لماذا فقدت أحزاب المعارضة الجزائرية كل مصداقيتها؟
منذ أشهر عدة تدور في الكواليس السياسية في الجزائر تأكيدات عن عزم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الترشح لولاية خامسة على الرغم من عمره المتقدم (81 عاماً) ومرضه. فهل هناك معارضة تستطيع تحدّيه؟
بقلم داليا غانم – يزبك*
تنتشر منذ فترة في الجزائر أخبارٌ عن إحتمال ترشّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للمرة الخامسة في الإنتخابات الرئاسية المزمع عقدها في العام المقبل. في نيسان (إبريل) الفائت، دعا الأمين العام ل”جبهة التحرير الوطني”، جمال ولد عباس، الرئيس المريض البالغ من العمر 81 عاماً إلى “مواصلة مهمته في التنمية وإصلاح البلاد التي بدأت منذ العام 1999”. وبعد أشهر من التكهنات، يبدو واضحاً بشكل متزايد أن بوتفليقة، الذي يحكم البلاد منذ 19 عاماً، سيخوض الإنتخابات مرة أخرى.
وقد تحرّكت شخصيات من المجتمع المدني ضد هذه الخطوة، ووجّهت رسالة مفتوحة إلى الرئيس طالبةً منه التخلي عن فكرة الترشح لولاية جديدة أخرى للسماح للبلد بإجراء تحوّل يسمح ب “بناء مؤسسات صلبة ومشروعة”. مع ذلك، إن الحفاظ على الوضع الراهن يخدم مصالح عدة وممثلين سياسيين عديدين. وقد سهّلت ذلك حقيقة أن النخب العسكرية والسياسية الجزائرية قد نجحت في تحييد خصومها، لأن أحزاب المعارضة فشلت في كثير من الأحيان في تقديم بدائل متماسكة من الأحزاب التي يدعمها قادة البلاد. الواقع أن المعارضة تميل إلى التصرّف بطرق غير مُنتجة، مما يسمح للنظام بإبقاء الأمور كما هي.
إن النقص الرئيسي لدى أحزاب المعارضة الجزائرية هو عدم إلتزامها المبادئ الديموقراطية والمنافسة الداخلية. لقد ظلت قياداتها وبرامجها عموماً من دون تغيير. غالبية الأحزاب الجزائرية، بما فيها أحزاب المعارضة، تُهيمن عليها شخصية، إما مؤسِّس الحزب أو المؤسِّس المشارك، الذي نادراً ما يتحدّاه، أو يتنافس ضده، أحد في الإنتخابات الحزبية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك “جبهة القوى الإشتراكية”، التي أسّسها حسين آيت أحمد. لقد ظلّ زعيماً للحزب لمدة نصف قرن، على الرغم من أنه كان يعيش في المنفى في سويسرا في جزء كبير من ذلك الوقت. لم تكن الإنتقادات الشعبية والعلنية مسموحة وقد تزعزع الحزب بسبب أزمات عدة في العقدين الأخيرين جرّاء غياب الشفافية والمشاورة الداخلية. بعبارة أخرى، إن حزباً يضغط من أجل جزائر أكثر ديموقراطية لم يتمكّن من تطبيق مبادئ ديموقراطية داخل صفوفه.
وبالمثل، عكست برامج أحزاب المعارضة طموحاً ضئيلاً لتشجيع التغيير. لم تُقدّم مبادرات لتحسين ظروف المواطنين الجزائريين، أو تعزيز قِيَمٍ جديدة، أو الإنخراط في أشكال مُبتَكرة من العمل السياسي. وبدلاً من ذلك، أبقت المعارضة الجزائرية على قواعد اللعبة، مُستندة إلى أنماط السلوك غير الديموقراطي نفسها التي إنتقدتها لدى أحزاب قريبة من النظام.
النقص الثالث لدى أحزاب المعارضة هو أنها تُركّز على الحفاظ على علاقتها بالنظام بدلاً من إيجاد سُبُل للنهوض بمصالح المجتمع. ويبدو أن السعي إلى السلطة هو الهدف الوحيد للمعارضة. لم يكن نشاطها نضالاً من أجل الديموقراطية ومستقبلٍ أفضل، بل هو وسيلة للوصول إلى الحقائب الوزارية والمقاعد البرلمانية والمناصب الرفيعة وتوزيع الريع والجعالات من خلال الرواتب الكبيرة والمزايا الأخرى. وقد خلقت هذه الفوائد روابط الولاء بين شخصيات المعارضة والنظام. لذا هناك بين العديد من الجزائريين شعور بأن أحزاب المعارضة غالباً ما تظل غير ملتزمة بالوصول والحصول على تأثير سياسي ملموس، بدلاً من ذلك تظهر ثانيةً فقط عندما تلوح المواعيد النهائية للإنتخابات. ونتيجة لذلك، سقطت مواقفها ومستواها في عيون دوائرها الإنتخابية. وقد حدّ هذا من جاذبيتها الشعبية وقدرتها على المشاركة العامة، وهذا هو السبب في أن أحزاب المعارضة لم تتمكن من تعبئة وحشد المواطنين، الذين لا يؤمنون بفائدة عملها، أو يشاركونها قِيَمها، أو حتى يثقون بها.
ليس من المستغرب، وفقاً ل”البارومتر العربي لعام 2017″، أن الجزائريين ينظرون إلى السياسيين بنظرة سلبية. وعندما طُلب منهم تصنيف نزاهة السياسيين على مقياسٍ مُكَوَّن من سبع نقاط مع الرقم 1 يُمثّل الأكثر عدم نزاهة، صَنَّف أكثر من نصف المجيبين، البالغ عددهم 1200 شخص، السياسيين على أنهم من الرقم 1 (28 في المئة) أو الرقم 2 (25 في المئة). إن الأحزاب السياسية والبرلمان هما من المؤسسات السياسية التي تتمتع بالثقة الأقل، حيث أن 14 في المئة فقط من المجيبين يثقون في الأحزاب مقابل 17 في المئة في البرلمان. وبالتالي، في الإنتخابات البرلمانية لعام 2017، كان معدل المشاركة 35 في المئة فقط.
من ناحية أخرى، تتم إستمالة الفاعلين السياسيين، بما في ذلك البرلمانيين، بطرق متنوعة وعلى مستويات مختلفة إعتماداً على الموارد المُتاحة للنظام. فعلى سبيل المثال، في العام 2008، رفع مرسوم رئاسي رواتب البرلمانيين الشهرية من 1500 دولار إلى 2400 دولار. لقد كان الراتب الجديد عشرين ضعفاً للحد الأدنى للراتب الشهري المنصوص عليه قانوناً في الجزائر في ذلك الوقت، وحوالي أربعة عشر ضعفاً مما هو عليه اليوم – حوالي 170 دولاراً – كل ذلك لعدم تحميل الحكومة المسؤولية.
وهذا التعاون سمح للبرلمانيين تسلّق السلّم الإجتماعي وتحسين أوضاعهم الإجتماعية والإقتصادية. ومع ذلك، فإن دخولهم إلى أروقة السلطة أتاح لهم أيضاً الإتصال والتواصل وإقامة روابط مع أشخاص آخرين ذوي نفوذ، وخصوصاً من عالم الأعمال. وهذا، بدوره، منحهم الفرصة لتقديم وتوسيع الرعاية إلى الناخبين وشبكات العملاء السياسيين، سواء من المجموعات الإجتماعية عينها أو المناطق أو القبائل التي ينتمون إليها، من خلال التوسط نيابة عنهم والسماح لهم أيضاً الإستفادة من الريع النفطي.
نتيجة لذلك، ما هو موجود اليوم في الجزائر لم يعد نظام الحزب الواحد الذي كانت تهيمن عليه “جبهة التحرير الوطني”، بل هو نظام مُتعدّد الأحزاب يتكوّن من أحزاب تتصرف وكأنها تعمل في نظام الحزب الواحد. إن أحزاب المعارضة غير قادرة على تطوير جداول أعمال على نطاق الأمة يُمكنها أن تكون جسراً للحم الكسور الجغرافية والعرقية واللغوية التي لا تزال تُقسّم الجزائريين. والنتيجة الرئيسية لهذا التشرذم هي أن أحزاب المعارضة لا ولن يُمكنها تحدّي النظام. بدلاً من ذلك، فهي تُجسّد شخصيتها وعلاقاتها بين المستفيد والعميل. لذا لا توجد إمكانية للتناوب السياسي في الجزائر، وهذا هو السبب في أن الإنتخابات الرئاسية المقبلة في البلاد ستكون على الأرجح حدثًاً عادياً.
• داليا غانم – يزبك باحثة مقيمة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيث يقوم عملها على بحث ودراسة العنف السياسي والمتطرف، والتطرف، والإسلام، والجهاد مع التركيز على الجزائر.
• هذا المقال كُتِب بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.