وصول تركيا إلى البحر الأحمر يُثير قلق مصر والسعودية والإمارات
خلال الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أخيراً إلى السودان عقد إتفاقاً مع الرئيس السوداني عمر البشير تسيطر بموجبه تركيا لفترة موقتة على جزيرة سواكن في البحر الأحمر، الأمر الذي ولّد قلقاً في مصر والسعودية والإمارات.
الخرطوم – هدى أحمد
كان إبراز قوة تركيا ونشر نفوذها بشكل أكبر في أفريقيا دائماً من الأسس لجدول أعمال سياسة “حزب العدالة والتنمية” الخارجية. وسعياً إلى تحقيق هذا الهدف، قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بجولة في السودان وتشاد وتونس في الشهر الفائت.
خلال زيارته إلى الخرطوم وقّع أردوغان ونظيره السوداني عمر حسن البشير 13 صفقة بلغت قيمتها 650 مليون دولار والتي سينتج عنها مطار جديد، ومنطقة تجارة حرة في الميناء الرئيسي للعاصمة السودانية، والعديد من صوامع الحبوب، ومحطات توليد الكهرباء، ومستشفى وجامعة جديدان. وإتفقت تركيا والسودان على زيادة التجارة الثنائية بمقدار 20 ضعفاً.
كما إتفقت أنقرة والخرطوم على أن تكون لتركيا سيطرة مؤقتة وإعادة بناء جزيرة سواكن، التي كانت تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر، ولكن تم التخلي عنها منذ القرن الماضي، حيث توجد الآن خطط للأتراك لبناء ميناءٍ ومَرَاسٍ. إن هذا الميناء في شمال شرق السودان قد يخدم قريباً الأغراض العسكرية والمدنية لأنقرة على حد سواء، في حين سيسمح للمزيد من المسلمين في أفريقيا الوصول إلى مكة في محاولة تركية للحصول على مردود مالي من صناعة الحج والعمرة.
إن جزيرة سواكن، على الرغم من أنها كانت تحت الحكم العثماني لمئات السنين، فإن لها صلات تاريخية عميقة مع جدّة، مُتجذّرة في الروابط التجارية القديمة التي ربطت أفريقيا إبشبه الجزيرة العربية والهند. في الواقع، قد يخلق موطئ قدم جديد لتركيا في البحر الأحمر إحتكاكاً جديداً في العلاقات السعودية – التركية. إن تعزيز السياحة الدينية وجعلها أكثر ربحية للسعوديين هما من الركائز المهمة لرؤية 2030، ومع تخطيط المسؤولين في الرياض لتوليد أكثر من 150 مليار دولار من الإيرادات من الحج والعمرة بحلول العام 2022، فإن المملكة من المرجح أن ترى التحركات التركية كقاطعٍ ومُفسد للأرباح السعودية.
في نهاية المطاف، لقد فتحت الخرطوم البوابة لدخول أنقرة إلى البحر الأحمر لموازنة العواقب الإقتصادية والسياسية السلبية للمشاكل التي لم تُحلّ في العلاقات الأميركية – السودانية، فيما تبحث الخرطوم عن زيادة تنويع الشركاء العسكريين مع إستمرار نظام البشير في محاربة المتمردين في دارفور وأجزاء أخرى من البلاد. ومن وجهة نظر أنقرة، فإن السيطرة التركية على جزيرة سواكن تعزز مسعى تركيا إلى إقامة وجود عسكري أكثر قوة في الخارج، وهو ما أبرزته قاعدتا تركيا الأخرتان في الصومال وقطر. إن الطبيعة التاريخية لجزيرة سواكن تحت الحكم العثماني تتجاوب مع طموح قيادة حزب العدالة والتنمية لتعزيز القوة التركية الخشنة على المستوى العالمي وفرصة لتوسيع القوة الناعمة في جميع أنحاء أفريقيا وخارجها.
على الرغم من أن القيادة السودانية قد أكّدت أن موطئ قدم تركيا في مدخل المياه المالحة لن يُهدّد أي دولة عربية، فإن بعض الجهات الفاعلة الإقليمية – وبخاصة مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة – تنظر إلى الدور التركي الطموح في شرق السودان بطريقة سلبية وبقلق شديد. إن إستراتيجيات القاهرة والرياض وأبوظبي البحرية تُركّز على بناء قدرات أمنية بحرية قوية والقيام بعملياتٍ لمنع ووقف التجارة غير المشروعة وتهريب الأسلحة. وبينما كانت تركيا شريكاً قادراً على مكافحة القرصنة في خليج عدن، فإن الوجود البحري التركي الدائم في بيئة أمنية مشددة على البحر الأحمر قد لا يُعزز التعاون بين أنقرة والدول العربية المتاخمة للمياه.
وسط إعادة تموضعٍ مُحتمَل في المنطقة، فإن تعزيز تحالف تركيا وقطر يشكّل تطوراً جيوسياسياً مُقلقاً للدول العربية الرباعية التي قطعت العلاقات مع الدوحة في حزيران (يونيو) 2017 – السعودية ومصر والإمارات والبحرين. إن “حيادية” السودان في أزمة قطر، مُقترنةً بإبلاغ البشير للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الخرطوم سوف تُعارض أي حرب ضد إيران، قد تركت الدول الأربع قلقة من تحوّل السودان إلى محور أنقرة – الدوحة. في الواقع، فإن زيارة كبار المسؤولين القطريين للخرطوم في وقت زيارة أردوغان لها تثير بالتأكيد الشكوك حول تحوّل السودان بعيداً من الرياض وأبو ظبي.
ويتّضح من المطالب ال13 التي وضعتها الدول الأربع كشروط للكتلة لتسوية أزمة مجلس التعاون الخليجي بأن مصر والإمارات العربية المتحدة تتشاركان في النظرة السلبية تجاه القاعدة التركية في قطر، والآن تنظران إلى قاعدة تركية مستقبلية في السودان كتهديدٍ أمني آخر. والمشاحنة الديبلوماسية بين القاهرة والخرطوم التي إندلعت بعد وقت قصير من زيارة أردوغان للسودان تؤكد هذه الديناميكية الدقيقة في ميزان القوى في البحر الأحمر. ويخشى المسؤولون في القاهرة من أن تشعر الخرطوم، مع وجود عسكري تركي في جزيرة سواكن، بالجرأة الكافية للقيام بخطوة عدوانية تجاه منطقة حدود مثلث حلايب، وهي قطعة من الأراضي الساحلية تقع على البحر الأحمر تحت سيطرة مصر، والتي تتنازع عليها الأخيرة مع الخرطوم منذ عقود عدة. وأفادت التقارير أن مصر نشرت قواتها العسكرية في المياه بالقرب من المنطقة الحدودية المتنازع عليها في العام 2017. وفي الوقت نفسه، ونظراً إلى أن السودان موطنٌ لأعضاء جماعة “الإخوان المسلمين” المصريين، التي أيدتها تركيا خلال رئاسة محمد مرسي، فإن القاهرة قلقة من تدعيم وتعزيز نفوذ أنقرة في الجار الجنوبي لمصر.
ويشير نشر مصر لقواتٍ في إريتريا بعد زيارة أردوغان إلى جزء من إستراتيجية القاهرة لمواجهة السودان جيوسياسياً، جنباً إلى جنب مع دور مصر الناشىء كوسيط في جنوب السودان مع أوغندا. وعلى الرغم من أن الرئيس الإريتري أسياس أفورقي نفى بسرعة وجود الجيش المصري على أراضي بلاده، إلا أن البشير أرسل بعض القوات السودانية إلى منطقة كسلا الحدودية بعد إغلاق الحدود السودانية – الإريترية. وبالإضافة إلى موقع تركيا الجديد في جزيرة سواكن، فإن منطقة حدود مثلث حلايب وإستضافة الخرطوم لبعض الإسلاميين المصريين في السودان، هما من المسائل التي تتعلق بمصالح مصر في مجال الأمن المائي والتي تُكثّف الإحتكاك والإحتقان في العلاقات بين القاهرة والخرطوم. وبما أن الخلافات التي لم يتم حلّها بشأن مشروع السد الضخم للنهضة الإثيوبية الكبرى ما زالت تؤجج توتراً كبيراً بين مصر والسودان، فإن الدعم الأقوى من أنقرة للخرطوم سوف يزيد من تصوّر القاهرة لسياسة “حزب العدالة والتنمية” التركي الخارجية بأنها تُهدّد الأمن القومي المصري.
ويشير تحرك تركيا إلى إتجاهٍ أوسع نطاقاً حيث تتسابق القوى الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وخارجها إلى إنشاء قواعد عسكرية أو وجود عملي في البحر الأحمر. فلدى إسرائيل قاعدة بحرية في الطرف الشمالي للبحر الاحمر في إيلات. ومصر، مع أقوى جيش عربي، لديها أربع قواعد في البحر الأحمر. والإمارات العربية المتحدة لديها قاعدة في إريتريا وموانئ في اليمن. ومدينة جدة في المملكة العربية السعودية التي تقع على البحر الأحمر هي موقع قاعدة الملك فيصل البحرية. وقال مسؤولون اسرائيليون ان ايران إستخدمت ميناء عصب فى إريتريا لتهريب الاسلحة عبر الدول الافريقية والعربية. وتستضيف جيبوتي منشآت عسكرية للعديد من الدول، بما فيها الصين واليابان، اللتان لهما قواعد عسكرية أجنبية فقط في هذا البلد الأفريقي، إلى جانب فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
وقد أضاف إتفاق البشير وبوتين، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 في سوتشي، على خطط لقاعدة عسكرية روسية على ساحل البحر الأحمر في السودان، موسكو إلى قائمة العواصم التي تركز على نشر القوة الخشنة في هذه المياه. ويرى الروس أن موطئ قدم تركيا في جزيرة سواكين هو أمر إيجابي لإستراتيجيات موسكو البحرية المستقبلية في البحر الأحمر مع إستمرار تدهور العلاقات الأميركية – التركية.
وبالفعل، فإن ما يقرب من عُشرِ التجارة البحرية العالمية تجتاز البحر الأحمر، ونظراً إلى مبادرة “حزام واحد وطريق واحد” التي أطلقتها الصين، إلى جانب الطلبات المتزايدة من السكان الآخرين المتعطشين للطاقة في البلدان الآسيوية التي تشهد نمواً سكانياً مثل الهند، من المتوقع أن يصبح البحر الأحمر بشكل متزايد مشغولاً بحركة المرور بينما كان بمثابة بوابة بين أوروبا والشرق الأقصى. ومن المتوقع أن يتضاعف عدد سكان حوض البحر الأحمر بحلول العام 2050، شريطة أن تتضاعف تجارة أفريقيا مع قارات أخرى تقريباً خلال القرن الواحد والعشرين، ومن المرجح أن تصبح موانئ البحر الأحمر التي تربط قارات متعددة ذات قيمة متزايدة إقتصادياً وجيوسياسياً على حد سواء.
ومن المرجح أن يصبح البحر الأحمر مسرحاً للمنافسة الجيوسياسية المُكثّفة بين الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية مع جداول أعمال تصادمية ومصالح متزايدة في تأمين النفوذ عبر المجاري المائية الحيوية الأكثر إستراتيجياً في الشرق الأوسط. إن دخول تركيا إلى هذه المياه يثير أسئلة جديدة لدى الدول العربية التي تواجه مخاطر عالية في البيئة الأمنية للبحر الأحمر.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.