هل تُنقِذ ندى البستاني لبنان من العتمة؟

بقلم كابي طبراني

منذ الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاماً، عانى لبنان من انقطاع التيار الكهربائي لمدة تصل إلى 20 ساعة في اليوم. وقد تعهّدت أخيراً وزيرة الطاقة والمياه ندى البستاني بمعالجة هذا النقص في الطاقة بمجموعة من الإصلاحات التي تهدف إلى توفير الكهرباء على مدار الساعة بحلول العام 2020. وإذا نجحت، فسوف تُنهي عقوداً من انقطاع الكهرباء ونظامٍ فاسد ومُهترىء، حيث أن القطاع يُعاني من فشلٍ مُستَوطِن مثل ضعف البنية التحتية والفساد والسرقة والإحتيال وعدم القدرة على إنتاج ما يكفي من الطاقة. ويتضمّن اقتراحها ثلاث مراحل رئيسة: تهدف أولاً إلى تقليل كمية الكهرباء المُهدَرة أو المهدورة – والتي تصل إلى ثلث إجمالي الإمداد، إما من سوء التوزيع أو من خلال أنشطة غير قانونية مثل تعليق بعض السكان أسلاكهم بشكل إحتيالي على مصادر الطاقة للسرقة. ثانياً، ستقوم الحكومة بزيادة الإنتاج في محطات توليد الطاقة المؤقتة وبناء ست محطات دائمة. ثالثاً، ستُقلّص السلطات عبء ديونها من طريق خفض الدعم، ومواءمة الأسعار مع سوق النفط وتنظيم الكهرباء المُوَلَّدة من القطاع الخاص، علماً أن شركة كهرباء لبنان الحكومية تحصل على دعم قدره ملياري دولار في السنة. ومما لا شك فيه أن ارتفاع الأسعار لن يحظى بشعبية، حيث أن السكان يدفعون فعلياً فاتورتين للكهرباء – عامة وخاصة – ومع ذلك، يفتقرون إلى التغطية الكاملة في كثير من الحالات.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يُوعَد فيها اللبنانيون بحلّ، لكن السلوك الشائن من المسؤولين، وسوء الإدارة والخلافات بين الأحزاب السياسية القوية التي تُسيطر على البلاد قوّضت المحاولات السابقة. ومع ذلك، هناك سببٌ للتفاؤل الحذر هذه المرة. ففي عرضٍ نادر للوحدة، وافق مجلس الوزراء بالإجماع على خطة الوزيرة البستاني، والتي نالت بعدها مصادقة البرلمان مع طعن بعض النواب بدستورية القانون الذي أقرّ. لكن الحقيقة ببساطة هي أن لبنان لم تعد لديه خيارات.
يجب أن تُنفّذ بيروت إصلاحات إقتصادية ومالية لإطلاق مساعدات المانحين التي تبلغ 11 مليار دولار، تعهّدت بها في مؤتمر “سيدر” الدولي في باريس في العام الفائت، بدءاً من “إصلاح قطاع الكهرباء”، على حد تعبير فريد بلحاج، نائب رئيس البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لكن اليوم، لا يعتمد القطاع العام فقط على المُولّدات الخاصة لتوليد الكهرباء، بل إنه يعتمد أيضاً على الطاقة الأجنبية. في عامي 2017 و2018، باعت سوريا الكهرباء إلى لبنان، وهو خيارٌ مشكوكٌ فيه بالنظر إلى أن السوريين أنفسهم ما زالوا يُعانون من انقطاع التيار الكهربائي الحاد، ضمن مجموعة من القضايا الأخرى. قد يخفف هذا المصدر من مشاكل لبنان في المدى القصير لكنه يجعل الحكومة اللبنانية مُدينة ومرهونة لسوريا، حيث يتعيّن على بيروت الحصول على إذن سوري قبل أن تتمكن من شراء الكهرباء من دول أخرى، مثل الأردن، والتي لديها فائض للبيع. ومع قيام بعض الفصائل في لبنان بحملات لتطبيع العلاقات مع سوريا، أصبحت مسألة مَن الذي يُزوّد الطاقة مُسيَّسةً بدرجة أكبر.
من نواح كثيرة، تُمثّل مسألة الكهرباء نموذجاً مُصغّراً للفساد الذي ابتُلي به لبنان منذ فترة طويلة. يجب على السياسيين أن يضعوا جانباً خلافاتهم وجداول أعمالهم الشخصية لتحسين حياة المواطنين العاديين والسماح للبنان بأن يصبح مُعتَمِداً على نفسه حقاً. عندها فقط يُمكن لحكومتهم أن تدّعي أنها تتحمّل مسؤولية توفير أحد إحتياجات شعبها الرئيسة والأساسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى