إسرائيل تعشق الجدران والأسوار

بقلم باسم رحال

إسرائيل تحب الجدران وتعشق الأسوار. في أوائل الشهر الجاري، بدأت تشييد شريحة من جدار خرساني على طول خط وقف إطلاق النار مع لبنان، رغم إعتراض بيروت وتأكيدها بأن هذا البناء يتعدّى على الأراضي اللبنانية، وهو “عدوان” على سيادة لبنان. وتقول الحكومة أن الجدار الجديد سيُبنى على أراضٍ لبنانية وُضِعَت خطأ على الجانب الاسرائيلي من الخط الأزرق الذي رسمته الامم المتحدة بعدما سحبت إسرائيل قواتها والميليشيات الحليفة لها من جنوب لبنان فى العام 2000.
وهذا ليس الجدار الأول الذي تبنيه الدولة العبرية بالقرب من خط الهدنة اللبناني. في العام 2012، بنت إسرائيل جداراً بإرتفاع 7 أمتار، وطول 1200 متر بالقرب من بلدة المطلة. وقبل بناء الجدار كان السياح والناشطون اللبنانيون الذين يزورون قرية كفركلا يتجمّعون على طول السياج الفاصل بين البلدين لإطلاق صيحات الشتائم وإلقاء الحجارة على القوات والدوريات الإسرائيلية وعلى العمال الذين يزرعون المحاصيل.
وقد إعترفت إسرائيل بالحدود مع مصر والاردن بموجب إتفاقات سلام تم التوصل اليها مع هاتين الدولتين في العامين 1979 و1996 على التوالي، فيما تفصل خطوط وقف إطلاق النار بينها وبين لبنان وسوريا، وهما الدولتان الحدوديتان اللتان ما زالتا في حالة حرب معها. وتقول بيروت إن تل أبيب تحتل بشكل غير قانوني مساحات من الأراضي التي خصّت فيها بريطانيا وفرنسا لبنان في 1922-1923 عندما حدّدتا حدود فلسطين وسوريا. وقد إحتلت اسرائيل وإستولت على مرتفعات الجولان السورية منذ العام 1967.
في أيلول (سبتمبر) 2016، سأل صحافي من صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إذا كان يخطط لبناء حواجز وجدران في جميع أنحاء البلاد، فأجاب: “هل سنحيط كل دولة اسرائيل بأسوار وحواجز؟ الجواب هو نعم. في المناطق التي نعيش فيها يجب ان ندافع عن أنفسنا ضد وحوش برية”. في ذلك الوقت، كانت إسرائيل تُشيّد جداراً مصمماً ليمتد على طول الحدود مع الأردن.
الواقع أن نتنياهو كان يُردّد صدى كلمات فلاديمير جابوتنسكي، المفكر الإيديولوجي الصهيوني الذي كتب في العام 1923 بأن الفلسطينيين لن يقبلوا بغالبية يهودية في فلسطين، لذا “يجب على الإستيطان الصهيوني أن يتوقف، أو أن يتصرّف ويتقدم بغض النظر عن السكان الأصليين. وهذا يعني أنه يستطيع المضي قدماً والتطور فقط تحت حماية سلطة مستقلة عن السكان الأصليين – وراء جدار حديدي، والذي لا يمكن للسكان الأصليين إنتهاكه”.
أصبح جابوتينسكي، الذي كان مؤسس الحركة التنقيحية أو التحريفية التي دعت المنظمة الصهيونية إلى إقامة إسرائيل على ضفتي نهر الأردن، إيديولوجي حزب “حيروت”، السالف لكتلة الليكود التي ينتمي إليها نتنياهو. عاش جابوتينسكي في نيويورك حيث كان بنزيون نتنياهو، وهو طليع الحركة التنقيحية، سكرتيراً له. وبنيامين نتنياهو هو ابن بنزيون نتنياهو الذي توفي في إسرائيل في العام 2012.
وقال بنيامين نتنياهو ان مشاريع الجدار التي تبلغ تكاليفها مليار دولار ستشمل أيضاً إغلاق بعض الأقسام فى مجمع الجدار والسور في الضفة الغربية. وقد وسعت إسرائيل حواجزها الأمنية على طول الحدود مع مصر، وحاصرت غزة بسياج أمني، وشيّدت جداراً على طول خط الهدنة، فاصلة أراضيها عن سوريا. ومن المهم الإشارة إلى أن إسرائيل بنت سياجها حول غزة في العام 1994 بعد التوقيع على إتفاقات أوسلو التي كان ينبغي أن تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية في القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة، وأن تُبشّر بالسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وبإنشائها لسياج غزة، كشفت تل أبيب أنها ليست لديها نية لتلبية التوقعات الفلسطينية من عملية أوسلو، وستواصل مواجهة ومحاربة الفلسطينيين والعالم العربي.
ويُعتبر الجدار الإسرائيلي فى الضفة الغربية “حاجز الفصل” بالنسبة إلى إسرائيل و”جدار الفصل العنصري” بالنسبة إلى الفلسطينيين. ويمتد 15 في المئة من هذا الجدار، الذي يبلغ إرتفاعه 8 أمتار وطوله 708 كيلومترات، على طول الخط الأخضر القديم الذي فصل إسرائيل، داخل خط الهدنة لعام 1948، من الضفة الغربية، التي كان يحكمها الأردن في الفترة من 1948 إلى 1967، بينما بلغت نسبة 85 في المئة الأخرى من الجدار عمق الضفة الغربية. ولا يشكل هذا إستيلاء على الأراضي فحسب بل يعزل أيضاً المدن والبلدات والقرى الفلسطينية ويمنع حرية حركة الفلسطينيين والبضائع.
وفي حين إستخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لحماية إسرائيل من الإدانة بسبب جدار الضفة الغربية، فقد أصدرت محكمة العدل الدولية في العام 2004 قراراً يقول: “لا يمكن لإسرائيل أن تعتمد على حق الدفاع عن النفس أو حالة الضرورة من أجل إستبعاد وإلغاء عدم مشروعية بناء الجدار”. وخلصت المحكمة إلى أن “بناء الجدار والنظام المرتبط به يتعارضان مع القانون الدولي”. وقالت المحكمة انه يتعين إزالة الجدار، ويجب تعويض الفلسطينيين عن الأضرار، كما يتعين على الدول الاخرى ضمان إمتثال إسرائيل لإتفاقية جنيف الرابعة التى تمنع السلطات المحتلة من الإستيلاء وتوطين مواطنيها في أراضٍ إحتلتها.
وكتب “بيروتي” مُنتقداً جدار إسرائيل الأخير على “نهار- نت”: “في بولندا [قبل الحرب العالمية الثانية] كان الشعب اليهودي يعيش في “غيتو” من صنع البولنديين، والآن يبني الشعب اليهودي في إسرائيل جدراناً، لأنه حسبما يبدو يشعرون بالأمن فقط وراء الجدار، بدلاً من التحاور والتقرب من جيرانهم. إن الجناح اليميني الإسرائيلي يحول بلادهم إلى “غيتو”. إنهم لا يسدّون المنافذ على الفلسطينيين واللبنانيين بقدر ما يسدّون المنافذ على أنفسهم”.
كان من الممكن تجنب كل هذه الجدران لو تبنّت إسرائيل إقتراح الجامعة العربية للسلام الذي أصدرته قمة بيروت في العام 2002. لقد إقترحت الجامعة تطبيعاً كاملاً مع الدولة العبربة مقابل الإنسحاب الإسرائيلي الكامل من الاراضي العربية التى إحتلتها اسرائيل فى العام 1967. ولم يقتصر الأمر على رفض اسرائيل للعرض العربي لكنها غزت الضفة الغربية فوراً رداً على هجوم فلسطيني على بلدة ساحلية إسرائيلية. وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك هو الليكودي أرييل شارون الذي كان إقتراحه المضاد لإقتراح قمة بيروت “السلام مقابل السلام” بدلاً من “الارض مقابل السلام”. وبحلول الوقت الذي أرسل فيه قواته إلى الضفة الغربية، قام شارون ببناء الأجزاء الأولى من الجدار غير القانوني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى