أزمة إقتصادية كبرى تلوح في أفق الجزائر على وقع الأزمة السياسية

أدت الإحتجاجات الأخيرة في الجزائر إلى شلل سياسي وتخبط إقتصادي واجتماعي، الأمر الذي يُعيق راهناً الإصلاحات الإقتصادية التي تمس الحاجة إليها.

بنك الجزائر: الإحتياطات الأجنبية إلى انخفاض

بقلم دالية غانم وعمر بن درّة*

تهزّ الجزائر، منذ ستة أشهر، إحتجاجات جماعية سلمية. يتظاهر ملايين الأشخاص كل يوم جمعة مُطالِبين برحيل فلول نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وإصلاح النظام السياسي.
ومع ذلك، فقد توقف التقدّم لسببين. تصميمُ الجيش، الموقع الحقيقي للسلطة في الجزائر، على تنظيم إنتخابات في ظل الظروف الحالية، رغم أنه فشل في طمأنة المتظاهرين حول نيته لتغيير النظام. في الوقت عينه، لم يتمكّن المتظاهرون أنفسهم من تعيين ممثلين أو وسطاء يُمكنهم التحدث باسمهم وصياغة مطالب واقعية.
يبدو أن البلاد قد وصلت إلى مأزق سياسي بعدما تمّ فعلياً إلغاء الإنتخابات الرئاسية مرتين في أربعة أشهر. هذا الإنسداد يُنذر بالخطر نظراً إلى الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق، والتي ستُضيف طبقة من التعقيد إلى الوضع المُعقَّد أصلاً. على الرغم من أن حركة الإحتجاج كانت لها مطالب سياسية، إلّا أنها مسألة وقت قبل أن تمتد هذه المطالب إلى الإقتصاد. سيَتعيَّن على قادة المستقبل في الجزائر مواجهة تحديات مالية خطيرة في بلد يعتمد على الطاقة لعقود من الزمن، مع وجود نظام إقتصادي متعثّر لا يُمكن تحمّله بشكل متزايد بسبب عدم قدرته على إدخال التنويع.
هيكل الإقتصاد الجزائري ضعيف ومُعرّض بشكل خاص. إنه إقتصاد ريعي ويعتمد على تصدير المواد الهيدروكربونية – أي النفط والغاز الطبيعي – والتي تمثل 95 في المئة من عائدات التصدير، و40 في المئة من إيرادات الموازنة، و30 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. كانت حصة الهيدروكربونات في الإيرادات الحكومية متقلبة للغاية. في العام 2013، عندما كانت أسعار النفط مرتفعة، بلغ متوسط سعر النفط الجزائري 110.80 دولارات للبرميل، شكّلت 65.4 في المئة من الإيرادات الحكومية. هبطت الحصة بشكل كبير إلى نسبة 33.6 في المئة في العام 2016، عندما بلغ متوسط أسعار النفط 36.60 دولاراً للبرميل. ومنذ ذلك الحين، ومع انتعاش متوسط سعر النفط إلى 71.50 دولاراً للبرميل، زادت إيرادات النفط بشكل مطرد لتتجاوز 40 في المئة من الإيرادات الحكومية في العام 2018. ومن أجل موازنة الموازنة العامة في 2019، تحتاج البلاد إلى أن يكون سعر برميل النفط 116 دولاراً.
في تشرين الأول (أكتوبر) 2017، بدأت الحكومة في خلق وطباعة النقود لتمويل العجز في موازنتها. جمع هذا الإجراء غير التقليدي ما مجموعه 56 مليار دولار، منها 8.5 مليارات دولار جُمِعَت في كانون الثاني (يناير) 2019، وهو ما يمثل 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2018. وسمح للحكومة الوفاء بالتزاماتها الداخلية من طريق دفع دائنيها، بما فيها شركات البناء والأشغال العامة، وبالتالي الحفاظ على مستوى معين من النشاط والأعمال. ومع ذلك، كان الإجراء تضخمياً أيضاً، حيث قدر صندوق النقد الدولي التضخم بنسبة 4.3 في المئة في العام 2018 ، مع توقعات أنه سيزيد إلى 5.6 في المئة في العام 2019.
لتجنّب ذلك، قررت الحكومة المُعَيَّنة حديثاً في حزيران (يونيو) 2019 تعليق طباعة النقود لبقية العام، لكنها احتفظت بإمكانية استخدامها كما يسمح القانون حتى العام 2022. كما تعهد بنك الجزائر بتعقيم السيولة الناتجة من طباعة النقد حسب الحاجة.
وفقاً لتقرير صادر عن صندوق النقد الدولي في حزيران (يونيو) 2018، فإن الوضع الإقتصادي في الجزائر لا محالة يتدهور. في حين أن النمو في قطاع المواد غير الهيدروكربونية قد يكون إيجابياً، فقد كان 2.2 في المئة فقط في العام 2017، ويبدو أنه وصل إلى ذروته عند 4 في المئة في العام 2018. ومعدل نمو إجمالي الناتج المحلي هو أقل، وذلك نتيجة انكماش إنتاج الهيدروكربونات. لقد بلغ المتوسط 3.5 في المئة من العام 2001 حتى العام 2017، ثم وصل إلى أدنى مستوى له في الربع الرابع من العام 2017، عندما كان – 0.4 في المئة، قبل أن يرتفع مرة أخرى إلى 1.2 في المئة في الربع الأخير من العام 2018.
وفقاً للتقرير عينه، فإن البطالة ترتفع. في أيلول (سبتمبر) 2017، قُدِّرت نسبة البطالة ب11.7 في المئة، مقارنة ب10.5 في المئة خلال الفترة عينها من العام السابق. وهذا يؤثر في الشباب على وجه الخصوص، حيث تبلغ نسبة البطالة بين الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، 28.3 في المئة لدى الذكور و20.7 في المئة لدى الإناث.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو الانخفاض السريع في إحتياطات العملات الأجنبية. بسبب إرتفاع أسعار النفط بين العامين 2003 و2013، جمعت الجزائر إحتياطات هائلة من العملات الأجنبية مما جعلها ثامن أكبر مالك لهذه الإحتياطات في العالم، حيث بلغت 193.6 مليار دولار في العام 2014. ومع ذلك، تأثرت البلاد بانخفاض أسعار النفط في منتصف تلك السنة، ونتيجة لذلك، كانت لدى الحكومة خيارات محدودة واستخدمت احتياطاتها في المشروعات العامة والإعانات السخية. وحسب بنك الجزائر، بلغت الإحتياطات 79.9 مليار دولار في نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2018، مقابل 97.3 مليار دولار في نهاية العام 2017، بانخفاض سنوي قدره 17.4 مليار دولار. هذا الإتجاه الهبوطي مستمر، حيث انخفضت الإحتياطات إلى 72.6 مليار دولار بنهاية نيسان (إبريل)، وتوقع صندوق النقد الدولي أنها قد تنخفض أكثر إلى 64 مليار دولار بحلول نهاية العام 2019، وإلى 47.8 مليار دولار بنهاية العام 2020.
نتيجة لهذا الإنخفاض الحاد في الإحتياطات، فإن ما تبقّى في نهاية هذا العام من المرجح أن يغطي ثلاثة عشر شهراً من الواردات. وبما أن الجزائر تستورد 70٪ مما تستهلكه، فإن هذا الأمر ستكون له تداعيات إجتماعية كبيرة.
أظهرت أزمة الديون الجزائرية في العامين 1986 و1994 طبيعة الصعوبات التي ستواجهها القيادة. في ذلك الوقت، كان تمويل واردات السلع الأساسية لـ21 مليون جزائري يُمثل تحدياً لا يمكن التغلب عليه تقريباً. ماذا سيحدث في العام 2021، حيث يبلغ عدد سكان البلاد 44 مليون نسمة؟ إن وضع برنامجٍ للطوارئ هو الخطوة الأولى قبل اتخاذ تدابير هيكلية. لتحقيق ذلك، من الضروري الوصول إلى تسوية وحل للأزمة السياسية الحالية، وإجراء مناقشة مفتوحة حول التحديات التي ستواجهها البلاد في السنوات المقبلة.
يجب أن تركز جميع الجهود المبذولة على إعادة توجيه الاقتصاد وزيادة الإنتاجية لدى الشباب، وهو المورد الأكثر قيمة في الجزائر. لقد قاد الشباب حركة الإحتجاج منذ بدايتها. وإذا لم يتم منحهم فرصة للمشاركة في الحياة السياسية ومساعدة البلد على الإنتقال إلى ديموقراطية أكثر حقيقية، فإن كرههم لقادتهم قد يتصاعد ويُقوّض الإستقرار الوطني.

• دالية غانم باحثة مقيمة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط. تتمحْور أبحاثها حول العنف والتطرّف السياسيين، والتعصّب، والإسلاموية، والجهادية، مع تركيز خاص على الجزائر وعلى انخراط النساء في التنظيمات الجهادية.
• عمر بن درّة خبيرٌ إقتصادي جزائري، وعضو في ” Watch Algeria”.
• كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى