الإعلام بين الحرّية والتَحريض والمُبالَغة

بقلم عرفان نظام الدين*

شَهدَ العالم العربي في الأشهر القليلة الماضية أحداثاً مُثيرة ومصيريّة، وكان الإعلامُ العربي فيها سيّد الموقف سلباً أو إيجاباً. لكن وقوعها المفاجىء وجحم صدماتها أدّيا الى ضياع الإعلام بين الحرّية والموضوعية والشفافية، والمُبالغة في بعض الاحيان، ثم التضخيم والتحريض.

ولا يختلف إثنان على أن ثورة الإتصالات والبثّ الفضائي والمباشر لعبا دوراً رئيساً في وقوع هذه الحالات بسبب تدخّل وسائل التواصل الإجتماعي وعلى مدار الساعة، بغض النظر عن موضوعيّتها وصدقها، وعدم القدرة على كبح جماحها، ولا ملاحقة مُرتكبي التجاوزات والجرائم الإلكترونية عبر الانترنت. وفي المقابل لم يتمكّن أحدٌ في الدول الديموقراطية العريقة وصاحبة شعارات الحرية والحقوق، من ايجاد حلٍّ لهذه المعضلة وغياب القوانين الفاعلة والمؤثّرة على أيّ مُرتكب لها، مع الأخذ بعين الإعتبار صعوبة القمع وعدم القدرة على المواءمة بين الحرية والمسؤولية القانونية والأمنية، بالإضافة إلى المصلحة العليا للوطن والشعب.

وأذكر، في المناسبة، أنني اشتركت في محاولات عدة لوضع البث الفضائي العربي عبر اتحاد الإذاعات العربية ومؤسسات جامعة الدول العربية، وفي ندواتٍ، بمبادرات خاصة، إلّا أن هذه الجهود باءت بالفشل، ولم يتم وقف التجاوزات التي تجاوزت السياسة والأوضاع العامة إلى المُحرّمات والتقاليد والمبادئ الأخلاقية العامة.

التجربة الأولى كانت خلال الثورة في لبنان ومختلف التظاهرات والإحتجاجات في بعض الدول العربية. فقد شهدنا تجاوزات كثيرة تتعلّق بالتحريض والتسرّع والإسفاف والإثارة، ومحاولة تحقيق سبق صحافي من دون التاكد من مصادره، ما أدّى الى وقوع أضرارٍ جسيمة على صعيد الوطن والمواطنين، مع عدم إنكار احترام الحريات والتحفّظ عن بثّ صور مباشرة من موقع الاحداث من دون حسيب ولا رقيب.

اما الحدث الثاني فيتعلق بجائحة الكورونا. فقد لعب الإعلام دوراً جيداً في التوجيه، وضخّ المعلومات، والتحذير من الأخطار والتوسّع في شرح وسائل الوقاية وحملة “خلّيك بالبيت”.

إلّا أن الأمرَ لم يقتصر على هذه الإيجابيات، لأن البعض عمد الى الإثارة والتضخيم، ونشر المعلومات الخاطئة، والترويج لوسائل العلاج، وفسح المجال لكلّ من هبّ ودبّ للظهور والتحدّث عن الجائحة والفيروس، وتقديم تحليلات خاطئة، من دون أن ننسى تشعّب الحديث عن نظرية المؤامرة والجهة التي نشرت الفيروسات.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي عربي، كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى