شكرًا نَتِن ياهو…؟

عرفان نظام الدين*

بعد مرور شهر على العدوان الإسرائيلي الغاشم على أهلنا في غزة بات معروفًا أنه لم يُحقّق أيَّ هدف من أهدافه، رُغم التطبيل والتزمير للحرب البرية ومزاعم التفوّق والاقتحام واغتيال القيادات، ولم يبقَ سوى اللجوء إلى الولايات المتحدة لدَعمِ توقيع اتفاقٍ لوقف إطلاق النار ولو لفترة قصيرة وما ذكر عن الأسباب الإنسانية.
وهذه كذبة كبرى تضاف لعشرات الأكاذيب التي ترددت منذ بداية الحرب حيث تجلت الغرائز الوحشية والممارسات العنصرية بأبشع صورها بنسف وتدمير البنية التحتية والأبنية على رؤوس أصحابها لا فرق بين مدرسة ومستشفى، ولا بين طفل وعجوز وامراة ورجل.
هذه التداعيات اصبحت معروفة وصورة الواقع صارت جلية لكن الأمرَ الصحيح الثابت هو أنَّ المجرم نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل ومعه عصابات التعصّب والعنصرية والحقد قد أنجزوا لنا وللقضية الفلسطينية ما عجز عنه العرب بحكامهم وحكوماتهم ومعهم القيادات الفلسطينية ومكوّنات الأمة الثقافية والفكرية والسياسية.
هذه الإنجازات التي تحققت عن غير قصد تستوجب علينا أن نشكرَ أصحابها المغرورين على خدماتهم وأبرزها:
* الصحوة العربية من النوم في عسل الاستسلام، وتحرّك الرأي العام والإعلام والأحزاب إستنكارًا للعدوان، وللمطالبة بتوحيد الصف ودعم أهلنا في غزة، ما أدّى إلى مسارعة الحكام لإيجاد مخرجٍ سريعٍ ومَنعِ وقوع انفجاراتٍ في المدن العربية.
*  عودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة مع تبلور قناعة بأنَّ مزاعم موتها سريريًا لا مكان لها وأنَّ المرحلة المفضَّلة تتطلب تنفيذ مشاريع السلام ولو بصيغة حل الدولتين.
*  عادت قضية وحدة الصف الفلسطيني إلى الواجهة، وترسَّخت على الصعيد الشعبي رُغمَ الاعتراف بضعف القيادات وخسارتها أوراق الدور والمبادرة والدعم الشعبي.
*  تراجعت حدّة التحريض على الكراهية ودعم إسرائيل في حربها المخالفة لكل القوانين الدولية، وسمعنا أخيرًا أصواتًا عاقلة تُدينُ تمادي إسرائيل وغلوها في الجرائم، كما تكثّفت الجهود للتوصل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، وهو ما كان مرفوضًا بسبب الضجة الكبرى والإدانات لعملية غلاف غزة.
*  هذه الإنجازات التي تحققت بفضل صمود المقاومة الفلسطينية، تُضافُ إلى الإنجاز الأكبر وهو بروز أجيال جديدة من الأطفال والرجال والنساء في الداخل والخارج، وهذا ما لمسناه في هتافات ما تحت الركام وما فوقه، وما رأيناه في المظاهرات العربية في الدول الكبرى والدول الاسلامية متل مليونية جاكرتا وشارك فيها الاطفال والتلاميذ من الأجيال الصاعدة الذين يشاركون لأول مرة وفي أيديهم العزم وفي أعينهم نفرأ سطور الملحمة الكبرى التي سيكتبها أطفال الغد ورجال المستقبل. وعندما يجلس نتنياهو وعصابات المتعصبين سيدركون حجم الضرر الذي لحق بإسرائيل وحتمية البحث الجدي لإحلال السلام في الشرق الأوسط قبل أن يخسروا في حالتَي الحرب والسلام.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلل سياسي عربي مُقيم في لندن. كان سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى