العمالة الوافدة في الكويت تُوقع الإمارة الخليجية في مأزق
تُسلّط التشنجات الأخيرة في العلاقات الكويتية – الفلبينية على خلفية سوء معاملة عاملات المنازل، الضوء على حجم إعتماد الإمارة الخليجية الكبير على العمالة الوافدة في الوظائف ذات الأجر المتدنّي.
بقلم سكوت وينر*
في 12 شباط (فبراير) الفائت، أصدرت دائرة االعمل الفلبينية مرسوماً إدارياً رقم 54، حظَّرت بموجبه العمالة إلى الكويت، ما تسبّب بمأزق ديبلوماسي على خلفية المعاملة التي تلقاها عاملات المنازل في ذلك البلد الخليجي. في حين أنه يُرجَّح أن تتكلل المفاوضات الجارية حالياً للتراجع عن القرار والسماح من جديد للعمال الفلبينيين بالقدوم إلى الكويت، بالنجاح، إلّا أنها تُظهر حجم إعتماد الكويت على هذه العمالة بإنتظار أن تتمكّن من تطبيق إصلاحات إقتصادية مُستدامة تساهم في تحفيز الكويتيين على العمل في قطاعات التجزئة والضيافة والخدمات.
في 6 شباط (فبراير) 2018، عثرت الشرطة الكويتية على جثّة جوانا ديمافليس، 29 عاماً، في ثلاّجة. وديمافليس هي عاملة منزلية من التابعية الفلبينية فُقِد أثرها في كانون الأول (ديسمبر) 2016. ولدى الكشف على جثّتها، تبيّن أنها تحمل علامات عن تعرّضها للخنق والتعذيب. وقد عملت الشرطة على إقتفاء آثار الزوجَين اللذين كانا يستخدمان ديمافليس – المواطن اللبناني نادر عصام عساف وزوجته السورية منى عساف – وتم إلقاء إلقاء القبض عليهما لاحقاً في دمشق. وقد شنّ الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي هجوماً لاذعاً على الكويت لدى شيوع النبأ، مؤكّداً أن المستخدِمين الكويتيين يُقدِمون روتينياً على إغتصاب العاملات الفلبينيات، ويُرغِمونهن على العمل 21 ساعة في اليوم، ويطعمونهن الفضلات. وإلى جانب الحظر على إرسال عمال وعاملات إلى الكويت، أعلنت الحكومة الفلبينية أيضاً عن تسيير رحلات مجانية عبر الخطوط الجوية الفلبينية وطيران “سيبو باسيفيك” بتصرّف الفلبينيين المقيمين في الكويت الراغبين في العودة إلى ديارهم. وقد أعربت السلطات الكويتية عن إستنكارها لهذه الخطوات مشيرةً إلى أنها تتسبّب بتأزّم الأوضاع المتشنّجة أصلاً، لكنها أرسلت ديبلوماسيين إلى الفلبين أملاً في تسوية المسألة ورفع الحظر. وقد أفضى ذلك إلى إبرام إتفاق يُنظِّم ظروف عمل أبناء التابعية الفلبينية في الكويت، إنما لم يتم بعد رفع الحظر في شكل كامل. بعد قرار السلطات الفلبينية حظر العمالة إلى الكويت، دعت النائبة الكويتية صفاء الهاشم إلى وقف المساعدات الخارجية التي تقدّمها الكويت إلى الفلبين. وتنطلق مثل هذه المقترحات من المشاعر الشعبوية المناهضة لأبناء التابعيات الآتية من دول جنوب آسيا في الكويت. غير أن الحكومة الكويتية لم تنظر جدّياً في الإقتراح، الذي لم يكن من المتوقع أنه سيكون له أي تأثير إيجابي يُذكَر.
تشكّل الجاليات الأجنبية الوافدة نحو ثلثي سكّان الكويت البالغ عددهم 4.5 ملايين نسمة، ويعمل أبناؤها على السواء في وظائف الياقات الزرقاء (الذين يقومون بعمل يدوي ميداني كالعمال) والبيضاء (الذين يقومون بعمل “ذهني” مكتبي مثل المديرين والمتخصصين). في منتصف آذار (مارس) الماضي، إقترحت الحكومة الكويتية، كما أُفيد، السماح لأبناء الجاليات الأجنبية بالتملّك، لكن ما عدا ذلك لا تُتاح أمام هؤلاء أي فرص فعلية للمشاركة رسمياً في المجتمع الكويتي. في حين إتّخذت الكويت أخيراً خطوات لخفض نسبة العمال الوافدين في الاقتصاد الكويتي، إلا أن هذه الخطوات إستهدفت في شكل أساسي موظّفي الياقات البيضاء. وقد حدّدت السلطات أخيراً مهلة زمنية تنتهي في العام 2023 لإستبدال الأجانب الذين يعملون في الوظائف الحكومية، وتسعى إلى زيادة العمالة الكويتية في القطاع المصرفي إلى 80 في المئة بحلول نهاية العام 2018. كذلك تسعى الحكومة إلى التوقف، بعد تموز (يوليو) 2018، عن إستخدام العمال الوافدين دون سن الثلاثين الذين يحملون شهادات جامعية.
بيد أن الإقتصاد الكويتي لا يزال يعتمد بقوة على العمالة الوافدة، وخير دليل على ذلك إستعجال الكويت في دفع الفلبين نحو العودة عن قرار الحظر. ونظراً إلى أن عدداً كبيراً من الكويتيين يحصل على إعانات حكومية أو يعمل في القطاع العام، فإن قلّة منهم تُبدي إستعداداً للعمل في وظائف متدنّية الأجر. لذا يتواجد العمّال الوافدون بأعداد كبيرة في إقتصاد الخدمات وسوق وظائف الياقات الزرقاء في الكويت. على سبيل المثال، تشكّل عاملات المنازل أكثرية ضئيلة من أبناء التابعية الفلبينية في الكويت، وعددهم 25ذ ألفاً. لقد إتّخذت الحكومة الكويتية بضع خطوات للحد من إستخدام العمال الوافدين في هذه الوظائف، مثلاً عبر فرض قيود مؤقتة، في الخامس من آذار (مارس)، على توظيف العمال البنغلاديشيين. غير أن الطبيعة المحدودة لهذه الإجراءات تشكّل، في الوقت نفسه، إقراراً بالحاجة إلى هؤلاء العمال من أجل الحفاظ على الإستقرار الإقتصادي في البلاد. وما يزيد من تعقيدات المسألة أن الكويت ودولاً خليجية أخرى تؤدّي دوراً متنامياً في الإقتصاد العالمي. ففيما تتعزّز المكانة التي تشغلها إقتصادات الخليج على الساحة الدولية، سوف تبرز إلى الواجهة أيضاً التساؤلات حول ظروف العمالة وحقوق العمّال الوافدين في المنطقة.
في حين أن تصريحات الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي تُبالغ في تصوير حجم سوء المعاملة – وعلى الرغم من إقرار قانون عن العمالة المنزلية في حزيران (يونيو) 2015 يفرض أن تكون هناك شفافية أكبر في التوظيف والأجور – لا تزال سوء المعاملة موجودة. لقد توفّي نحو مئتَي عامل فلبيني في الكويت خلال العامَين المنصرمين، مع الإشارة إلى أن 22 منهم قضوا إنتحاراً. وفي كانون الثاني (يناير) 2017، إعتقلت الشرطة الكويتية رجلاً في محافظة الفروانية بتهمة ضرب العاملة الفلبينية في منزله حتى الموت، وفي 22 شباط (فبراير) الفائت، حُكِم على مواطن كويتي بالسجن سبعة أعوام بتهمة الإعتداء على العاملة الفلبينية في منزله. لقد عملت الفلبين، من طريق سفارتها، مع الحكومة الكويتية عن كثب للتأكّد من أن المُستَخدِمين يتقيّدون بالقانون، إنما لا يمكنها تنظيم الأسر حيث يعمل عدد كبير من الفلبينيين. هذا فضلاً عن أن نظام الكفالة المعمول به في الكويت، والذي يربط تأشيرات سفر العمّال بمستخدميهم، يُتيح فرصاً كثيرة لإستغلال العمال الوافدين. ومن شأن إعلان الكويت، في 27 آذار (مارس)، أنها ستطبّق ما يُسمّى بـ”تأشيرة الإختبار” لمدة مئة يوم في حالة الأجانب الذين ينتقلون من وظيفة إلى أخرى، أن يحدّ من الفرص المتاحة لاستغلال العمالة الوافدة، إنما لن يقضي عليها بالكامل.
إن الإهتمام الذي أولته الحكومة ووسائل الإعلام الكويتية لحظر العمالة الفلبينية هو مؤشّر واضح عن أنه ليس بإمكان الكويت التخلّي بسهولة عن العمالة الوافدة. في حين أن إستهداف العمالة الوافدة قد يكون منطقياً من الناحية السياسية رداً على القومية الشعبوية، فإن الحكومة تدرك أن العمال الوافدين يشكّلون عنصراً أساسياً في نجاح الكويت الاقتصادي. وقد لا تكون القوة العاملة المستندة إلى العمالة الوافدة أمراً مثالياً بالنسبة إلى الفصائل القومية الكويتية، لكنها تشكّل، في المستقبل المنظور، جزءاً لا يتجزأ من إقتصاد العمل في البلاد. في نهاية المطاف، يقتضي خفض أعداد العمال الوافدين في الإقتصاد الكويتي إقناع المواطنين الكويتيين بالعمل في وظائف تتطلب مجهوداً كبيراً وذات أجر متدنٍّ – وهو أمر غير جاذب لا للكويتيين ولا لحكومتهم. بيد أن الاحتفاظ بالعمالة الوافدة في القوى العاملة الكويتية مع الحؤول في الوقت نفسه دون حدوث حظر جديد مشابه للحظر الذي تفرضه الفلبين حالياً، يتطلب تقديم مزيد من التطمينات التي تؤكّد أنه لن يتم إستغلال العمال الوافدين وإساءة معاملتهم، كما يتطلب تلبية الإحتياجات الأساسية لهؤلاء العمال على صعيدَي الدخل والرعاية الصحية، ومنحهم محفّزات لإستثمار رواتبهم في الاقتصاد الكويتي. الواقع أن العمالة الوافدة في الكويت تدعم إقتصاد البلاد منذ عقود، لذا فإن التغيير لن يتحقق على وجه السرعة. غير أن دعم العمال الوافدين مع العمل على تشجيع الكويتيين على المشاركة بقدر أكبر في القوة العاملة في القطاع الخاص يمكن أن يشكّل الخطوة الأولى نحو دفع البلاد باتجاه مستقبل إقتصادي أكثر !ستدامة.
• سكوت وينر أستاذ مساعد في العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن الأميركية.
• عُرِّب هذا الموضوع من الإنكليزية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.