“تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي” تفكّك قبل أن يبدأ ولم يبقَ منه إلّا الإسم!

لا شك في أن العالم العربي يحتاج إلى بنية إقليمية للأمن الجماعي. ويُمكن لمشروع التحالف الأميركي الذي يحمل مسمّى “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي (ميسا)” أن يُمثل خطوة إلى الأمام في هذا الإتجاه، خصوصاً أنه يربط الأمن العسكري بالأمنين السياسي والإقتصادي. لكن، يسود حالياً إنطباع بأن مشروع “ميسا” يخدم الأهداف الأميركية في المنطقة، التي تتمثّل باستهداف إيران وتقليص الوجود الإقليمي الأميركي من دون السماح للصين أو روسيا بحصد النفوذ، فيما يهمل الأولويات والقيود التي تخص الأعضاء المُحتَملين من الدول العربية.

الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة: إتصاله بأمير قطر أثار زوبعة في دول الخليج

بقلم حسن حسن*

في أيار (مايو) 2017، إختار دونالد ترامب المملكة العربية السعودية كوجهة لأول زيارة خارجية له كرئيس للولايات المتحدة. حلفاء أميركا في الخليج العربي رأوا أن الرحلة هي فرصة نادرة لهم لإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد حقبة من الإنتفاضات الشعبية في المنطقة والتوتر في علاقاتهم مع سلف ترامب، باراك أوباما، بشأن إيران. في “القمة العربية الإسلامية – الأميركية” التي إنعقدت في العام 2017، ناقش الحاضرون أجندة مُشترَكة طموحة للسنوات المقبلة في ظل القيادة السعودية، بما في ذلك إستراتيجية للحدّ من إنتشار وتوسّع نفوذ إيران، ودحر السياسات الطائفية في بلدان مثل العراق، ومكافحة التطرف، وإحياء عملية السلام العربية – الإسرائيلية، واحتواء الصراعات المُستَعِرة.
بعد ذلك بعامين، أدى تعاون حلفاء واشنطن الإقليميين إلى حالة من الفوضى. يُمكن تتبع أسباب العديد من الأزمات الأكثر إلحاحاً في المنطقة مباشرة إلى قمة ترامب: من الحصار على قطر، الذي بدأ قبل عامين هذا الأسبوع، إلى انفجار “الحرب الأهلية الثالثة” في ليبيا في نيسان (إبريل) الفائت. بعيدةً من تحقيق أهدافها جماعياً، فإن الكتلة التي تقودها السعودية والتي تم تشكيلها قبل عامين بدأت تتفكك في الغالب – وبدأ أعضاؤها ينقلبون ضد بعضهم البعض.
في الآونة الأخيرة، إنسحبت مصر من “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي” المُقترَح، والذي يُطلق عليه على نطاق واسع “الناتو العربي”، بعد خلاف حاد مع المملكة العربية السعودية. وفقاً لديبلوماسي عربي مُطَّلِع على إجتماعات رفيعة المستوى سبقت الإنسحاب، فقد إعترضت القاهرة على أسلوب القيادة في الرياض: السعوديون لم يُحدّدوا دور كل دولة والغرض المُحدَّد للتحالف، و”أخذوا أمر مشاركة دول مثل مصر ك”أمر مُسلّم به ومفروغ منه”. توقع المسؤولون السعوديون أن يوقّع شركاؤهم العرب على وثيقة مُعَدَّة سلفاً، من دون مناقشة كثيرة، قبل تقديمها رسمياً إلى واشنطن. بشكل أعم، لقد انزعج المسؤولون المصريون وغضبوا من الطريقة التي تعاملت بها كلٌّ من الرياض وأبو ظبي مع القاهرة كشريك صغير، بسبب المساعدات المالية التي قدمتاها إلى مصر بعد الإنقلاب الذي أوصل الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في العام 2013. لكن هناك أيضاً إختلافات جوهرية في القضية: وفقاً للديبلوماسي العربي، يختلف الجانبان حول كيفية التعامل مع الحربين في اليمن وليبيا.
المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، من جانبهما، ليستا دائماً على الصفحة عينها مع بعضهما البعض، ولا سيما في اليمن. ويعترف كل من المسؤولين الإماراتيين والسعوديين سراً بمثل هذه الإختلافات: إعترضت أبو ظبي على خطة الرياض للعمل مع الميليشيات المرتبطة بحزب الإصلاح الذي يُهيمن عليه الإسلاميون (الإخوان المسلمون)، والذي له شبكات عميقة في اليمن، وبدلاً من ذلك شكلت عدداً من الميليشيات التابعة لها. كما سعت أبوظبي إلى تنحية رئيس الجمهورية المدعوم من السعودية في اليمن، عبد ربه منصور هادي، الذي يقيم الآن في المملكة العربية السعودية.
وفي الوقت عينه، غالباً ما يعترض المسؤولون السعوديون على التسويات التي يشعرون أنهم مُطالَبون فيها بإبقاء الإماراتيين على متنها. وفقاً لمصدر سعودي مُقرَّب من دوائر قوية في الرياض، كان هناك جدال جاد في المملكة العربية السعودية في العام الفائت حول ما إذا كانت سياسة المملكة الإقليمية – بما في ذلك دعم الرياض للإنقلاب في مصر في العام 2013، والتحريض على النزاع مع قطر في العام 2017، والحرب بالوكالة المستمرة في ليبيا – تم تشكيلها بشكل كبير وفقاً للمصالح الإماراتية الضيّقة. إن النهج السعودي الحالي هو عكس النهج الذي ظهر لفترة وجيزة في أوائل العام 2015، عندما سعت المملكة العربية السعودية إلى بناء تحالف واسع النطاق يتضمن إصلاح العلاقات مع تركيا، قبل أن تُقرِّب حرب اليمن الرياض من أبوظبي.
كما كان الخلاف يتزايد أيضاً داخل دول وإمارات الكتلة التي تقودها السعودية. دبي، على سبيل المثال، تعتقد أن اقتصادها قد تضرّر بشكل مباشر من النهج الإقليمي العدواني الذي اتبعته إمارة أبوظبي. تاريخياً، كانت أولوية دبي هي تشجيع السياحة والتجارة والإستثمار الأجنبي، مع تجنب النزاعات الإقليمية. إن الحرب المستمرة في اليمن، والحصار المفروض على قطر، والقيود المفروضة على الأمن الداخلي في جميع أنحاء الإمارات العربية المتحدة من قبل أبو ظبي المُهَيمنة بشكل متزايد كانت سيئة على عالم الأعمال في دبي. ويقدّر الخبراء أن دبي تخسر 5 مليارات دولار سنوياً في التجارة من وإلى قطر، حتى قبل احتساب السياحة، والأنشطة التجارية الأخرى، والخسائر التي تتكبدها شركة طيران الإمارات نتيجةً لتجنب المجال الجوي القطري. وقال أندرياس كريغ، الأستاذ المساعد في كلية كينغز كوليدج في لندن: “لقد كانت آثار الأزمة الخليجية أشد وطأة على دبي.وقد تكون هذه الأخيرة تضررت إقتصادياً من الأزمة أكثر بكثير من قطر”.
لم تُعلن دبي أبداً علناً عن سخطها أو عن عدم رضاها من السياسة الخارجية للبلاد، لكن هذا الإختلاف بين الإمارتين حول كيفية التعامل مع النزاعات يُمكن تمييزه بسهولة داخل المنطقة. خذ سلسلة من التغريدات التي نشرها في آب (أغسطس) 2018 الشيخ محمد بن راشد، حاكم دبي، والتي تم تفسيرها عبر وسائل الإعلام العربية على أنها تغريدات فرعية حول نهج البلاد في المنطقة. لقد حددت الملاحظات، المكتوبة تحت عنوان “علّمتني الحياة”، إستراتيجية دبي باعتبارها استراتيجية تُركز على السياسات المحلية بدلاً من النزاعات الإقليمية. حتى لو لم تكن تهدف إلى معاكسة أو إنتقاد أبو ظبي، فقد أظهرت بوضوح رؤية بديلة للمنطقة. “إن الدور الحقيقي للسياسي هو تسهيل حياة الإقتصادي، والأكاديمي، ورجل الأعمال، والصحافي وغيرهم”، تقول إحدى التغريدات. وتضيف أخرى: “إن دور السياسي هو تسهيل حياة المجتمعات وحلّ الأزمات، بدلاً من البدء بها، وبناء الإنجازات بدلاً من تفكيكها”.
الإختلافات المتزايدة من هذا النوع كانت واضحة في الشهر الفائت في المكالمة الهاتفية التي جرت بين رئيس الوزراء البحريني الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بمناسبة بداية شهر رمضان. بعد انتشار أنباء المكالمة، أكدت وكالة الأنباء الحكومية في البحرين الإتصال لكنها نقلت عن وزير شؤون مجلس الوزراء محمد بن ابراهيم المطوع قوله –بشكل سخيف – إن “الاتصال بين سمو رئيس الوزراء وأمير قطر لا يمثل الموقف الرسمي للبحرين، ولا يؤثر على التزامها مع شقيقاتها السعودية والإمارات ومصر حول تنفيذ قطر بما التزمت به في 2013 و2014”.
في حالة البحرين، يرى الكثيرون أن مقاطعة قطر هي مجرد تبعية للإرادة السعودية، بدلاً من أن تعكس مظالمها الخاصة. إن البحرين هي واحدة من البلدان الأكثر تضرراً من الحصار، من حيث التجارة والسياحة والإستثمار، وبعض المسؤولين، مثل رئيس الوزراء، لم يكونوا على متن هذه الخطوة.
هذه الديناميكية تتحدث عن عيب رئيسي في التحالف العربي: عدم الإيمان بالقيادة السعودية المُحتَمَلة. مع تصاعد فشل السياسات مع مرور الوقت، يرغب كل من الحلفاء بشكل متزايد في تأكيد مصالحهم ضد الآخرين. الشيء الوحيد الذي يميلون إلى الإتفاق عليه هو الحفاظ على التحالف الإسمي نفسه، والذي له تأثير ضار لأنه يسمح باستمرار الجمود للسياسات الفاشلة والصراعات المتوقفة. ووصف الديبلوماسي العربي هذه المعضلة بأنها “مشكلة المُحَرّضين المتعددين”، حيث أن الإتفاق على إنهاء الصراع في اليمن يجب أن يتم عبر التوافق بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، ولا يُمكن للأخيرة من جانب واحد إيجاد حل وسط مع قطر من دون حساب ما يراه البعض الأخذ بالمطالب الأكثر تشدداً لدولة الإمارات التي تشترط التغيير داخل قطر والمنطقة ككل.
هذه وصفة لنوع الإضطراب المتصاعد الواضح في المنطقة اليوم، حيث ينتصر الإنقسام والخوف على الوحدة والإستقرار. إنها أيضاً الإرث المُحزن لأول زيارة خارجية لترامب منذ عامين.

• حسن حسن هو مدير برنامج الجهات الفاعلة غير الحكومية في برنامج البيئات الهشة في “مركز السياسة العالمية” (Center for Global Policy) ومؤلف مشارك لكتاب “داعش: داخل جيش الإرهاب” (ISIS: Inside the Army of Terror). يمكن متابعته على تويتر على: @hxhassan.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى