… وماذا أَيضًا في اللوفر؟ (1 من 2)

ليوناردو: “عذراء الصُخُور” (1494)

هنري زغيب*

في العادة أَن يقصد متحفَ اللوفر في باريس سياحٌ وزوارٌ، وفي بالهم أَعمال معينة ينوُون رؤْيتها والوقوفَ أَمامها متأَملين حسيًّا ما كانوا يرونه افتراضيًّا عن بُعد، في الصُوَر أَو في المواقع الإِلكترونية. من تلك الروائع العالمية: موناليزا ليوناردو دافينتشي، أَو فينوس دو ميلو، وسواهما. لكنَّ في اللوفر كُنوزًا أُخرى لا تقلُّ أَهميةً وإِبداعًا عن تلك المقصودة غالبًا، بينها روائع أُخرى من ليوناردو دا فنتشي وميكالانجلو ورامبرانت وسواهم.

في هذا المقال من جُزءَين، أُحاول أَن أَكشف عن عشْرة منها لاثنين: قارئٍ قد يزور اللوفر فيقصدها، وقارئٍ لن يزوره لكنه يطَّلع عليها هنا لثقافته الفنية العامة.

هنا الجزء الأَول عن خمسة أَعمال.

  1. ليوناردو دا فينتشي: “الفيرُّونيَّة الجميلة”

هذه اللوحة من أَبرز أَعمال ليوناردو دافينتشي (1452-1519). ولها عنوان آخر: “وجهُ سيِّدةٍ في بلاط ميلانو”، وهي سيدة متزوِّجة من رجل يدعى لو فيرُّون (ويرجِّح نقاد أَنها زوجة تاجر حديد أَو ابنته). وأَخطأَ نُقَّاد آخرون في القرن الثامن عشر إِذ اعتبروها سيّدة بورجوازية عشيقة الملك الفرنسي فرنسوا الأَول.. لم يُثْبت التاريخ بعدُ هوية هذه المرأَة التي رسمَها ليوناردو بهذه الدقَّة حتى لهي من أَروع الكنوز في اللوفر.  والثابت أَن ليوناردو رسمها في الفترة الأُولى التي أَمضاها في ميلانو، واشتهرت أَعماله فترتئذٍ باستخدامه النُورَ على الوجه عنصرًا أَساسيًّا في لوحته، وينسحب النُور كذلك على تفاصيل الثوب الغني بزركشاته الأَنيقة.

  1. ليوناردو دا فينتشي: “عذراء الصُخُور”

لها عنوان آخر: “العذراء، الطفل يسوع، مار يوحنا المعمدان وملاك”، ولها نسخة ثانية شبيهة لدى المتحف الوطني في لندن. وكانت أَخوية دينية في ميلانو أَوصت ليوناردو على هذه اللوحة لوضعها داخل كنيسة في ميلانو، وطلبَت منه رسم الملائكة حول العذراء في الوسَط، مع الآب الأَقدس فوق، في السماء. ولا مرجع يشرح لِـمَ لَـمْ يلتزم ليوناردو بالطلب، فرفَضت الجمعية اقتناء اللوحة. ولسبب لم يتَّضِح بعد، عمَد الرسام إِلى وضع نسخة ثانية عن اللوحة، وليس واضحًا بعد أَيُّ نسخة هي الأُولى وأَيُّهما هي الأُخرى.

دولاكروى: “الحرية قائدة الشعب” (1830)
  1. دولاكروى: “الحرية قائدة الشعب”

هي من أَهم اللوحات الرومنطيقية في القرن التاسع عشر، بريشة الفرنسي أُوجين دولاكروى (1798- 1863). وفي السياق الرومنطيقي ذاته رسمها دولاكروى مبرزًا المشاعر الإِنسانية في التعابير، ليعطي قيمةً جديدةً للمشاعر أَكثر من المنطق والعقل، وهكذا ينسج في اللوحة مناخًا من السحر والأَحلام وفنتازيات الرؤْيا وأَمكنة غريبة تجري فيها الأَحداث. من هنا نحا دولاكروى في معظم أَعماله إِلى مواضيع تاريخية وأَدبية ومثالية ومعاصرة في زمانه. ومعظم هذه الملامح ظهرَت في لوحته “الحرية قائدة الشعوب” التي يعتبرها معظم النقاد أَكثر لوحاته شهرةً. وهي تمثل الأَحداث التي جرت في ثلاثة أَيام (27 و28 و29) من تموز/يوليو 1830، تلك الفترة التي ظهرت فيها قوانين حرية الصحافة والتعبير وانتفض الشعب الباريسي. من هنا رسم دولاكروى امرأَة قوية جسَّد فيها الحرية  ورأَى بعض النقاد أَن الرسام إِلى يمين المرأَة في اللوحة أَدخل رسمه الذاتي معتمرًا قبَّعةً سوداء عالية وحاملًا بندقية.

رامبرنت: “الثور الذبيح” (1655)
  1. رامبرنت: “الثور الذبيح”

هي من روائع الهولندي رامبرنت (1606-1669): ثورٌ ذبيحٌ معلَّق، حَوله بقعة من العتمة، رأْسه مقطوع، جلْده مفصود فلا يظهر أَيُّ عضو من جسده المفتوح. وواضح أَن الرسام استخدم فرشاة عريضة كي يُبرز سماكة اللحم المتدلي من الثور الذبيح. وكسائر الأَعمال الهولندية في القرن السابع عشر، تمثل هذه اللوحة النزعة الواقعية في الرسم، وإن هي أَحيانًا تُخفي المعنى الأَساس الدافع إِلى رسم اللوحة. بعض النقاد رأَى فيها احتفالًا عائليًّا بعودة الابن إِلى البيت بعدما كان ضائعًا وتياهًا في حياة تشرُّد فهيَّأَ له والده مائدة ذبح فيها هذا الثور الذبيح. وبعضهم الآخر رأَى فيها معنًى آخر هو تذكير البشر بأَنهم على الأَرض لوقت محدود، ولذا يجب أَن يعيشوا في تقوى وصلاح، واعِين أَن الدينونة الأخيرة تنتظرهم وتفصل بين الصالحين والملعونين. وذهب نقاد آخرون إِلى اعتبار الثور الذبيح رمزَ المسيح المصلوب. وذهب فان غوخ إِلى أَبعد، ففسَّر اللوحة بأَنها ترمز إِلى القديس لوقا، شفيع الرسام وكان الثور رمزه الدائم. والثور هو أَيضًا رمز الجزارين، وقد يكون هذا أَقربَ تفسيرًا مقصدَ الرسام ومعنى اللوحة.

ميكلانجلو: “الخادم الثائر والخادم المحتضر” (1513)
  1. ميكالانجلو: “الخادم الثائر” و”الخادم المحتضر”

سنة 1505 طلب البابا يوليوس الثاني (1443-1513) من ميكالانجلو (1475-1564) أَن ينحت له ضريحًا ضخمًا يبقى داخل كاتدرائية القديس بطرس  في الفاتيكان (روما). وضع الرسام مخططًا لنحو 40 تمثالًا، لكن البابا، لسبب ما زال مجهولًا، أَلغى اتفاقه مع ميكالانجلو. وما إِلَّا بعد وفاة البابا حتى واصل عمله إِنما اختصره إِلى عدد أَقل من التماثيل توزعت على أَصدقاء له، بينها اثنان: “الخادم الثائر” و”الخادم المحتضر”. بعض النقاد رأَى أَن “الخادم المحتضر” يرمز إِلى اللحظة التي تغادر فيها الروحُ جسدها، و”الخادم الثائر” يرمز إِلى رفض الإِنسان القيود المفروضة عليه. وأَيًّا تكن التفسيرات، نجح ميكالانجلو في حفر التعابير الدقيقة على كامل ملامح التمثالَين.

في الجزء المقبل : أَكشفُ عن خمسة أَعمال أُخرى في روائع متحف اللوفر.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى