كندا.

أدّى تفشي هذا المرض في إيران، في قلب أكثر المناطق غير المستقرة في العالم، إلى إلقاء عنصر جديد غير مُتوَقَّع من عدم اليقين في الشرق الأوسط. كانت الجمهورية الإسلامية تواجه بالفعل تحديات حادة في الداخل والخارج، من المعارضة المحلية إلى ردّ الفعل الإقليمي ضد نفوذها، إلى ضغوط الولايات المتحدة. لكن ردّ فعل النظام على أزمة الصحة العامة من المرجح أن يُضعِف يده على كل تلك الجبهات.

كان رد إيران على الفيروس التاجي حتى الآن غامضاً. أرجأ النظام الإبلاغ عن حالاته الأولى واستمر في التقليل من مدى انتشار الفيروس. بعد أن أبلغ المسؤولون الإيرانيون عن عدد قليل فقط من الحالات، ردّ أحد أعضاء البرلمان أنه في دائرته الإنتخابية وحدها، في مدينة قم، مات 50 شخصاً بالفعل. وبدلاً من القفز السريع إلى العمل، رفضت وزارة الصحة الإيرانية هذه الأرقام، وكلّف أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني،علي شمخاني، المدّعي العام بالتحقيق في ادعاء المُشرّع. “إن نشر تقارير غير صحيحة وإخفاء الحقيقة على حد سواء يزعزع الأمن القومي ويُقوّض رأس المال الإجتماعي”، أعلن شمخاني.

ثم كانت هناك حالة نائب وزير الصحة، إراج حريرشي، الذي قلّل من استفحال الأزمة مراراً وتكراراً. لقد شوهد وهو يسعل ويتعرّق بغزارة خلال مؤتمر صحافي بثّه التلفزيون الوطني. في اليوم التالي، تم تشخيص إصابته بـالكورونا. وانتشر الفيديو أيضاً على الإنترنت بشكل جنوني.

أعطى حريرشي، الذي يشغل أيضاً منصب نائب رئيس عملية الإستجابة لفيروس كورونا في إيران، مقابلة حية على شاشة التلفزيون الحكومي قبل يوم من تشخيصه، ومسح أنفه بيده وهو يسعل من دون تغطية فمه – وهذا مؤشر مقلق ذلك أنه، بالإضافة إلى التستّر على الحقيقة وإخفائها فإن الأشخاص المسؤولين في إيران ليسوا ضليعين في مكافحة الفيروسات كما يأمل المرء.

إن الشعور بأن إيران لا تُخبر ولا تقول الحقيقة يأتي في أعقاب احتجاجات واسعة النطاق ضد النظام، وكان آخرها خداع آخر للنظام. في كانون الثاني (يناير)، أسقط فيلق الحرس الثوري الإسلامي طائرة ركاب أوكرانية فوق طهران، بعد فترة وجيزة من ضربة صاروخية إيرانية على قواعد عسكرية في العراق تضم القوات الأميركية، رداً على اغتيال الجنرال قاسم سليماني. لكن الأمر استغرق أياماً عدة قبل أن تعترف السلطات بمسؤوليتها عن إسقاط الطائرة.

مُشكّكين بأرقام النظام عن عدد الإصابات بفيروس كورونا، يقول الباحثون في جامعة تورنتو أن 18,000 شخص في إيران يُمكن أن يكونوا قد أصيبوا بالعدوى على أساس عدد الأشخاص الذين يُسافرون إلى خارج إيران وعدد الإصابات التي يتم إعادتها وتتبعها إليها في بلدان أخرى. تم تشخيص المسافرين الآتين من إيران إلى العراق والبحرين والكويت وأفغانستان وسلطنة عمان ولبنان والإمارات العربية المتحدة وكندا.

داخل إيران، تدفع عدم الثقة في التعامل مع تفشي المرض الناس إلى التحدث علناً وحتى الإستهزاء بالنظام، بما في ذلك السخرية من استجابة وزارة الصحة العامة على وسائل التواصل الاجتماعي. رفضت وكالة الأنباء الطبية علناً أرقام الإصابات الحكومية. في هذه الأثناء، ينحرف الرئيس حسن روحاني، متحدثًا بشكل سيئ عن “مخططات العدو” التي تهدف إلى زرع الخوف وإغلاق البلاد.

بينما أوقفت دول أخرى رحلاتها إلى الصين، واصلت إيران هذه الرحلات. وحتى الآن، ما زال طيران ماهان، المرتبط بالحرس الثوري، يتجه إلى الصين. في المقابل، يغلق جيران إيران بسرعة حدودهم مع الجمهورية الإسلامية. لقد قام كل من العراق وتركيا وباكستان بإغلاقها.

وهذا يُضيف إلى كارثة الإقتصاد الذي بدأ في الإستقرار بعد انكماشٍ حاد في العام الماضي نتيجة للعقوبات الأميركية. فبعد أن سحبت إدارة ترامب الولايات المتحدة من الصفقة الدولية التي كبحت وقيّدت البرنامج النووي الإيراني وأعادت فرض العقوبات في العام 2018، تراجع الإقتصاد الإيراني بشكل كبير. فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10 في المئة تقريباً في العام 2019. ويتوقّع صندوق النقد الدولي نمواً صفرياً في العام 2020، وهو تحسّنٌ نظراً إلى الظروف التي قد تدعم مزاعم روحاني الأخيرة بأن إيران إجتازت “العاصفة”. لكن حتى هذا التوقّع بات في خطرٍ الآن، بالإضافة إلى الدخل الذي تستمده إيران من ملايين الحجاج الذين يزورون الأماكن المقدسة، ولا سيما مدينة قم، والتي حسب أرقام الحكومة الخاصة كانت مركز اندلاع المرض في إيران، مما  يضاعف الأمر سوءاً، حيث من المرجح الآن أن يمتنع معظم الحجاج عن زيارة إيران.

سيجد رجال الأعمال الإيرانيون صعوبة أكبر في السفر إلى المراكز التجارية مثل دبي وأبو ظبي، ولن يزور مئات الآلاف من الإيرانيين العاملين في الخليج وطنهم في الوقت الحالي. بالإضافة إلى ذلك، سيكون من الصعب الحصول على وظائف جديدة للمهاجرين الإيرانيين الذين يبحثون عن عمل في الخارج، الأمر الذي كان يساعد على تخفيف الضغط على النظام بسبب ارتفاع معدلات البطالة مع تعزيز الاقتصاد من خلال التحويلات. لذا، لا عجب أن العملة الإيرانية تغرق.

ثم هناك نفوذ إيران الإقليمي الذي يواجه الآن رياحاً معاكسة جديدة.

في العراق، حيث جرت إحتجاجات ضخمة ضد الفساد وشجبت النفوذ الإيراني، فإن احتمالات حدوث عدم إستقرار جديد ناشئ وآتٍ من إيران لن يفعل شيئاً لتخفيف الإستياء. بعض أقوى الشخصيات في العراق، مثل مقتدى الصدر، لها علاقات وثيقة مع إيران. عاد الصدر، الذي يقضي معظم وقته في قم، أخيراً إلى العراق لمحاولة إيقاف الاحتجاجات التي دعمها في البداية.

في لبنان، تُفيد المعلومات بأن مُقاتلي “حزب الله” العائدين من الحج إلى إيران يرفضون الآن إتباع تعليمات الحجر الصحي، مُدَّعين أن ذلك كله جزء من مؤامرة ضد الجمهورية الإسلامية. إذا تسبّب الفيروس في صعوبات أكثر حدّة في لبنان، وبالنسبة إلى هذه المسألة في العراق أو في أي مكان آخر في المنطقة، فقد ترى إيران تأثيرها الإقليمي ومصداقيتها يتآكلان بسرعة.

من غير الواضح ما الذي سيحدث للميليشيات الإيرانية والحرس الثوري والمقاتلين المرتبطين بإيران والذين يسافرون إلى النزاعات المسلحة في جميع أنحاء المنطقة، من سوريا إلى اليمن وحتى أفغانستان. جميع هذه البلدان تجتاحها حالات من الخراب والنزاعات، حيث يمكن أن يؤدي وصول الفيروس التاجي إلى خسائر بشرية أكبر بكثير من الأماكن التي توجد فيها بنية تحتية جيّدة للرعاية الصحية. كما هو الحال مع كل ما يتعلق بفيروس كورونا، فإن حجم التأثير يعتمد على مدة وشدة الوباء، الذي لا يزال مجهولاً.

عندما يتعرّض نظامٌ إستبدادي للضغط، فإنه يميل إلى تشديد الخناق. كان الإصلاحيون يفقدون أرضهم بالفعل في إيران قبل ظهور الفيروس. لكن الإستياء كان ينمو أيضاً، كما جرأة المعارضين للنظام. لقد وضع فيروس كورونا السلطات في ضوء أكثر سلبية، ومن المُحتمَل أن تزداد الظروف سوءاً في الداخل بالنسبة إلى السكان والنظام، في حين بجعل الأمر صعباً على طهران لاستعراض عضلاتها في الخارج.

  • فريدا غيتيس كاتبة وباحثة في الشؤون العالمية. عملت سابقاً مُنتجة ومراسلة في شبكة “سي أن أن”، وهي مساهمة مُنتظمة في شبكة “سي أن أن” و”واشنطن بوست”. يمكن متابعتها على تويتر: @fridaghitis.
  • كُتِب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى