المملكة العربية السعودية تشهد أول إندماجٍ مصرفي منذ عقدين

يُعتبر النظام المالي السعودي من الأنظمة المالية القوية، إذ يقوم على قاعدة عريضة تضم مجموعة من المؤسسات التي تُقدّم باقة واسعة من الخدمات المالية للمُدّخرين والمستثمرين. وهو نظام يتسم بقدر كبير من الكفاية واستخدام التقنية الحديثة، ويخضع لرقابة صارمة. وأثبت هذا النظام قوته ومرونته خلال أزمة الخليج في مطلع تسعينات القرن الفائت وكذلك الأزمات المالية الأخيرة التي حدثت في كل من آسيا، وروسيا، والبرازيل، والارجنتين، وتركيا. وظل خلال تلك الأحداث الأخيرة متماسكاً ومستقراً.

لبنى سليمان العليان: رئيسة مجلس إدارة البنك الجديد

الرياض – راغب الشيباني

يسير القطاع المصرفي في المملكة العربية السعودية على مسار جديد يشهد فيه الإندماج الأول منذ ما يقرب من عشرين عاماً وسط جهود رامية إلى توسيع نطاق نمو الإئتمان إلى القطاعات المستهدفة، والذي يأتي في وقت يستعد المُقرضون على جميع المستويات للإستفادة من هوامش ربح أعلى.
في 4 تشرين الأول (أكتوبر) أعلن البنك السعودي – البريطاني (ساب) و”البنك الأول” عن أن مجلسي إدارتيهما قد وافقا على إتفاقية مُلزِمة لدمج المؤسستين، الأمر الذي سينتج منه ثالث أكبر بنك في المملكة العربية السعودية. وقد إتفق طرفا الصفقة على تعيين لبنى سليمان العليان، في منصب رئيس مجلس إدارة البنك الموحد الجديد، بعدما كانت عضواً في مجلس إدارة البنك الأول.
وسيتم تحويل أصول البنك الأول إلى البنك السعودي – البريطاني بموجب الإتفاقية، مما يمنح أصول البنك الموحدة أكثر من 70 مليار دولار وقيمة سوقية تبلغ 17.2 مليار دولار.
وسيعمل هذا الإندماج على تضييق السوق المحلية الضيقة أصلاً – حيث يضم القطاع حالياً 13 مصرفاً، وهو رقم أقل من العديد من الدول المجاورة ذات الإقتصادات الأصغر – وسيكون هذا الإندماج الأول من نوعه منذ الإندماج بين البنك السعودي – الأميركي والبنك السعودي المتحد في العام 1999.
في حين أن الإندماج البالغ 5 مليارات دولار، الذي من المتوقع إكتماله في أوائل العام المقبل، والمحتمل أن يؤثر في الأرباح الفورية للمصرف المُوحَّد، وربما يُخفّض العائدات للقطاع الأوسع، فإن أي تأثير سلبي من المتوقع أن يكون قصير المدى في طبيعته.
في بيان صدر في 10 تشرين الأول (أكتوبر)، قالت وكالة التصنيف الإئتماني العالمية “موديز”، أنه عند الإنتهاء، سيوفّر الإندماج مزيداً من التنويع وفرص الإقراض في بيئة إقتصادية بطيئة، فضلاً عن خلق إمكانات متوسطة الأجل للإيرادات وتآزر التكلفة. ﻋﻼوة ﻋﻟﯽ ذﻟك، ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﺗوﻗﻊ أن يتم تعويض ﻣﺧﺎطر اﻟﺗﮐﺎﻣل واﻟﺗﮐﺎﻟﯾف اﻟﻣُرﺗﺑطﺔ ﺑﺎﺳﺗﯾﻌﺎب ﻣﺣﻔظﺔ اﻟﻘروض لدى البنك الأول، اﻟﺗﻲ ﺗﻣﺗﻟك ﻧﺳﺑﺔ أﮐﺑر ﻣن اﻟﻘروض المتعثرة، ﺑﻔواﺋد الإندﻣﺎج.
ويخطط البنك الجديد لاستهداف القطاعات ذات الإمكانات العالية لنمو الإئتمان: الشركات الصغيرة والمتوسطة وسوق التكنولوجيا، جنباً إلى جنب مع التوسع في سوق الرهن العقاري، هي مجالات رئيسية.

القطاع غير النفطي يدفع النمو المصرفي

تتطلع الصناعة المصرفية السعودية على نطاق أوسع تحقيق أرباح أعلى، في أعقاب عودة المملكة إلى النمو الإقتصادي الإيجابي وزيادة الطلب على الإئتمان في القطاعات غير النفطية والإستهلاكية.
إلى جانب إستئناف زيادة الإنفاق الحكومي، فقد توسّع الطلب على الإئتمان في القطاعات غير النفطية الرئيسية في العام 2018. وقد أظهر أحدث تقرير صادر عن مؤسسة النقد العربي السعودي نمواً قوياً للإئتمان على أساس سنوي خلال الربع الثاني في التعدين (40.8٪)، النقل والإتصالات (9.5٪)، والتصنيع (7.8٪).
على الرغم من تراجع أرباح البنوك التجارية خلال الربع الحالي، مُنخفِضةً من 12.2 مليار ريال سعودي (3.3 مليارات دولار) في الربع الأول إلى 11.9 مليار ريال سعودي (3.2 مليار دولار)، فإن إجمالي الإقراض المصرفي للقطاع الخاص إرتفع، حيث سجّل نمواً شهرياً هذا العام من دون حدوث تراجع موسمي في حزيران (يونيو) بسبب شهر رمضان.
في تموز (يوليو)، أفاد صندوق النقد الدولي أنه يتوقع أن يستمر نمو الإئتمان والودائع السعودية قوة في المدى القصير إلى المتوسط.
وقد عكست وكالة “ستاندرد أند بورز” للتصنيف الإئتماني هذه التوقعات، حيث توقعت في تقرير الأول من تشرين الأول (أكتوبر) أن يتوسع الناتج المحلي الإجمالي السعودي بمعدل 2٪ سنوياً حتى العام 2021، عاكساً ذلك فترة الإنكماش التي شهدها العام 2017.
وفقاً لمؤشر “ستاندرد آند بورز”، فإن النمو الإقتصادي الأقوى في العام 2019 ، بالإضافة إلى زيادة أسعار الفائدة الإضافية وارتفاع الإنفاق الحكومي، سيساعد البنوك في المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى على زيادة الأرباح.

رفع أسعار الفائدة لتعزيز الأرباح المصرفية

جنباً إلى جنب مع نمو الإئتمان المعتدل، ينبغي أن تُعزِّز هوامش الفائدة الأوسع أرباح بعض المقرضين السعوديين في الجزء الأخير من العام 2018 وحتى العام 2019.
كانت هوامش الفائدة الصافية في المملكة في اتجاه توسعي منذ العام 2016، حيث إرتفعت من متوسط 2.5٪ في ذلك العام إلى 3.1٪ في منتصف العام 2018، مدعومةً جزئياً بمتوسط تكلفة منخفض للتمويل – الذي، عند 1%، يقف باعتباره الأدنى في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي. ووفقاً لمؤسسة موديز، فإن التضييق النقدي الأخير الذي قام به الإحتياطي الفيديرالي الأميركي يمكن أن يساعد على تسريع هذا التأثير.
متتبعةً تحركات الإحتياطي الفيديرالي الأميركي، قامت مؤسسة النقد العربي السعودي بزيادة سعر الفائدة في المملكة ثلاث مرات في العام 2018، وآخرها في 26 أيلول (سبتمبر) حيث كان الإرتفاع بنسبة 2.25 نقطة أساس. إلى جانب ذلك، فإن عرض سعر الفائدة بين البنوك السعودية لمدة ثلاثة أشهر، وهو معيار رئيسي آخر، تم رفعه إلى 2.7٪ في تشرين الأول (أكتوبر)، وهو أعلى مستوى له منذ حوالي عشر سنين.
إن البنوك التي تتمتع بنصيب كبير من الودائع التي لا تحمل فائدة وقروض شركات بأسعار فائدة مُتغيِّرة هي في موقع أفضل للإستفادة من أي إعادة تسعير، على الرغم من أن القطاع ككل في وضع جيد أيضاً، مع صافي نسبة القروض إلى الودائع هي 84 ٪ إعتباراً من منتصف العام 2018 ، وفقا لمركز الأخبار المالية “سي بي آي فايننشال” (CPI Financial).
ومع ذلك، فإن رفع أسعار الفائدة يُمكن أن يؤثر، في المدى الطويل، على الطلب على الإئتمان والقدرة على خدمة الديون الحالية، خصوصاً إذا استمر الإحتياطي الفيديرالي الأميركي في اتباع سياسة نقدية أكثر تشددًا. وبالتالي سوف يراقب المحللون عن كثب القروض المتعثرة في الصناعات الدورية ذات القدرة المالية العالية مثل البناء والتجارة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى